مقال جسور
التعليم عن بُعد: ضعف في التجهيزات وقصور في النتائج

يعيش محمد في مخيم برج البراجنة بالضاحية الجنوبية لبيروت. وقد عرفه معلموه في مدرسة القدس سابقاً على أنه طالب نشيط ومجدّ. لكن مشاركته منذ بداية السنة الدراسية المنقضية، كانت شبه معدومة، فضلاً عن عدم تفاعله إذا صودف حضوره الافتراضي مع رفاقه في الصف التاسع. هذا الأمر أثار استغراب المعلّمين، ثم حلّ التعاطف محلّ الاستغراب، حين علموا أن إحجامه كان بسبب عجز عائلته عن تأمين جهاز هاتف ثانٍ في بيت يضم ثلاثة أطفال آخرين، في مراحل دراسية مختلفة.
تعاون المعلمون لتأمين جهاز خاص بمحمد، إلا أن المشكلة لا تبدو محصورة بهذا الطالب، بل إن الفقر الذي تضاعف نتيجة البطالة الآخذة بالاتساع بين الفلسطينيين في لبنان بفعل عوامل كثيرة، يجعل المشكلة أوسع بكثير. وكان التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، والذي أجرته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عام 2017، قد أشار إلى أن نسبة البطالة بلغت 19.4 بالمئة، وإن كانت الشواهد تقول إن النسبة زادت بالأعوام التالية خصوصاً مع استفحال حال الانهيار الاقتصادي في لبنان.
محمد هو واحد من أصل حوالي 44500 طالب فلسطيني في مدارس لبنان، من بينهم 36 ألفاً يتلقون تعليمهم في مدارس تتبع وكالة الأونروا. هؤلاء أثّرت سياسة التعليم عن بُعد على تحصيلهم الدراسي، منذ بداية اتباعها في آذار من عام 2020. استطاعت الوكالة تأمين بضع مئات من الكومبيوترات اللوحية (Tablets)، لكنها لم تكن كافية لسدّ حاجات الطلاب الفلسطينيين.
محمد هو واحد من أصل حوالي 44500 طالب فلسطيني في مدارس لبنان، من بينهم 36 ألفاً يتلقون تعليمهم في مدارس تتبع وكالة الأونروا. هؤلاء أثّرت سياسة التعليم عن بُعد على تحصيلهم الدراسي، منذ بداية اتباعها في آذار من عام 2020. استطاعت الوكالة تأمين بضع مئات من الكومبيوترات اللوحية (Tablets)، لكنها لم تكن كافية لسدّ حاجات الطلاب الفلسطينيين.
لا ينفي أحمد كيال، الأستاذ في معهد للدعم الدراسي في مخيم برج البراجنة، يتبع لجمعية المرأة الخيرية، الإيجابيات الكثيرة للتعليم عن بُعد، من بينها دفع الطلاب والأهالي لتعلّم بعض التقنيات في التكنولوجيا والبحث وغيره، وتمتين الشراكة في العملية التعليمية بين الأهل والمدرسة والطلاب، لكنه رغم ذلك يعتبر أن السلبيات تفوق بكثير الإيجابيات المتوقعة.
فوفق كيال، تفتقد المخيمات والتجمعات الفلسطينية إلى البنية التحتية الضرورية لتسهيل عملية التعليم عن بُعد، فالإنترنت دائم الانقطاع، كذلك الكهرباء “مما شكّل حرماناً لآلاف الطلاب من متابعة الحصص الدراسية. وهذا سمح أيضاً لآلاف آخرين بالتذّرع بالأسباب المذكورة لعدم المتابعة، دون التأكّد من صدقية كلامهم”.
ويشير إلى أنه في التعليم عن بُعد لا يمكن التأكد من الحضور الذهني للطلاب، على خلاف حال التعليم داخل الصف. خاصة وأن عوامل ضعف التركيز في المخيمات كثيرة “فنظرا لتقارب البيوت، وصغرها، لن يسمح الضجيج للطالب الفلسطيني بالتركيز الذهني الكافي من أجل التحصيل اللازم. لذا فإن التعليم داخل صفوف مدرسية واقعية ضرورة وحاجة لا غنى عنها بالنسبة للفلسطينيين في لبنان”.
مصدر في الأونروا، رفض الكشف عن اسمه، يؤكد لـ”جسور” أن هناك سلبيات كثيرة للتعليم عن بُعد، وتركت أثرها على العملية التعليمية “رغم أن الأونروا حاولت تلافيها من خلال إجراءات عديدة، منها إدخال تعديلات على برنامج الدعم الدراسي تتماشى مع المشاكل المستجدة. وفي كل مدرسة جرى تشكيل فريق دعم نفسي واجتماعي، يتابع الأهل والطلاب، ويحاول إيجاد طرق مختلفة للتخفيف من الأعباء النفسية التي خلّفتها أجواء العامين الماضين، واضطرار الأهل إلى الانخراط الكامل في عملية التدريس، فضلاً عن الحظر الذي فُرض في أوقات مختلفة”.
ويعترف المصدر، أنه ومع استئناف التعليم المدمج مؤخراً “تبين أن التعليم عن بُعد لم يكن مجدياً لأسباب غالباً هي خارجة عن إرادة الوكالة. لذلك يجب العمل، ومنذ الآن، على تحديد المهارات التي فقدها الطلاب خلال عامين من الانقطاع عن التعليم الواقعي. ونتوقع كإدارة تعليمية في الأونروا، الانخراط التفصيلي في دراسة المناهج، لدمج سنوات دراسية، وتعويض ما فات الطلاب من مهارات ودروس كان يجب أن يتعلّموها. وهذا كلّه سيعقب عملية تقييم مفصّلة لكل الطلاب”.
أضاف أنه في عام 2020 “جرى تقييم، وخرجنا بمنهجين لنوعين من الطلاب “Catch Up1, Catch Up2″ إلاّ أن هذين المنهجين كان الهدف منهما استعادة مهارات أساسية مفقودة، أما الآن فالقضية أعقد وأشمل. ويجب أن يلحق تغيير في صلب المنهج. وخصوصاً في الصفوف الأساسية. كما يلزم تدريب 2082 موظفاً يعملون في قطاع التربية والتعليم في لبنان، لمواكبة هذه المناهج. ولدينا خبرة معقولة في هذا المجال. بدأت على الأقل عقب ما يُعرف بحرب السنتين (1975-1976). وامتدت إلى ما تبع بعض الحروب والمعارك من تغيير في المناهج، لتعويض النقص التعليمي الذي أصاب الطلاب”.
أضاف أنه في عام 2020 “جرى تقييم، وخرجنا بمنهجين لنوعين من الطلاب “Catch Up1, Catch Up2″ إلاّ أن هذين المنهجين كان الهدف منهما استعادة مهارات أساسية مفقودة، أما الآن فالقضية أعقد وأشمل. ويجب أن يلحق تغيير في صلب المنهج. وخصوصاً في الصفوف الأساسية. كما يلزم تدريب 2082 موظفاً يعملون في قطاع التربية والتعليم في لبنان، لمواكبة هذه المناهج. ولدينا خبرة معقولة في هذا المجال. بدأت على الأقل عقب ما يُعرف بحرب السنتين (1975-1976). وامتدت إلى ما تبع بعض الحروب والمعارك من تغيير في المناهج، لتعويض النقص التعليمي الذي أصاب الطلاب”.
الناشطة الاجتماعية، ومديرة مركز نواة للتعليم سهى حسين، ترى أنه يوجد مشكلة إضافية، تتمثل بشبه توقف برنامج الدعم الدراسي الذي أطلقته الأونروا قبل سنوات، وكان يركّز اهتمامه على ذوي الاحتياجات الخاصة، والمتأخرين دراسياً، والمصابين بأزمات نفسية، من خلال أساتذة مساعدين (Shadow Teacher) “وحقق نجاحات مهمة قبل الإغلاق بسبب كورونا، والحديث يدور عن بضعة آلاف من الطلاب. وهذا البرنامج متوقف تقريباً، وسبّب، بالإضافة إلى التأخر الدراسي لطلاب كثر، ضغطاً نفسياً على ذويهم. وتشير إلى أن العديد من الطلاب، ونتيجة هذا الانقطاع عن زملائهم وأساتذتهم، فقدوا الكثير من مهارات التواصل”.
الطالبة زهيرة حسن، اللاجئة المقيمة في مخيم شاتيلا، تعبّر عن حزنها لفقدان مساحة للعب، كانت توفرها مدرسة حيفا القريبة من المخيم. أما اليوم، فهي تقضي معظم وقتها بتشغيل الهاتف، لعدم توافر مساحة كافية لممارسة الرياضة أو اللعب في المخيم. والدتها منى تتدخل في الحديث لتقول إنها باتت تخشى أن يُصاب أولادها بالسمنة بسبب ذلك، كما حصل مع طلاب آخرين. وتضيف أنها لأول مرة تُلحقهم ببرامج دروس خصوصية، الأمر الذي يسبب إرهاقاً لميزانية أسرتها.
يخشى كثيرون من أن تؤدي الثغرات التي سببها التعليم عن بًعد إلى تزايد نسبة الأمية في الوسط الفلسطيني في لبنان، خصوصاً وأن هذه النسبة هي 7.2 بالمائة، حسب التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان -2017 بينما هي 2.6 بالمائة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر في أيلول عام 2020، وتنخفض إلى 0.7 بالمائة في الفئة العمرية (15-29 سنة) حسب هذا الجهاز. وفق كثير من الفلسطينيين، هذه المخاوف يجب أن تدفع إلى تعاون جدّي وعميق بين ثلاثة أضلاع لتفادي ما هو أخطر: الدولة اللبنانية والأونروا والمجتمع الفلسطيني في لبنان بعناصره وفئاته كافة.
يخشى كثيرون من أن تؤدي الثغرات التي سببها التعليم عن بًعد إلى تزايد نسبة الأمية في الوسط الفلسطيني في لبنان، خصوصاً وأن هذه النسبة هي 7.2 بالمائة، حسب التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان -2017 بينما هي 2.6 بالمائة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر في أيلول عام 2020، وتنخفض إلى 0.7 بالمائة في الفئة العمرية (15-29 سنة) حسب هذا الجهاز. وفق كثير من الفلسطينيين، هذه المخاوف يجب أن تدفع إلى تعاون جدّي وعميق بين ثلاثة أضلاع لتفادي ما هو أخطر: الدولة اللبنانية والأونروا والمجتمع الفلسطيني في لبنان بعناصره وفئاته كافة.