مقال جسور

إستعادة الثقة وبناء ذاكرة التعاون المتبادل

إستعادة الثقة وبناء ذاكرة التعاون المتبادل
* عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، ممثل سابق لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
 
كان تكليفي بملف لبنان عام 2006 وبشكل مفاجئ بمثابة تحدٍ صعب، لأنني أعرف تعقيدات لبنان وخصوصيته وحجم التراكمات من الآلام والهموم بفعل ما تعرّض له من حروب مع إسرائيل وتفاعلات داخلية وخارجية، كان استشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، بداية لها ولما بعدها من تداعيات قد تطاول الجميع.
 
كان هذا التكليف يتطلب صلاحياتٍ كاملة لي كممثل للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بصلاحيات كاملة، ومسؤول لحركة فتح بهدف بناء أفضل العلاقات بين القيادتين الفلسطينية واللبنانية. وكان ذلك بتوقيع الرئيس أبو مازن، وهذا ما مكنني من أن أتعامل وعلى المسافة نفسها مع مختلف الأطراف، وفتح أمامي كل الأبواب وآفاقاً جديدة للعمل.
 
 وبالتشاور مع قادة الفصائل الفلسطينية بمجموعها في لبنان، اعتمدنا خطة نالت إعجاب المستوى الرسمي اللبناني، تتلخّص برفض التوطين والتهجير. فمخيماتنا لن تكون سكّيناً في خاصرة السلم الأهلي، ولن تكون ملجأ للهاربين من وجه العدالة اللبنانية، وأن السيادة للبنان والعدالة للفلسطينيين… وعملنا على رفع القيود عن ممارسة الفلسطيني لبعض المهن، وكذلك حرية التنقل وتسهيلات الإجراءات المتعلقة بالهوية، وخضنا في حوارات شملت كل الجهات تكلّلت عام 2006 باستئناف التمثيل الفلسطيني، الذي مثل استفتاءً لبنانياً بحضور جميع الأطراف ومختلف التلاوين السياسية والمذهبية، وبتكريس مبدأ القيادة الجماعية، وتحديد نقاط اللقاء فلسطينياً التي توحّدنا في لبنان، وتركنا قضايا الخلاف من دون طغيانها على الساحة اللبنانية، وسرنا مع مختلف الفصائل أسرة واحدة كرافعة وليس عبئاً على إخواننا اللبنانيين. وكرّسنا فهماً جديداً للعلاقة التي استمرت، وستمضي قدماً مهما كان حجم الاهتزازات، خصوصاً وقد نجونا من مذبحة كان يُراد بها مجمل الوجود الفلسطيني في لبنان، دفع ثمنها مخيم نهر البارد، حيث أصبحنا والجيش اللبناني في الخندق نفسه لمواجهة الإرهاب. ومنعنا انتشار الكارثة إلى المخيمات الأخرى حسب المخطط.
 
لبنان يستحق أكثر لإعادة الثقة على قاعدة تجاوز ذاكرة المقابر الجماعية والقتل على الهوية، وإيجاد صيغة تضمن مستقبله وسلامة اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم ضيوفاً على لبنان مؤمنين بحق العودة إلى وطنهم فلسطين التي تسكن قلوبهم، مهما طال أمد ظلم الاحتلال.
 
ولذلك، أصدرنا “إعلان لبنان”… كلمة شرف وعهد ووفاء لإخواننا المسيحيين في لبنان، باعتبار فلسطين عنوان الرسالة وجغرافيتها الأولى، ولبنان عنوان التفاعل الحضاري والثقافي في الشرق الأوسط. وقد مارسنا كلمة الشرف هذه قولاً وفعلاً، ووصلنا إلى أفضل العلاقات الأخوية الصادقة حرصاً على لبنان وسيادته وأمنه، وحفاظاً على شعبنا الفلسطيني. فأقمنا أفضل العلاقات مع حزب الكتائب بقيادة الرئيس أمين الجميل على قاعدة وضع الماضي خلف ظهورنا بلا غل ولا أحقاد، وأقمنا أفضل العلاقات مع الرئيس ميشال عون العائد من المنفى، وبلقاءات حميمة وبحث معمق لكل القضايا ذات الاهتمام المشترك، ورسّخنا علاقة وطيدة مع بكركي والبطريرك صفير ومع كل قادة الأحزاب ورجال الدين مسلمين ومسيحيين، ولم نستثنِ أحداً. وأقمنا النشاطات الفلسطينية في بيروت الشرقية كما في الغربية، باعتبارنا عنصر وحدة نحرص على أطيب العلاقات مع الجميع. وانعكس وجودنا وبتأثيرات كبيرة على ملامح اللبنانيين وقسماتهم، حيث قام الأخ أبو مازن بزيارة دولة إلى لبنان. وأسهم عدد من الرواد اللبنانيين بهذا الجهد، فعادت القضية الفلسطينية إلى حاضنتها اللبنانية من دون خوف على مستقبل الفلسطينيين في لبنان، إلى أن يتحقق حلمهم بعودتهم إلى وطنهم، ليعيشوا بأمن وحرية وسلام في دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
 
إن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة لشعبنا الفلسطيني في لبنان، ونسبة البطالة الكبيرة لأبنائه تشكل جرحاً نازفاً لقيادتنا، وهماً وألماً لا بد من التوقف عندهما. فهو يسبّب لنا وللبنان إشكاليات لا بد من علاجها، لأن حرمان الفلسطينيين من ثلاث وسبعين مهنة في لبنان يمثل عقبة رئيسيّة أمام حياة الفلسطيني، فلا بد للحكومة اللبنانية من أن تعيد النظر في هذه المسألة حتى نخفّف من معاناة شعبنا، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية في لبنان التي تؤثر قطعاً في الحياة العامة لكل المقيمين على أرضه. لذلك، المطلوب رفض هذه التدخلات والوقوف في وجهها حتى ينعم لبنان وشعبه بالاستقرار والأمن والسلام.
 
تشكل قضية اللاجئين الفلسطينيين إحدى القضايا الجوهرية في الصراع العربي – الإسرائيلي وهي، وبخاصة في لبنان، كانت وما زالت في قمة اهتمامات القيادة السياسية الفلسطينية. فأثناء محادثات كامب ديفيد كان اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على سلّم أولويات المحادثات مع الأطراف الأميركية والإسرائيلية بشأن عودتهم إلى أرضهم ووطنهم لتخليصهم من عذابات اللجوء التي دامت أكثر من سبعين عاماً. كما أن استمرار مأساة نهر البارد والعديد من الإجراءات بشأن الفلسطينيين على كل صعيد، بما في ذلك أوضاع وكالة الغوث -“الأونروا”، يجب إيجاد حل لها، بعيداً عن ترحيل الأزمات، لما لها من أهمية كعنصر استقرار للبنان الذي نتمنى له من أعماق قلوبنا كل التقدم والازدهار.


إعلان فلسطين في لبنان

….ان منظمة التحرير الفلسطينية تعلن ما يلي:

أولاً: ندعو أنفسنا واخوتنا اللبنانيين بلا استثناء الى تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه، والانفتاح الصادق على مصالحة في العمق تليق بأصالة شعبينا. كما نشعر بامتنان عظيم للشعب اللبناني الشقيق على ما قدم من تضحيات جسام لقضيتنا الفلسطينية….
ثانياً: نعلن التزامنا الكامل، بلا تحفظ، سيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية.
ثالثاً: نعلن تمسكنا بحقنا في العودة الى وطننا فلسطين، رافضين بحزم وثبات جميع أشكال التوطين والتهجير…
رابعاً: نعلن أن السلاح الفلسطيني في لبنان، ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تُعرّفه وترعاه السلطات الشرعية….
خامساً: نعلن تمسكنا بحقوقنا الأساسية، كلاجئين مقيمين قسراً وموقتاً في لبنان….
سادساً: نعلن تمسكنا بحقنا في مواصلة النضال السلمي الديمقراطي على جميع المستويات، وضمن القوانين اللبنانية المرعية الاجراء….
سابعاً: إن الحل الجذري والآمن لمشكلتنا في لبنان مرتبط بانتصار قضيتنا في فلسطين وفقاً لما قرره شعبنا من خلال ممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير…..

بيروت في 7 كانون الثاني 2008