مقال جسور
الاستغلال الإسرائيلي لكارثة تفجير مرفأ بيروت
* باحثة في الشؤون الإسرائيلية
جاءت كارثة تفجير المرفأ في بيروت لتحوِّل كل الانتباه من الجنوب اللبناني إلى قلب العاصمة، ولتصرف الأنظار عن التوتر بين حزب الله وإسرائيل الذي بدأ في شهر تموز/يوليو الماضي، جرّاء تهديد حزب الله بالرد على مقتل أحد عناصره في هجوم جوي، وقع بالقرب من مطار دمشق منسوب إلى إسرائيل، واعلان إسرائيل في نهاية الشهر الماضي احباط عملية تسلل خلية تابعة للحزب في منطقة مزارع شبعا، كذبها حزب الله. في هذه الأثناء اعلنت إسرائيل حالة التأهب القصوى على طول الحدود مع لبنان، وقامت بتكثيف عديد جنودها وآلياتها تحسباً لتنفيذ رد انتقامي آخر.
قبل جريمة المرفأ، وطوال أشهر دأبت إسرائيل على استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة التي يمر بها لبنان والشعب اللبناني من أجل الضغط دولياً على حزب الله وتضييق الخناق عليه.
وبعد وقوع كارثة المرفأ وتداعياتها القاسية على السلطة الحاكمة في لبنان وعلى حزب الله تحديداً، كونه أحد الأطراف الأكثر تأثيراً على الساحة السياسية الداخلية، ازداد الاهتمام الإسرائيلي في كيفية استغلال الكارثة من أجل تغيير قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله وفرض قيود جديدة على الحزب وسلاحه.
وتتركز الحملة التي تخوضها إسرائيل حالياً ضد سلاح حزب الله على النقاط التالية:
1- استخدام إمكانية تورط حزب الله في ما حدث في المرفأ من أجل تشديد الحملة الديبلوماسيّة ضد سلاح الحزب ، وإقناع المزيد من الدول الغربية بضرورة تصنيفه كتنظيم إرهابي، وتضخيم دوره السلبي في الأزمة الراهنة التي تعصف بلبنان. وتجدر الإشارة إلى أن الموساد الإسرائيلي هو الذي كان وراء تصنيف ألمانيا في أيار/مايو الماضي الحزب تنظيماً إرهابياً. وهو الذي زوَّدها بمعلومات تتعلّق بنشطاء تابعين للحزب في ألمانيا، ومخازن للسلاح، وشبكات لتبييض الأموال وتحويلها إلى لبنان.
2- قبل التفجير سعت إسرائيل إلى اقناع الدول الفاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي بضرورة إشتراط تقديم المساعدات المالية الإنقاذيّة للبنان، بكبح نشاط حزب الله العسكري، ووقف تدخله العسكري في سوريا والعراق واليمن.
3- إستغلال الكارثة الحالية في لبنان للمطالبة بتغيير عمل قوات اليونيفيل في جنوب لبنان والسماح لها بحرية العمل والرقابة من أجل تطبيق القرار 1701 بالكامل.
4- الضغط عبر وسطاء أميركيين على الحكومة اللبنانية للقبول بحل الخلاف على ترسيم حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة بين لبنان وإسرائيل، وحل النقاط الخلافية التي ما زالت قائمة حول ترسيم الخط الأزرق.
الضغط لتغيير مهمات قوات الطوارىء
قبل تفجير المرفأ في بيروت، برزت حملة إسرائيلية ركزت على عدم إحترام حزب الله لتطبيق القرار 1701 ،الذي يمنع وجوده العسكري جنوب نهر الليطاني وبالقرب من الخط الأزرق. وادعت إسرائيل أن الحزب عزّز وجوده العسكري بأشكال مختلفة، وأن عناصره يقومون بلباس مدني بدوريات منتظمة مجهزين بمعدّات تصوير متخصّصة. وبحسب معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، فقد أقام الحزب أكثر من 16 موقعاً للمراقبة بالقرب من الحدود تحت غطاء منظمة مدنيّة للتحريج تحمل إسم “أخضر من دون حدود”. كما يملك مواقع عسكرية ضمن أملاك خاصة استخدمها في مشروع الأنفاق الهجوميّة الذي كشفه الجيش الإسرائيلي في العام 2018.
بالإستناد إلى هذه المعطيات، إشتدت الحملة الديبلوماسيّة الإسرائيليّة للمطالبة بتوسيع عمل قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، بحيث يشمل منطقة يتراوح عمقها بين 3-5 كيلومترات على طول الخط الأزرق. وتهدِّد إسرائيل لبنان، بأنه إذا أراد أن تبقى هذه القوات الدولية في حجمها الحالي أي أكثر من 10 آلاف عنصر، وللمحافظة على ميزانيتها الحالية والبالغة نصف مليار دولار، يجب توسيع عملها وتأمين حرية وصولها إلى أي مكان يتطلبه عملها، وتفكيك مواقع المراقبة التابعة لمنظمة “أخضر من دون حدود”.
بالإستناد إلى هذه المعطيات، إشتدت الحملة الديبلوماسيّة الإسرائيليّة للمطالبة بتوسيع عمل قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، بحيث يشمل منطقة يتراوح عمقها بين 3-5 كيلومترات على طول الخط الأزرق. وتهدِّد إسرائيل لبنان، بأنه إذا أراد أن تبقى هذه القوات الدولية في حجمها الحالي أي أكثر من 10 آلاف عنصر، وللمحافظة على ميزانيتها الحالية والبالغة نصف مليار دولار، يجب توسيع عملها وتأمين حرية وصولها إلى أي مكان يتطلبه عملها، وتفكيك مواقع المراقبة التابعة لمنظمة “أخضر من دون حدود”.
تأخذ هذه المطالب أهمية خاصة مع اقتراب جلسة التصويت في مجلس الأمن على تجديد عمل قوات اليونيفيل، والتهديد الأميركي بوقف المساهمة في تمويل هذه القوات والتي تشكل ربع ميزانيتها، إذا لم يجر بتطبيق القرار 1701 كاملاً.
ماذا بعد تفجير المرفأ؟
قبل تفجير المرفأ في بيروت ، برز جدل داخل إسرائيل بين فريقين: فريق يعتبر الأزمة الماليّة في لبنان والضغوط الداخلية التي يتعرّض لها حزب الله، فرصة لتوجيه ضربة إستباقيّة للحزب تضعفه وتشلّ قدراته العسكرية، وبين من يرى في ذلك مخاطرة غير محمودة العواقب في الوقت الراهن، ويمكن أن تؤدي إلى حرب واسعة النطاق.
الراهن الآن وفي ظل الوضع الداخلي اللبناني الكارثي، ومع الأسئلة الكثيرة التي ما تزال تحيط بظروف حادثة الانفجار، وإمكانية ألا تكون فقط نتيجة اهمال واحتمال أن تكون نتيجة تفجير متعمد، فإن عملية عسكرية ضد حزب الله أصبحت أمراً مستبعداً.