مقال جسور
الشباب الفلسطيني: تخرُج برسم البطالة… أو الهجرة للعمل

* صحافية فلسطينية
أروى (20 عاماً) طالبة تمريض سنة أولى. تدرس حالياً في اسطنبول، بعيدة عن أهلها في مخيم الرشيدية. كانت ترغب بداية في دراسة الطب، لكنها عدلت عن الأمر، لأنها اعتبرت أنها تجازف بسنوات جهد وعمل، والكثير من المال، في حين أنها قد لا تتمكن من ممارسة عملها عند التخرج، فالطب أحد المهن التي يمنع على الفلسطيني ممارستها في لبنان.
أروى (20 عاماً) طالبة تمريض سنة أولى. تدرس حالياً في اسطنبول، بعيدة عن أهلها في مخيم الرشيدية. كانت ترغب بداية في دراسة الطب، لكنها عدلت عن الأمر، لأنها اعتبرت أنها تجازف بسنوات جهد وعمل، والكثير من المال، في حين أنها قد لا تتمكن من ممارسة عملها عند التخرج، فالطب أحد المهن التي يمنع على الفلسطيني ممارستها في لبنان.
تقول أروى إنه و بالرغم من أن فرص العمل كممرضة في لبنان صارت أفضل بسبب شح الممرضين، لكن وطأة الضائقة المالية الخانقة على القطاع الصحي وتراجع قيمة الرواتب بالليرة اللبنانية دفع بأكثر من 1000 ممرض وممرضة من حملة الشهادات الجامعة وذوي الخبرة والمهنية العالية للهجرة والعمل خارجاً. لذلك اختارت أروى أن تدرس في تركيا، خوفاً من أزمة الدولار فيما يتعلق بالأقساط الجامعية أولاً، وثانياً لأنها أرادت أن تزيد من فرصة إيجاد عمل خارجاً، فهي لا تجد أملاً في الحصول على فرصة في البلد الذي وُلدت وكبرت فيه.
رغم الظروف الصعبة اساساً التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، وانعدام سبل العيش الكريم في المخيمات الفلسطينية، فقد وضعوا كل آمالهم على قطاع التعليم، ينشدون لأولادهم مهما بلغت التضحيات تخرجهم حاملين شهادات عليا من أجل توفير مستقبل أفضل. لكن الأحداث الأخيرة والإنهيار الإقتصادي المخيف، شكل ضربة قاضية على ما تبقى من الفُرص المتوافرة للشباب في لبنان بشكل عام، والشباب الفلسطيني بشكل خاص. ووفقا للتعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، الذي أشرفت عليه لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عام 2017 وتولى كل من إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تنفيذه ميدانياً، وشمل 12 مخيماً و 156 تجمعاً فلسطينياً على عموم الأراضي اللبنانية، هناك فقط 14% من فئة الشباب الفلسطيني في لبنان يحالفها الحظ، وتتمكن من إكمال الدراسة الثانوية، و8% فقط تتمكن من متابعة الدراسة الجامعية. أما بالنسبة للتغيير الذي يسعى له الشباب الفلسطيني في لبنان، فيتمحور حول إيجاد فرص عمل جيدة تؤمن له العيش الكريم الذي يبحث عنه.
هنا المشكلة الأساسية، فمعدلات البطالة في لبنان بشكل عام مرتفعة جداً، خصوصاً ضمن المجتمع الفلسطيني الفتي. وهي تشكل المصدر الرئيسي لأغلب مشاكله، حيث تشير الأرقام أن 65% من اللاجئين من الفئة العمرية بين 18-20 يعانون من البطالة ونقص الفرص، و70.3% منهم سوف يهاجرون إذا ما أتيحت لهم الفرصة، وهي أرقام حذرت منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” في تقاريرها الأخيرة.
والاونروا تقدم في لبنان فقط بين الدول المضيفة تعليماً ثانوياً للطلاب الفلسطينيين، بما يخولهم الالتحاق في التعليم الجامعي. لكن،هناك فقط بين 1300 و1500 طالب ينهون مرحلة الثانوية العامة، وينتقلون على الأغلب إلى الجامعة اللبنانية، يكملون فيها دراسات العلوم الانسانية، أما المتميزون والمقتدرون منهم فيحصلون على فرصة الدخول الى جامعات خاصة مع حسومات، ويساعد تفوق بعضهم في الحصول على منح من بعض الجهات المانحة. ووفقا لدراسة اخيرة عن الطالب الجامعي الفلسطيني في لبنان للمؤسسة الفلسطيينية لحقوق الانسان (شاهد) أن 66% من الطلاب الفلسطينيين يحتاجون إلى مساعدة، ولا يجدون من يغطي نفقات تعليمهم الجامعي. كما أن 75% ممن تقدموا لجهات مانحة يبدون تشاؤماً من أن طلبهم لن يلقَ تجاوباً. أما البدائل المتاحة امام الذين يودون متابعة دراساتهم، فيعتزم 55% الالتحاق بكلية سبلين للتدريب المهني والتقني، و15% منهم سيعمل في أي مهنة لحين توافر فرصة اخرى، و19% منهم يرغب بالهجرة.
عمرالسيد، 25 عاماً من مخيم الرشيدية، درس الهندسة المدنية في الجامعة اللبنانية الأميركية بمنحة دراسية بعد تفوقه في الثانوية العامة، و تخرج منذ 4 سنوات. يعانى عمر من البطالة منذ 3 سنوات، فالهندسة أيضاً هي أحدى المهن التي يُمنع على الفلسطيني ممارستها خارج الاونروا أو المنظمات غير الحكومية. يقول عمر إنه ضمن عدد كبير من المهندسين العاطلين عن العمل في لبنان، وأن فرص العمل تنعدم مع كل سنة تمر.
يمارس عمر مهنته الآن في أفريقيا منذ سنة. كان يأمل أن يجد أفقاً لحياة كريمة إلى جانب أهله، ولكن أحوال البلد حالت دون ذلك.
عمر طحيبش، 21 سنة، خريج هندسة مدنية من معهد سبلين، هو عاطل عن العمل حالياً. يقول إنه يسعى للسفر لاحدى دول الخليج والعمل كمهندس هناك، لكنه يواجه صعوبات في تعديل شهادته جامعياً، كما وتتمثل الصعوبات بشكل أساسي بالوضع المادي، وعندما حاول الإستعانة بصندوق الطالب، وهو صندوق يمنح قروضا دراسية للطلبة الفلسطينيين بشرط رد المبلغ عند التخرج والعمل، تجنب الأخير إعطائه القرض باعتبار أن طلاب الهندسة فرص بطالتهم عالية، وبالتالي إمكانية استرداد المبلغ متدنية جداً.
يقضي عمر الآن معظم أوقاته في قهوة مجاورة لمنزله مع أصدقائه في مخيم عين الحلوة، فقد تخرج أغلبهم من الجامعات أيضاً ولكنهم عاجزون عن إيجاد عمل.
محمود مثلاً، كان الأول على دفعته في كلية الهندسة، واستعان به زملاء من دفعات لاحقة في دراستهم، لكن عند تخرجهم استطاع عدد كبير منهم الهجرة والعمل خارجاً، بينما محمود نفسه أصبح في منتصف ثلاثينياته ولا يزال عاطلا عن العمل، يحول وضعه المادي دون امكانية زواجه. يكشف عمر أن محمود أصيب باكتئاب حاد، دفعه للإدمان على الكحول والتعاطي. يقول: إن كل من يعرف محمود ومدى ذكائه، وما كان ليصبح عليه في اوضاع مغايرة، ويرى حاله الآن، يشعر بالأسى والخوف على مصيره.
يشعر عمر أن عواقب البطالة لا تتمثل فقط في عدم ايجاد عمل، بل يرافقها مواجهة مغريات الطرق الأخرى التي قد يلجأ لها الشباب لحل هذه الأزمة اذا ما اقفلت جميع الطرق، فيحاول تفريغ طاقاته بالتطوع وإشغال نفسه بأي عمل وإن كان دون مردود مادي.
إسراء طحيبش، 22 سنة، عاطلة عن العمل وهي خريجة كيمياء، تحمل أيضاً شهادة تعليم، درست عن طريق منحة دراسية وحصلت على كلا الشهادتين من الجامعة الأمريكية في بيروت.
مضت أشهرعلى تخرج اسراء، قضتها في البحث عن عمل. تقول إنها لا تستطيع السفر للعمل خارجاً قبل مضي سنة كاملة على تخرجها، فأحد شروط الحصول على منحة شهادة التعليم أن تعمل لمدة سنة كاملة عند التخرج في أحد المدارس التي لا تتمتع بالتطور أو الامتياز المتوافر في مدارس أخرى، لكنها تواجه العديد من المصاعب في ايجاد عمل. تقول أن جنسيتها الفلسطينية تحد بشكل كبير من الأماكن التي قد يُسمح لها بالعمل فيها. وأن المؤسسات التي حاولت التقدم اليها لم تأخذ بعين الإعتبار شهاداتها. تعبر إسراء عن انزعاجها من حجم الفساد والاستغلال في الأنظمة التعليمية بدواعي التوفير.
محمود محمد، 26 سنة، خريج علوم الكومبيوتر، من الجامعة اللبنانية الدولية، عاطل عن العمل حالياً، يعمل أحياناً في محل هواتف لصديق له في عين الحلوة مقابل مكافأة متواضعة. كان يضطر لتسجيل الحد الأدنى من المواد في كل فصل دراسي ليتمكن من العمل، وسداد الأقساط. كان محمود يأمل أن تفتح له الشهادة الجامعية الأبواب. خطب شابة هي خريجة علم نفس من الجامعة اللبنانية تعمل لدى مؤسسة اجتماعية مقابل 30$ فقط شهرياً. يرغبان بالسفر والعمل والعيش خارجاً، فهما لا يريان مستقبلا للأسرة التي يودان تأسيسها. يقول محمود: إن الزواج الآن متعذر بسبب الغلاء الفاحش والمعاشات المتدنية جداً والإنهيار الإقتصادي الحاصل في البلد. ويضيف أياً كانت التحديات التي قد يواجهها الشاب اللبناني بسبب الفساد وأوضاع البلد الرديئة، فهي بالنسبة للاجئ الفلسطيني أضعافاً مضاعفة.
عبيدة هبيش، 23 سنة، خريج ميكانيك وحدادة من معهد سبلين، عاطل عن العمل هو الآخر. عمل سابقاً في ورشة سيارات تحت اشراف صاحبها مقابل 25 ألف ليرة يومياً. مع التضخم الإقتصادي وإنهيار الليرة ترك عمله، اذ أصبح من السخرية الإستمرار في عمل لا يغطي ثمن علبة سجائر يومية فقط. بعدها قرّر فتح كشك قهوة صغير بدل التسكع في الشارع. يفكر عبيدة بالانتساب لأحد الفصائل السياسية مقابل الحصول على حفنة من الدولارات لتيسير حاله، ولكنه يتردد لما قد يرافق الأمر من إلتزامات لا يرغب بها. هو على قناعة تامة بأن الشهادة الأكاديمية ليس لها فائدة على الإطلاق، ويجد أن المتعلم وغير المتعلم مصيرهما واحد في لبنان، وهو البطالة. واذا ما كان هناك أمل يستحق التمسك به، فمن المؤكد أنه ليس في لبنان.
عصام حسين، خمسيني، أب لخمسة أبناء، يعمل حاليا في مطعم شاورما صغير، راتبه بالكاد يغطي المصاريف الثابتة فقط، كان قد قرر بعد تخرجه وبعد مدة من البطالة القبول بفرصة عمل في أفريقيا لتأمين مدخول جيد لعائلته. لم يتحمل أن يكبر أطفاله بعيداً عنه. فعاد بعد خمس سنوات، وبقي عاطلاً عن العمل لسنة، ولم يساعده عمره في ايجاده بسهولة. وعندما باتت ابنته في سن الدخول للجامعة، ومع استمرار الانهيار الاقتصادي كان الخيار الوحيد لاكمال تعليمها هي الجامعة اللبنانية وضمن الاختصاصات المتاحة في فرع صيدا فقط، لإنها لا تسطيع توفير بدل المواصلات إلى بيروت. أما ابنته الثانية المقبلة على المرحلة الجامعية، فقد اختارت أن لا تضع أي خيارات في ذهنها، فمنعت نفسها من الطموح، لأنها لا تريد أن تُحبَط عندما تجد أنها لا تستطيع تحقيقه. وهي تنوي السفر مع شقيقتها، وتدعم والدتهما كل ما من شأنه أن يوفر فرصة حياة أفضل لهما.