مقال جسور
اللبنانيون والفلسطينيون… شركاء الألم والأمل

* رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني
يعيش اللبنانيون واحدة من اسوأ مراحل تاريخهم، إذ قلما اجتمع عليهم هذا الكم من النوازل والمصاعب وسوء الحال، على مختلف الصُعد وفي جميع المجالات. وهم في هذا الزمن الكوارثي يحمِّلون مسؤولية ما يحدث إلى نظامهم السياسي وطبقة الحكام الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى هذا الدرْك المخيف من الانحدار في بئر لا قعر له.
يُفترض عندما يحين وقت الخروج من هذا القاع العميق، أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من تلك التجارب المرة، وتخلصوا من الكثير من الممارسات التي طبعت عقليتهم ونظراتهم للأمور، ما أنتجه النظام الطائفي والذي أدى إلى تلك الكوارث، و هو ما لم يفعلوه طوال تاريخهم الحديث رغم ما عاشوه من مصائب ونكبات بين فترة واخرى، لكنهم في كل مرة كانوا يكررون نفس الأخطاء التي ارتكبوها قبلاً، فيستقرون في متاهة النفق المظلم، ويدفعون أثماناً غالية من استقلالهم وعيشهم وحرياتهم واقتصادهم ومن مشروع سلام ونهوض وطنهم وتقدمه.
والحال عند الفلسطينيين هي في الواقع اسوأ مما هو عليه لدى اللبنانيين، فعدا عن أن أوضاعهم في الأساس ومنذ اللجوء إلى لبنان، تفتقد الحد الأدنى من شروط العيش الانساني الكريم، هم محرومون من وطن وهوية وكيان دولة ومؤسسات مجتمع. كما أن أماكن لجوءهم خاصة في لبنان ونتيجة طبيعة التركيبة اللبنانية الطائفية، قد حالت دون منحهم حقوق العيش الكريم ،فعانوا طوال سبعين سنة ظروفاً اجتماعية واقتصادية لم يخفف منها سوى أملهم بالعودة الى بلادهم، فصبروا على أمل أن تتحقق عودتهم. لكن هذا الحق، حق العودة، يواجه اليوم تحديات كبرى، أبرزها ما تضمنته صفقة القرن وما سبقها من سياسات تصفية، وما يتبعها من مشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور نهر الاردن، معطوفاً على إنهيار الموقف العربي، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وضعف وهشاشة الموقف الدولي. وكأنه لم يكف هذا الفلسطيني المشرَّد في دول الشتات والمناضل ضد احتلال استيطاني كل تلك المصائب، فجاءت جائحة كورونا وإنهيار الوضع الاقتصادي في لبنان ليزيدهم بؤساً على بؤس.
اللبنانيون مدعوون اليوم، إلى إعادة تقييم تجاربهم الماضية، وما أوصلتهم إليه، والاستفادة من دروسها والبناء عليها، ليضعوا أسساً جديدة لبناء دولة حقيقية تؤمن لهم مصالحهم، وتحفظ لهم وطناً يحلمون أن يجعلوه فعلاً سيداً حراً مستقلاً وديمقراطياً، يتساوى فيه مواطنوه بالحقوق والواجبات، وطن يحقق التقدم والازدهار لمجتمعه بالتفاعل مع محيطه العربي وفي المدى الانساني الواسع. ومن خلاله يعيد اللبنانيون تأكيد تمسكهم بقيم الحداثة والتقدم والتضامن ، ويكون كما يتمنون بلداً للابداع والتنوع والازدهار والعدالة وحقوق الانسان.
والفلسطينيون أيضاً، بدورهم مدعوون لتقييم تجاربهم التي دفعوا ثمنها دماً غزيراً وعزيزاً وتبيان مآلات ما وصلت اليه قضيتهم الأساس، ورسم سياسات داخلية وخارجية، تنقذهم من خسارة ما تبقى من بلادهم وتفرض على الاحتلال الرحيل والاعتراف بحق شعبهم في نيل حريته واستقلاله.
واذا لم يفعل اللبنانيون والفلسطينيون ذلك أمام هذه التحديات والمهام الملحة والتي لا تقبل التأجيل والمماطلة ، فلن يكون أمامهما سوى تكرار المآسي ومراكمة الخسائر.