مقال جسور

إلى مشاركة شبابية واسعة النطاق

إلى مشاركة شبابية واسعة النطاق
سفيرة الاتحاد الفيدرالي السويسري في لبنان

لقد بيّن الإحصاء الأخير للسكان والمساكن في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان الذي أجرته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عام 2017، أن ما يقرب من ثلث الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات والتجمّعات في لبنان والبالغ عددهم نحو  175000 ألف شخص، هم من الشباب. هؤلاء الشباب يعيشون ظروفاً معيشية غالباً ما تكون مليئة بالتحديات. تتراوح الصعوبات أمامهم، من ضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية، إلى التعرّض للمخاطر الأمنية وغيرها من المجازفات، وصولاً إلى التهميش الاقتصادي. لكن الافتقار إلى آفاق مستقبلية،  وغياب إمكانية الإستشراف، هو ما يذهلني أكثر من غيره، ويشكل لي الصدمة الأكبر باعتباره الجانب الأكثر إحباطاً للشباب الفلسطيني. وهو أمر يصح في لبنان كما في فلسطين، بلدهم الأصلي، مثلما يصح  في أي مكان آخر.

 
 لقد التقيت مع الشباب الفلسطيني في دول المناطق كافة، ودائماً كانت قدرتهم الإبداعية وتصميمهم، وعزمهم على بدء مبادرات جديدة، على الرغم من  كل المحن، أمراً يثير إعجابي. إلا أن هذه الطاقة والحماسة لدى الشباب الفلسطيني غالباً ما لا يتم استغلالهما على نطاق واسع.
 
لقد خلصت معظم الدراسات حول الشباب الفلسطيني في لبنان إلى التأكيد أنهم لا يشاركون بفعالية في عمليات صنع القرارات التي تؤثر على مستقبلهم. وهذا أمر ينطبق في العديد من جوانبه، على ملايين الشباب في العالم، وعلى شباب هذه المنطقة بشكل خاص. لكن وضع الشباب الفلسطيني مختلف، فهم شباب بلا مستقبل وبلا دولة مسؤولة عنهم في الوقت نفسه، مما يجعل حياتهم أكثر صعوبة. الكثيرون يحمّلونهم مسؤولية إحداث التغيير المطلوب في مجتمعاتهم، لكنهم في نهاية الطريق، لا يجدون أي مكافأة أو جزاء على ذلك.
 
بلدي هو شريك طويل الأمد للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وهو بصفته هذه، يتفق معها تماماً في  تركيزها على دور الشباب ومسؤولياته. وفي هذا المجال، فإن إستراتيجية الشباب التي تطرحها اللجنة ليست مجرد مبادرة قائمة بذاتها. بل إنها، وبالاقتران مع وثيقة “الرؤية اللبنانية الموحّدة لقضايا لجوء الفلسطينين في لبنان” التي أعلنتها مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان في أواخر عام 2017، ترسم سبلاً جدية ومغايرة لمشاركة جديدة ومختلفة بين الفلسطينيين والدولة التي استضافتهم منذ أن لجأوا إليها.
 
إن العمل مع الشباب الفلسطيني يساوي إحداث تحوّل – هو صعب بالتأكيد – للأجيال القادمة: إنه يعني التعامل مع الفلسطينيين بشكل مختلف عن الطرق التي جرى فيها التعامل معهم حتى الآن. وهذا يعني الاستماع إلى سلسلة جديدة كاملة من المخاوف والتوقعات. إنه يعني اعتبار الفلسطينيين شركاء، وليس مجرد مستفيدين من المساعدات الإنسانية.  ولكن هذا يعني أيضاً إيجاد مصادر جديدة للطاقة والإبداع والأمل.