مقال جسور
التكافل في المخيمات: محاولات للتخفيف من وقع الكارثة

* تجمّع الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان “تفاعل”
تصل وجبة يومية إلى بيت أم أحمد، المؤلف من غرفة واحدة في مخيم برج البراجنة جنوب بيروت. تنتظر العائلة وجبتها الساخنة، مثل عشرات العائلات التي أصبحت وجبتها الأساسية تعتمد على مبادرة “طبخة الخير”. وهي مبادرة أسسها شباب فلسطينيّون داخل المخيم لنجدة البيوت المحتاجة وسط ارتفاع الأسعار ونسب البطالة والفقر. يجول المتطوّعون لجمع التبرعات، كل بحسب طاقته وقدرته المادية، مع تعاون لأبناء المخيم المغتربين في أوروبا لمساعدة العائلات الفقيرة والأكثر عوزاً عبر تقديم وجبات طعام ساخنة.
تقول أم أحمد لـ”جسور” إن الوضع أكثر بؤساً بعدما فقدت المدخول الشهري للأسرة المكوّنة من خمسة أفراد. وتشير إلى أن العائلة لجأت إلى لبنان بعد اشتداد المعارك في مخيم اليرموك، وقدمت إلى برج البراجنة قبل ستة أعوام من دون ربّ الأسرة الذي قتل في قصف على اليرموك. عملت في مؤسسة كعاملة تنظيفات، لكنها فقدت وظيفتها قبل شهرين لأن الشركة أقفلت. أما إبنها البكر فعمل في مقهى، واستغنى مالكه عن خدماته وسط الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان. وتسأل أم أحمد، عن مستقبل عائلتها لا سيما وانها لا تستطيع دفع إيجار البيت. وتؤكد أن “صاحب البيت سامحني بالإجرة الشهر الماضي، بس هيدا الشهر ما بعرف شو رح أعمل؟”.
في المقابل، ترك فتحي وزوجته بيته في مخيم البدّاوي شمال لبنان وسكن مع أهله، بعدما عجز عن دفع إيجار البيت. وهو متزوج منذ أقل من عام، ويؤكد أنه “لو كنت أعرف أنني سأترك عملي اليومي كمحاسب في مصنع الدهان، لما كنت تزوجت واستأجرت بيتاً، ولولا أهلي لكنت الآن في الشارع”. ويساعد شقيق فتحي المهاجر في كندا أهله مالياً، لكن المصاريف زادت مع انخفاض المدخول. يفتش عن عمل جديد متسلّحاً بشهادته الجامعية (إدارة أعمال) أو عن أي مهنة أخرى. ويقول إنه يقدم عبر الإنترنت على شركات داخل لبنان وخارجه، إضافة إلى طلب العمل في المطاعم والمقاهي في أي وظيفة.
“طيّبون”
“ناس طيبين عم يتبرعوا لناس طيبين”، هكذا وصفت سوزان حبوس، مبادرة “طيّبون” في مخيم برج الشمالي – جنوب لبنان. هي واحدة من 40 عضواً في المبادرة التي انطلقت مع نهاية عام 2019 لتخفيف الكارثة المجتمعية، كما تقول. تعرّف النشطاء على بعضهم البعض في الصيف الماضي أثناء التظاهرات ضد إجراءات وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان، التي طالت حق العمل للاجئين الفلسطينيين. وأنتج هذا التعارف تبادلاً في الآراء بين أبناء المخيم، وعند اشتداد الأزمة الإقتصادية وانعكاساتها الإجتماعية، تداعى بعض النشطاء إلى التواصل من جديد وتأسيس المبادرة بهدف مساعدة العائلات الأكثر فقراً. وبالفعل اجتمعوا في اكثر من قاعة داخل المخيم، وتوزّعوا بحسب الأحياء ووضعوا أكثر من فكرة لتنفيذها.
تشير الناشطة في المبادرة، فاطمة خضير، إلى أن “المبادرة شبابية تتمتع باستقلالية تامة مع أن بعض الناشطين فيها ينتمون إلى فصائل متعددة او لجمعيات أهلية، وانطلقت في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية نتيجة التغيّرات في سعر صرف الدولار، والمداخيل لغالبية العائلات في المخيم لا تتناسب مع الأسعار لا سيما وأن جزءاً كبيراً من العمال فقدوا عملهم بسبب الأزمة”.
وتؤكد خضير، لـ”جسور” أن “المبادرة تحوّلت إلى حملة منظمة داخل أحياء المخيم. ويجمع المتطوّعون عبر صندوق خيري التبرعات من ميسورين أو من رجال أعمال وأصحاب ورش ومحلات”. وتصف التفاعل مع المتطوّعين بغير المتوقع، خصوصاً وأنّ “أشخاصاً معروفين بوضعهم المالي الصعب تبرّعوا بما يستطيعون ولو كان ضئيلاً، لكنه يعكس روح التضامن بين أهالي المخيم”. وتمكنت الحملة في الشهر الأول من جمع ما يقرب من خمسة ملايين ليرة لبنانية، وفق حبوس. وتضاف إليها تبرعات عيّنية من بعض محلات السمانة، وتحوّلت مع المبلغ المجموع إلى سلاّت غذائية إستفادت منها 250 عائلة. وتشير إلى أن غالبية المغتربين من أبناء المخيم لم يتمكنوا من إرسال التبرعات بسبب وقف التحويلات المالية إلى لبنان، ومع ذلك أرسل بعض المغتربين تبرعاتهم عبر وسطاء.
كرامة لاجئ
ما يميّز مبادرة “طيبون” أنها تضمن خصوصية العائلة المحتاجة، فالمتطوّعون لا يوزعون السلاّت الغذائية مباشرة إلى البيوت، إنما تعطى كل عائلة قسيمة خاصة (بون) تمكنها من الذهاب إلى أكثر من محل سمانة أو سوبرماركت لتأخذ حصتها التموينية. وتقول حبوس، إن “الحملة تملك كشفاً سرياً للعائلات الأكثر عوزاً ووضعت معايير لذلك، منها عدد أفراد الأسرة ووجود معيل أو مرضى، إضافة إلى شروط أخرى مثل إذا كان البيت مستأجراً أم لا. هكذا نحاول ضمان المساواة والعدل في التوزيع مع المحافظة على كرامة المحتاجين وكبريائهم، لذلك لا نذكر أسماء أفراد العائلات أو نصوّرهم أو نشعرهم بأننا نساعدهم”. وتلفت حبوس، إلى أن “طيّبون” تنسّق مع جمعيات أهلية في المخيم، لا سيما وأن مبادرتهم توسّعت، وللمرة الثالثة على التوالي يجمعون تبرعات ويوزّعون الحصص. لذلك اعتمدوا مبدأ الشفافية والصدق مع المتبرِّع والمتبرَّع له، فكل ما يجمعونه يسجلونه في لائحة على صفحة الحملة في “فايسبوك”.
استطاع المتطوّعون أن يقنعوا أصحاب بعض المحلات بتخفيض أسعار البضائع، وتقديم عروض أسعار ومحاولات دعم بعض المواد الأساسية مثل حليب الاطفال وبعض الأدوية في الصيدليات، لا سيما وأن مخيم برج الشمالي معروف بوجود أكثر من 200 حالة مصابة بـ”التلاسيميا” وتحتاج إلى دواء بشكل دوري.
ووفقاً لحبوس، تعكف مبادرة “طيّبون” إلى تقييم التجرية عبر اجتماعات دورية لدراسة مكامن الاخفاق أو النجاح وكيفية تعزيزها واستمرارها، وإمكان نقلها لمخيمات فلسطينية أخرى .