مقال جسور

الإعلام الرقمي، مساحة حرة لصوت اللاجئين

الإعلام الرقمي، مساحة حرة لصوت اللاجئين

شذى عبدالعال

صحفية ومصوّرة فلسطينية

اتكأ اللاجئ الفلسطيني في لبنان الى ما يسمى بالدبلوماسية الرقمية في التواصل الاجتماعي  والمنصات ومراكز صناعة الرأي العام الشعبي، ليعبر عن همومه وما يعانيه من واقعٍ مرير على جميع الأصعدة سواء الاجتماعية والاقتصادية منها، أوما يتعلق ببؤس البنى التحتية وازدياد البناء العشوائي. وكل ذلك لأسبابٍ لا يتحمل مسؤوليتها الفلسطيني فحسب، إنما كل القوانين التي توضع أوتلغى أوتستند عليها الممارسات القانونية. هكذا يبقى الفلسطيني وحيداً محروماً  من حقوقه المدنية والإنسانية.

في المخيمات الفلسطينية في لبنان نسبة البطالة عالية جداً بحسب مصادر “هيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين” تصل الى حدود 90%، ونسبة فقر باتت تتجاوز الـ 80%. نسبة المهن الممنوعة للاجئ مزاولتها في لبنان تقارب 73 مهنة حسب الدراسات، وهو ليس بأجنبي يطمح في العمل والدراسة في هذا البلد بل هو فيها بسبب احتلال استولى على وطنه منذ أكثر من 74 عاماً وهجّره منها  قسراً. لكنّ هذه القوانين لم تعيق اللاجىء الفلسطيني بل هو أسس أعمالا حرة بحثاً عن فرص تنقذه من مقاهي البطالة ومن الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى الدول الأوروبية وكندا، وتجنبه الوقوع في الآفات التي دائماً ما توجه اليه سهام الإتهام في تعاطيها، كالمخدرات أو المشاركة في أعمال إرهابية.

ممنوع ولكن…

هنا في لبنان، يعتبر اللاجئون الفلسطينيون أنهم في حالة تهميش من قبل الإعلام اللبناني ووسائله المختلفة أو، إذا صح التعبير، هي صورة النمطية التي يبثها هذا الإعلام عن المخيم، فيعمم النظرة الى اللاجئ كحالة سلبية توسمه بالأفعال المُشينة الضارّة بالمجتمع عامةً من إرهاب ومخدرات. لا ضوء يسلط على قصص نجاح وتفوق، ولا أخبار او اضاءة على مبدعين وفنانين رسامين ومغنيين وفرق فنية ومتعلمين وصلوا الى مستوى العالمية، أو حتى إسماع لأصوات ساكني المخيم وارائهم حول المشاكل التي يعانون منها أو الأحداث التي يمرون بها. ومن جهة البث الإذاعي فلا صوت للاجئين او لمساحة تعبير لهم  في الأثير اللبناني. وإذا تحدثنا عن الإعلام الفلسطيني في لبنان فهناك قناة “فلسطين اليوم” المختصة أكثر بما يجري في فلسطين وأحداث المخيمات.

وبالرغم من حرمان اللاجئ الفلسطيني بعد تخرجه من مدارس غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” واجتهاده في جامعات لبنانية حكومية أو خاصة، من مزاولة مهنة الإعلام كونها من بين المهن التي تمنع بعض المؤسسات الإعلامية (الرسمية منها بشكلٍ خاص) الفلسطينين من العمل لديها، استطاع  كثر من خريجي الإعلام الفلسطينيين وبعد بحث طويل عن مؤسسة اعلامية لبنانية يخوضون تجربتهم فيها فلا يُسمح لهم بذلك في بعض الأحيان، انشاء مساحات لهم يعبرون فيها عن واقعهم ويضيئون على مشاكلهم ومعاناتهم كما على نجاحاتهم.

اليوم الإعلام الحر والرقمي مثل اليوتيوب والفيس بوك ومواقع أخرى من التواصل الاجتماعي بات يشكل مساحة إعلامية واسعة فيها يصور اللاجئون الفلسطينيون حياتهم بعيونهم، يساهم في نقلها شبان وشابات مهنيون وهواة للتصوير والإنتاج والتقديم والكتابة، يساعدهم مدربون من اعلاميين ذي خبرة ينشطون في تنظيم دورات وورش عمل لتطوير مهاراتهم واعداد مراسلين في جميع المخيمات الفلسطينية.

يتوزع اللاجئون الفلسطينيون على اثني عشر مخيماً من الشمال من مخيمي نهرالبارد والبداوي توجهاً الى مخيم ضبية فالى مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومارالياس في بيروت، وصولاً الى الجنوب حيث اكبر المخيمات عين الحلوة ومخيمات المية ومية والبص والرشيدية والبرج الشمالي، بالإضافة الى التجمعات التي لم تُسجل في الدولة اللبنانية مثل تجمع وادي الزينة والمعشوق وغيرها.

المنصات مساحة لطاقة الشباب ….

 من هذه المخيمات تنطلق منصات إعلامية مختلفة تقوم بدور أساسي في نقل الحيوية اليومية للاجئين لأن هناك اختلاف بين المخيمات من حيث البنى والموقع الجغرافي المحيط والمشاكل اليومية.

من بين هذه المنصات، تجمع للإعلاميين الفلسطينيين في لبنان “تفاعل” (https://www.facebook.com/taf3al/ ) الذي يشمل اكثر من 90 صحفي فلسطيني من مختلف المخيمات، وهو بمثابة نقابة تجمع الصحفيين الفلسطينيين على اختلاف أفكارهم وخلفياتهم السياسية. وهناك برامج وبودكاست لأصوات وقصص اللاجئين وتقارير تروي يوميات الناس وقصص شخصيات ناجحة رغم التحديات والصعوبات.

ويُسجل ميل الشباب الى المواد السريعة والتي بمتناول اليد. ما بين صورة على الهاتف النقال وغيرها على شاشة السينما، أو في مقابلة تلفزيونية طويلة، ويمكن أن تتعلق المسألة بطبيعة الحدث وفاعليته في تحريك الوجدان أكثر، فالصورة عموماً  تنطبع في  الذاكرة الجمعية عند الناس بشكل أكبر، بينما صور وسائل الترفيه المرئية والمؤقتة كالفيديو، ننساها بعد انتهاء عرضها على الشاشة.

انطلقت منصة “كامبجي” ( https://ar-ar.facebook.com/campji/)  منذ 6 سنوات تقريباً ، أهدافها واقع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والمهمشين ووسائلها برامج إخبارية وتقارير مصورة تروي ما يحدث بطريقة الكوميديا السوداء وتحلل كل ما يحدث حوله بهدف توعية اللاجئين على حقوقهم الاساسية. وهناك ايضاً موقع “بوابة اللاجئين الفلسطينين في لبنان” (https://refugeeps.net ) الذي يجمع تقارير مراسلين من عدة مخيمات وكتاب مقالات هواة ومصورين. أما منصة “جذور” https://ar-ar.facebook.com/Jouzour.Leb/ ) فقد تأسست منذ سنة تقريباً هدفها نقل كل ما يحدث في المخيم. كما استطاع شباب مخيم شاتيلا إنشاء “استديو المخيم ” https://www.facebook.com/campstudio48/) هو استديو متواضع داخل المخيم مجهز بمعدات جد بسيطة يسعى الشباب من خلالها تقديم كل ما يفيد شباب المخيم وتوفي مساحة عمل كل من لديه فكرة جديدة ليعمل عليها . هذا الاستديو أُنشىء لمساعدة الشباب الفلسطينيين وخاصة طلاب كليات الإعلام منهم لتنفيذ مشاريعهم.

كما أخذ “الهاشتاق”  شكل تحدي الربط الاجتماعي واستعادة الرموز المفتاحية لتسجيل أكبر عدد من المشتركين للتعقيب على الأحداث ومتابعتها، وهو لعب دوراً ايجابياً  في التركيز على الحدث والدعوات للتضامن وشد الأنتباه الى يوميات نضالية وفي أكثر من مكان، مردودها البعيد في إنعاش الهوية الوطنية، وخاصةً في المناسبات الوطنية. إنها مساحات الشباب الفلسطينيين لتفريغ طاقاتهم وافكارهم في شوارع المخيمات الضيقة ولإسماع صوت يتحدث عنهم وينقل رسالتهم حين تكتم أصواتهم.

هناك لكل مخيم صفحة إعلامية خاصة تبث كل ما يحصل فيه من أحداث وقصص أشخاص، من خلالها  تصوّر احتياجات المخيم وحيواته اليومية.

( https://www.facebook.com/pages/category/TV-network/%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%AA%D8%A7%D8%AA-105896977911128/)

فاذا قمت بالبحث عن كل من هذه المنصات على موقع الفيسبوك، ستشاهد تعريفاً موحداً أو متشابهاً هو “نحن مجموعة شباب فلسطينيين نحاول تسليط الضوء على حياة اللاجئين وما فيها من إبداعات وهموم”.

تسليط الضوء على اللاجئ ليس فقط لنقل معاناته ومشاكله ونجاحاته إنما للقول أنه موجود وأن له حقوقه كأنسان، وأنه يحتاج الى صوت يعبر من خلاله عن نفسه وليس لمن يتحدث عنه. هنا يمكن القول أن الإعلام الرقمي وحده هو من أوجد هذه المساحة من حرية التعبير للاجئ الفلسطيني في لبنان، وأطلق طاقات شبابه.

إنه أيضاً الرابط الذي يجمع بين اللاجئين الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم والفلسطينيين في الداخل المحتل، يُعرّف بمخيماتهم وحيواتها، وناسها، ينقل يومياتها.. يوصل صوت اللاجئ الى وطنه ليؤكد على حقه ووجوده.