مقال جسور

أي مستقبل ينتظره اللاجئون الفلسطينيين في لبنان؟

أي مستقبل ينتظره اللاجئون الفلسطينيين في لبنان؟
*صحافية مستقلة وكاتبة في صحيفة لوموند

في كل مرة أذهب فيها إلى مخيم فلسطيني في لبنان أعود وأنا أشعر بألم راسخ في داخلي. إنها تلك الحكايات المخيبة للآمال عن اللاجئين. هذه المباني التي تفتقر إلى الشروط الصحية التي تروي قصص الاكتظاظ والأحلام المحكوم عليها بالخيبة، وهذه الأسلاك الكهربائية الممدودة بشكل عشوائي، وهذه الأزقة التي تعاني من الرطوبة بسبب عدم وصول أشعة الشمس إليها. لقد ترسخت هذه المشاهد البائسة مع مرور الزمن، واستُنفدت الكلمات  المستخدمة في وصفها. ربما يكون الشعور بالضيق ناجم عن المؤشر الصادم  للتدني الكبير في النسبة المئوية للشباب الفلسطينيين الذين يتابعون دراساتهم، في وقت يشكل التعليم ركناً أساسياً في حياة الناس منذ سنوات طويلة.

 
ليس كل شيء ثابتاً، لكن هذا ليس بالضرورة مصدراً للعزاء، فعلى مر السنين تم بناء “جدار أمني” حول مخيم عين الحلوة، الذي يُعتبر “عاصمة” اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتقدمت عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد، ولكن ببطء شديد. وإذا اتسعت الأزقة هناك، فإن المساكن تبقى أصغر، رغم أنه يمكن الاعتبار، ولمرة واحدة على الأقل، أنه تم إعادة بناء أحد المخيمات. كما تغير وجه هذه المناطق المحصورة: فقد تخلى الفلسطينيون في لبنان عن منازلهم في مخيم مار إلياس للأثيوبيين، وفي مخيم شاتيلا للسوريين، وفي مخيم ويفل عند مدخل بعلبك للفلسطينيين القادمين من سوريا. وتمكن آخرون من الوصول إلى أوروبا من خلال سلوك طرق سرية. لكن كم عدد الذين أعيدوا إلى المخيمات في لبنان بعد أن فقدوا كل شيء؟
 
إن الشعور بالحزن العميق الذي أتحدث عنه لا ينبع من الشفقة، بل إنه شكل من أشكال الذهول والغضب. كل شيء كان يمكن أن يكون مختلفاً جداً، وكل شيء يمكن أن يكون كذلك.
بالطبع، ليست المخيمات مجرد مرادف للمآسي التي يسودها الفقر والعنف والمخدرات. ففيها يمكن أن توجد أيضاً هذه الروابط الاجتماعية القوية، والتي يعود إليها اللاجئون الذين تركوا الأزقة المحاطة بالأسوار، بحثاً عنها في بعض الأحيان. ويبرز هذا الالتزام من جانب الأشخاص الذين يواصلون تقديم الرعاية، وإقامة المشاريع الجماعية، ودعم الأطفال في تعليمهم. هذه هي الهوية الفلسطينية التي يتم الحفاظ عليها ونقلها بشجاعة من جيل إلى آخر. هذا هو الإبداع المستخدم لمواجهة الآفاق المسدودة.
 
لكن هذه القدرة على الصمود تضمن البقاء، وليس المستقبل الذي يبدو مظلماً. يتعلق الأمر بالموارد المالية التي لطالما يصعب جمعها، غير أن اللاجئين الضعفاء هم في طليعة المتضررين من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تدمر لبنان. كما لن يكون ممكناً تجديد البنية التحتية التي تمس الحاجة إليها، دون توفر أموال إضافية. وتبقى إمكانية إنجاز التحسن مرتبطة بالمسألة السياسية. غير أن سقفاً زجاجياً مزدوجاً يمثل عائقاً كبيراً يحول دون تحقيق كل أمل. فعلى الساحة الوطنية، يستمر رفض التوطين والأحقاد التاريخية في توجيه خط ٍمعادٍ لمنح الحقوق الاجتماعية الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وعلى الساحة الإقليمية والدولية، يرخي الجُبن بثقله على قضيتهم التي لم تحل، والتي يتم التعامل معها كموضوع اقتصادي أو اجتماعي، إن لم تكن من بقايا الماضي. ولكن كيف يمكن محو بُعدها السياسي الذي يندرج في صلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ يُضاف إلى ضرورة تجاوز هذه العقبة المزدوجة الحاجة لتجديد القيادة الفلسطينية، كما حثت على الأمر حنان عشراوي من رام الله.
 
إن الانقسام الأخير الذي شهدته الجبهة العربية، بعيداً عن التفاهم المشترك الذي كان سائداً حول مبادرة السلام العربية التي أطلقت من بيروت عام 2002، لا يبشر بالخير للاجئين، مثلما هو حال الكارثة التي تعصف بلبنان. ولكن هل توفرت اللحظة المناسبة التي تتيح تحسناً في محنة الفلسطينيين بعيداً عن أي استغلال سياسي؟
 
لا يزال من الصعب إنكار بعض الأدلة: من ناحية، كيف يمكن بناء أي سلام أو استقرار بعد أن تمَّ على المستويين الاقليمي والدولي طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم أثناء قيام دولة إسرائيل وعلى مدى مراحل الصراع العربي الإسرائيلي الذي أعقب ذلك، دون الاعتراف بظلم تاريخي أو التعويض عنه؟ من ناحية أخرى، وعلى المستوى الوطني، من يعتقد أن السماح للاجئين بأن يعيشوا حياة كريمة في أماكن تواجدهم من خلال القضاء على التمييز ضدهم، سوف يؤدي إلى إعادة النظر في هويتهم وسعيهم لتحقيق العدالة؟ هاتان الخطتان لا تنفصلان إذا أُريد بناء مستقبل أفضل لهم