مقال جسور

إسرائيل و”صفقة القرن”: تجريد الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية

إسرائيل و”صفقة القرن”: تجريد الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية
 صحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
 
مع مرور قرابة عامين على “صفقة القرن” التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي من دون الاعلان عن تفاصيلها رسمياً حتى الآن، وبعد سلسلة القرارات الأميركية الأخيرة الشديدة الانحياز لإسرائيل، تتضاءل التوقعات بشأن تحقق هذه الصفقة، وتزداد الشكوك في قدرة الفريق الأميركي الذي عينه الرئيس ترامب على النجاح في  اقناع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالعودة الى طاولة المفاوضات.  
 
 يعود تعثر “صفقة القرن” إلى سلسلة قرارت اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، مثل قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس الذي أدى إلى مقاطعة الجانب الفلسطيني الحوار مع الطاقم الأميركي احتجاجاً على انحياز الأميركيين إلى جانب إسرائيل، ثم قرار الإدارة الأميركية وقف تمويلها لوكالة الأونروا والتشكيك بدورها وصولاً الى المطالبة بالغائها، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون محاولة للقضاء على حق العودة ، ومؤخراً قرار وزارة الخارجية الأميركية اغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن عقاباً للفلسطينيين لرفضهم التحاور مع الطاقم الأميركي للمفاوضات. 
 
هذه القرارت الأميركية المنحازة ضد الفلسطينيين، بالاضافة إلى كشف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن الطاقم الأميركي طرح عليه  فكرة الكونفدارلية مع الأردن، وهي فكرة مرفوضة من الأردن، ويكتنفها الكثير من الغموض، جعل مصير “صفقة القرن” في مهب الريح.
 
كيف تعاملت إسرائيل مع هذه الصفقة؟ وأين يبرز التوافق بين رؤيا ترامب للتسوية السلمية ورؤيا اليمين الإسرائيلي؟

تطابق بين المقاربة الأميركية ومواقف اليمين الإسرائيلي

 
من أهم نقاط الالتقاء في وجهات النظر الأميركية -الإسرائيلية في الخطة الجديدة، أن صفقة القرن تحوّل المشكلة الفلسطينية من مشكلة حقوق شعب يسعى الى استرجاع أرضه ويطالب بقيام دولته المستقلة، الى مشكلة ذات طابع انساني اقتصادي. يتعامل الطاقم الأميركي مع مسائل النزاع التاريخي بين الشعبين بالطريقة عينها التي يتعامل فيها مع صفقة تجارية، متجاهلاً العوامل الوطنية والقومية التي تتحكّم في هذا النزاع الطويل والدموي، وهذه نقطة ضعف أساسية. ففي رأي اللواء في الاحتياط غيرشون هاكوهن أنه “رغم أوجه التشابه بين المفاوضات والاتفاقات بين دولتين وبين المفاوضات في الصفقات التجارية، ثمة فارق أساسي هو أن التطلعات الوطنية للشعوب أقوى من أي اتفاق، وهذه التطلعات لا يستطيع أن يتحكم بها الزعماء وستبقى تظهر بشدة. ولا يمكن التوصل الى صفقة شاملة لنزاع معقد ومشحون بأحلام قومية – دينية مثل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بمنطق الصفقة التجارية، وكيف نتوقع من أي شعب أن يتنازل عن أحلامه؟”. 
 
تتطابق هذه المقاربة الأميركية مع توجه إسرائيلي عميق لدى اليمين الإسرائيلي الحاكم نحو تجريد القضية الفلسطينية من بعدها الوطني والقومي والتاريخي، واستغلال الاضطرابات التي تمر بها دول المنطقة، وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية للقول بأن المشكلة الفلسطينية هي مشكلة أمنية واقتصادية ويكمن حلّها من خلال معالجة موضوع الارهاب الفلسطيني والضائقة الاقتصادية.
 
نقطة الالتقاء الثانية، أن “صفقة القرن” ترفض المقاربة المتعددة المراحل في المفاوضات من أجل التوصل الى تسوية نهائية على مراحل، وبدلاً من ذلك تصبّ الخطة الجديدة جهودها على التوصل الى مفاوضات شاملة لتحقيق تسوية نهائية. وهذه نقطة تناسب حكومة نتنياهو اليمينية التي ليس مطلوباً منها الآن تقديم أية تنازلات للفلسطينيين، وفي إمكانها المضي قدماً في فرض وقائع على الأرض والاستمرار في عملية البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والإدعاء بأنها الطرف الذي يتجاوب مع مساعي الطاقم الأميركي للسلام بخلاف الطرف الفلسطيني الرافض التعاون معه.
 
لكن هذه المقاربة الأميركية تعتورها نواقص عديدة بحسب الباحث في شؤون الأمن القومي شمعون أراد: “المقاربة الجديدة لا تستطيع خلق الثقة بين الطرفين من اجل التغلّب على الصعوبات الجوهرية التي ستنشأ خلال عملية التفاوض. وانعدام الثقة سيجعل مسيرة المفاوضات مثقلة بالأزمات وسيعرّض عملية السلام كلها الى الخطر”.  
 
النقطة الثالثة المهمة التي تطرحها صفقة القرن والتي تتلاقى مع هدف اسرائيلي راهن، هي الدور الذي تعطيه لبعض الدول العربية، إذ تسعى إسرائيل حالياً الى استغلال مناهضتها للدور الإيراني في المنطقة من أجل التقرّب من هذه الدول. وبحسب ما تسرّب من الجولات على بعض الدول العربية التي أجراها الطاقم الأميركي، ستقوم هذه الدول بتمويل مشاريع اقتصادية لإعادة بناء غزّة ودعم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مع التشديد على غزّة مثل إقامة منطقة تجارة حرّة بين غزّة والعريش، وبناء مشاريع صناعية كبيرة يكون ثلثا العاملين فيها من سكان غزّة والثلث الباقي من سكان العريش . لكن الاقتراح الأميركي يصطدم بأكثر من عقبة. مشكلة القدس الشرقية، والحديث عن إقامة دولة فلسطينية في المنطقة “أ” و”ب” وأجزاء من المنطقة “ج” في الضفة الغربية، والتعامل مع غزّة ككيان منفصل، الأمر الذي يثير مخاوف السلطة الفلسطينية التي ترى في ذلك تآمراً على زعامتها للشعب الفلسطيني وتأبيداً للانقسام الداخلي بتشجيع إسرائيلي – أميركي.
 
أسلوب التهويل على الفلسطينيين
 
يستخدم الطاقم الأميركي في تسويقه لصفقة القرن أسلوب “المحفّزات الايجابية” حيال إسرائيل، وأسلوب التهويل والضغط حيال الفلسطينيين. من المحفّزات نقل السفارة الأميركية الى القدس وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وامتيازات إقليميّة ومساعدات اقتصاديّة. 
 
بينما يستخدم الأميركيون مع الفلسطينيين أسلوب الضغط مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة الأميركية والغاء مخصّصات “الأونروا” وتخويفهم بخسارة كل شيء اذا لم ينضموا الى المفاوضات. ويعمق هذا الأسلوب من احساس الفلسطينيين بالانحياز الأميركي الحاد إلى جانب حكومة اليمين الإسرائيلي.
 
 يعتقد ترامب أن أسلوب الاهانة والترهيب الذي يستخدمه سيجبر الفلسطينين  على العودة الى المفاوضات. لكن الاهانة والضغط لن ينجحا في اجبار الفلسطينين على التخلي عن حقوقهم الوطنية التاريخية، بل سيزيدهم اصراراً على التمسك بها مهما كان الثمن. وفي ظل هذه الظروف من الصعب الحديث عن تسوية سلمية حقيقية.