مقال جسور

الأونروا والتعليم عن بُعد: سنتان من الـ “لا تفاعل”

الأونروا والتعليم عن بُعد: سنتان من الـ “لا تفاعل”

حسين مهدي* 

يعي التربويون جيداً أن الإدارة الحالية في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في لبنان غير مهيّأة لإدارة وتطوير عملية التعليم عن بُعد، لا لأن الأساتذة والموظفين غير كفوئين، أو أن العملية تتطلب صرف ملايين الدولارات، بل لأن أكثر من سنة ونصف السنة مرّت منذ وقف التعليم حضورياً في شهر أذار من العام2020 دون أن يقوم المعنيون في الوكالة بأي خطوة في اتجاه وضع خطة واستراتيجية، لبدء العام الدراسي الجديد على ضوء تطورات تفشي وباء كورونا.

التعليم المُدمج، أي الجمع ما بين التعلم عن بُعد وحضور الصفوف، هي الصيغة التي توصلّت إليها وزارة التربية اللبنانية لبدء العام الدراسي الحالي، وهي الخطة التي تبنّتها الأونروا بعدما تقاعست خلال الأشهر التي مرّت منذ توقف عملية التعليم الحضورية في أذار العام الفائت عن تأهيل الأساتذة والمديرين لإدارة وتسيير عملية التعليم عن بُعد. خصوصاً أن العام الدراسي الفائت شهد فضائح على مستوى عدم قدرة عدد من الأساتذة على استخدام وسائل مثل ZOOM أو Team أو غيرها من التقنيات، مكتفين مثلا بتقديم الدروس عبر رسائل صوتية عبر تطبيق واتس أب، أو عبر بعض الفيديوهات التي وزّعت للطلبة.

قبل عام اعتبر القيّمون على الوكالة في لبنان أن 71 بالمئة من التلامذة قد تفاعلوا مع خطة التعليم عن بُعد المعتمدة من قبل الوكالة، بحسب ما صرّح سابقاً رئيس برنامج التربية والتعليم في الأونروا سالم ديب. الا أن دراسة صادرة عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات تشير إلى أن عملية التعليم لم تكن تفاعلية بسبب وجود أكثر من 50 طالب في نفس الحصة الدراسية، بهدف تقليص النفقات وتوفير الأموال، بعد قيام الوكالة بطرد عدد كبير من الأساتذة بسبب الأزمة المالية التي تمر بها الأونروا. بالاضافة لذلك، لم توزَّع الأجهزة الالكترونية الا لعدد قليل من المدارس، وتسلّم المشرفون عملية مراقبة التدريس لعدد كبير من الصفوف، فترك الأستاذ لـ”ضميره” وفق ما أفادنا أحد المشرفين. وتكاد تكون صفوف الروضات في بعض المدارس هي النموذج المشرق الوحيد من بين الحلقات الدراسية كافة، وذلك نتيجة متابعتها ودعمها من قبل جهات مانحة أبرزها السفارة الفرنسية في بيروت.

الأساتذة في مختلف مراحل التدريس (باستثناء مرحلة الروضة) لم يتم تدريبهم على أي من الوسائل الالكترونية المتاحة للتعليم عن بُعد، وهي كثيرة وسهلة الاستخدام. التلامذة لم يكترث أحد لقدرتهم على الوصول إلى وسائل التعلم الالاكترونية، كقدرتهم على الولوج إلى الانترنت، وتوافر حاسوب محمول وهاتف ذكي بشكل دائم في متناول الطالب. فضلاً عن أزمة الكهرباء والمحروقات التي تمر بها البلاد. ويؤكد أحد أساتذة المرحلة الثانوية، إن “كل المساعي التي قام بها المديرون في تدريب الأساتذة وتطوير مهاراتهم، كانت بمبادرة فردية من قلة من المديرين في المدارس والثانويات”، وهذه المسألة هي واحدة من “المآخذ” على أداء الوكالة، فالمسألة “لم تكن لتتطلب أكثر من شهرين كحد أقصى لتحضير الأساتذة وتدريبهم، وهي طبعا لا تقتصر على كيفية استخدام البرنامج المعتمد للتدريس لناحية تشغيله، بل يجب أن تشمل تدريبات حول كيفية تقديم عروض الكترونية للدروس المكتوبة، شبيهة بتلك التي يكتبها الأستاذ على اللوح في صفه، ليتمكن الأساتذة من مشاركتها مع الطلاب (share screen)”.

 

منصة تعليمية غير تفاعلية

يقول حسان السيد عضو اتحاد المعلمين الخاص بالأونروا أن استجابة الكادر التعليمي لأزمة تفشي وباء كورونا كانت سريعة جداً بعد الاغلاق العام، خاصة لناحية خلق مجموعات على واتس اب، واقرار خطط داخل المدارس لإكمال العام الدراسي. الا أن الأونروا فضلت عوض تطوير مهارات الأساتذة في استخدام برامج تعليمية تفاعلية، أطلاق منصة تعليمية رقمية لنحو 540 ألف طالب فلسطيني من أبناء اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان وغرة والضفة الغربية، في شهر نيسان من السنة الحالية بهدف تحميل فيديوهات تعليمية واختبارات فورية للطلاب. ما يعني عملياً تكريس منطق تغييب التفاعل بين الأساتذة والطلبة، وهي احدى أبرز التحديات التي واجهت الطلبة حيث يحتاجون للتفاعل مع أستاذ المادة للمناقشة وتوجيه الأسئلة وفهم المقررات.

هل يمكن أن نعود السنة المقبلة إلى التعليم الحضوري أو المدمج؟

العودة إلى المدارس تمثّل بحسب الكثيرين خطراً حقيقياً على صحة التلامذة والمدرسين وذويهم مع استمرار تفشي الوباء. يتحدث التربوي حسين جواد عن ضرورة اتباع بروتوكول صحي إلى جانب البروتوكول التربوي، داخل المدارس وخارجها. فكل الإجراءات الصحية التي ستتبع في المدارس، ومهما كانت مثالية، يمكن أن تتلاشى مفاعيلها عند نقل التلامذة من منازلهم إلى المدارس، في ظل الاكتظاظ الذي تشهده باصات نقل التلامذة. هذا التخوف تلقفته المدارس الخاصة، حيث قررت الالتزام بتعليمات وزير التربية لاتباعها، لكي لا تتحمل أي مسؤولية في انتقال العدوى بين طلابها وكادرها التعليمي والإداري وذويهم، وفق ما يقول ممثل مدارس المصطفى في اتحاد المؤسسات التربوية محمد سماحة. والعملية التربوية بحسب سماحة تتطلب “حداً أدنى من الحضور وخاصة في مرحلة رياض الأطفال والحلقة الأولى”.

هذه الخطة كان من المفترض بدء تنفيذها في 28 أيلول الفائت، الا أن التزايد المطرد لأعداد كورونا، وتخطي عتبة الـ 1000 يومياً، أدى لحال من التخبط داخل الوزارة دفعها لتأجيل العام الدراسي إلى 12 تشرين الأول. خلال هذه الفترة لم تكن المدارس قد حصلت أساسا على مواد التعقيم وموازين الحرارة، المفترض أن يحصلوا عليها بحسب أكثر من مدير مدرسة وثانوية. هذا التخبط دفع بالوزارة للتراجع عن إمكانية ارسال الطلبة إلى المدارس، والاكتفاء باعتماد الصفوف الحضورية لطلاب الشهادات الرسمية، على أن تعتمد التقسيم نفسه. ومدارس الأونروا بالتحديد كانت تعاني أكثر من غيرها بسبب الاكتظاظ الكبير في عدد الطلاب في كل صف، واستحالة اعتماد هذا التقسيم.

 يكاد يكون التعليم المُدمج هو الحل “الواقعي” الوحيد المتاح أمام كل من وزارة التربية والأونروا، فهي صيغة تضمن تلقي الطالب لنصف المنهاج على الأقل خلال حضوره الصفوف خاصة في ظل العوائق التي تواجه الطلبة في منازلهم لناحية ضعف أو عدم توافر الانترنت، أو عدم توافر الأجهزة الذكية، أو الحواسيب في متناول الطلبة، فضلا عن الانقطاع المتكرر للكهرباء، ليكون بالتالي ما يحصلّه الطالب في عملية التعلم عن بعد هي إضافة له. ومن المتوقع أن يبدأ العام الدراسي المقبل باعتماد خطة مؤجلة سبق أن أقرتها وزارة التربية، تعتمد على نظام التعليم المدمج في المدارس والثانويات الرسمية، حيث يتم تقسيم الشعب إلى مجموعتين في الفصل الاول من العام الدراسي، تضم كل منهما 50% من عدد تلامذة الصف الإجمالي، بما لا يزيد عن 18 تلميذاً في المجموعة الواحدة، وبما يضمن التباعد الاجتماعي اللازم، على ان تحضر المجموعة الاولى طوال ايام الاسبوع وتليها المجموعة الثانية في الاسبوع التالي، وعلى أن تتابع المجموعة الاولى التعليم عن بُعد اثناء وجود المجموعة الثانية في المدرسة وبالعكس. مع الحفاظ على الدوام الرسمي للمعلمين والأساتذة دون زيادة.

الا أن التعليم المُدمج وفق سماحة يتطلب إقرار خطتين بالتوازي: خطة تعدها وزارة التربية لتطوير عملية التعلّم عن بُعد، فلا يمكن لها أن تتكل دائما على “نصف الحضور” في الصفوف وتعتبر “الأونلاين” من الكماليات، في ظل عدم التأكد من أن الصفوف ستفتح أبوابها أمام الطلاب، أو أن طلاب الشهادات الرسمية والصف الحادي عشر سيحضرون فعلياً صفوفهم. وخطة وطنية يفترض بالحكومة أن تعدها ضمن خطة طوارئ صحية. جزء من قوامها معايير السلامة العامة ضمن وسائل النقل وضمان وصول الطلبة إلى المدارس في ظروف صحية ملائمة تضمن التباعد الاجتماعي. هذا في حال لم تصل حملات التلقيح إلى مستوى يؤمن فعلياً المناعة المجتمعية التي تحمي الطلاب والأساتذة وذويهم.

* صحافي فلسطيني