مقال جسور
المخيمات الفلسطينية تضمِّد جراح لبنان

ما إن دوّى الانفجار في مرفأ بيروت ووقعت الكارثة، وتلاحقت الأنباء العاجلة حول هول ما حدث لجهة ألوف الضحايا والمفقودين والجرحى وحجم واتساع دائرة الدمار الذي شمل حوالي 70 ألف منزل عدا المؤسسات والإنشاءات العامة، حتى تحركت المخيمات عبر الدعوات المباشرة التي أطلقتها مختلف الفصائل والتجمعات والجمعيات وحثت فيها على التبرع بالدم، وفتح ابواب المراكز الصحية والمستشفيات لاستقبال الجرحى بعد أن عطل التفجير أربع مستشفيات رئيسية في العاصمة بيروت. لكن هذه الاستجابة السريعة لم تكن كل ما بادرت إليه المخيمات، إذ فوراً هبَّ شبابها إلى تلبية نداء جراح أهل العاصمة. كانت هذه هي ردة الفعل الأولى من أجل بيروت ولبنان بشكل عام الذي يمثل للشعب الفلسطيني الكثير من المعاني والدلالات والرموز، رغم ندوب الماضي المستمر .
حدث هذا عشية المساء المشؤوم. في اليوم التالي، كانت الاولوية هي تنظيم حشد فرق الدعم والمساعدة على إنقاذ الجرحى والمصابين ورفع الركام. بالطبع ليس لدى فلسطين والمخيمات إمكانات الدول، ولكنها بما توفر نظمت نفسها لتقديم العون والمساعدة في عمليات الإنقاذ والاسعاف بمساهمة من ثلاث جهات فلسطينية شاركت في العمليات هي: جمعية الشفاء التي أرسلت 13 فريقاً من مختلف المخيمات (13 سيارة و100 مسعف)، والهلال الأحمر الفلسطيني الذي أرسل فرق الإسعاف وفتح مستشفيي حيفا و الهمشري لاستقبال الحالات الطارئة. ومشاركة فوجين من الدفاع المدني الفلسطيني، ساهما في عمليات الإنقاذ المتقدمة في المرفأ وفي الأبنية المجاورة. هذا عدا الفصائل والمجتمع المدني التي اندفعت للقيام بواجب الأخوة والتصامن. في ما أعلن عدد من الفلسطينيين ممن يملكون منازل في بيروت وصيدا عن استعدادهم لاستقبال العائلات التي فقدت أو تضررت منازلها.. هكذا كانت الفرق الفلسطينية تقف بين أنقاض المرفأ ومحيطه تعمل كتفاً لكتف مع زميلاتها اللبنانية والاجنبية، تضمد الجراح وتلملم الأشلاء وترفع الركام بحثاً عن المفقودين وسعياً لإنقاذ حياة المحتجزين بين حطام الرافعات والمستوعبات.
مستشفيا حيفا، والهمشري، التابعين للهلال الأحمر استقبلا العشرات من المصابين، حيث تم تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، وأكد رئيس الجمعية الدكتور يونس الخطيب، أن كوادر ومستشفيات وسيارات إسعاف الجمعية في لبنان لم ولن تتوانى عن اداء واجبها في اسناد طواقم الاخلاء والاسعاف كجزء من التزامهم الانساني والقومي تجاه لبنان.
المصيبة التي أصابت بيروت أصابت المخيمات، ولم يكن غريباً أن يقف الشعب الفلسطيني إلى جانب شقيقه الشعب اللبناني متبرعاً بالدم لإنقاذ ألوف المصابين اللبنانيين ومنقذاً ومسعفاً ومضمداً جراحهم وسط لهيب ودخان المحنة. كما أطلقت الجمعيات الخيرية والاجتماعية المدنية الفلسطينية مبادرات لجمع التبرعات النقدية والعينية من المخيمات. علماً أن فلسطينيين في عداد شهداء المرفأ مع العديد من الجرحى.
النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي أطلقوا الحملة الفلسطينية للتضامن مع بيروت تحت عنوان “جرح واحد”؛ وحفلت المواقع الالكترونية بعبارات “السلام لبيروت”، و”آه يا بيروت”. واستخدم الكثير من المغردين الرسم الكاريكاتيري الشهير للرسام الفلسطيني ناجي العلي خلال الغزو الصهيوني لبيروت عام 1982 والذي نشره على صفحات جريدة “السفير”، الذي يحمل صورة فتاة تطل من فجوة قذيفة تقول “صباح الخير يا بيروت”، فيما نشر آخرون صورة علم لبنان مع جملة “من قلبي سلام لبيروت”.
على الصعيد السياسي، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اتصال مع الرئيس ميشال عون عن تعازيه بالشهداء وتمنياته بالشفاء للجرحى، معلناً اليوم التالي للإنفجار كيوم للحداد الوطني وتنكيس الإعلام، تضامنا مع الشعب اللبناني. وأرسل وفداً رئاسياً من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء اللجنة التنفيذية قوامه كلاً من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد و صالح رأفت، بسام صالحي، واصل أبو يوسف، فتحي أبو العردات، والسفير الفلسطيني لدى لبنان اشرف دبور. نقل الوفد الى رئيس الجمهورية تضامن عباس والشعب الفلسطيني مع لبنان في المصاب الذي ألمّ به بعد انفجار مرفأ بيروت، واضعاً إمكانات الفلسطينيين تحت تصرف لبنان لتجاوز هذه المحنة. الأحمد شدد عقب اللقاء على علاقات الجوار التاريخية التي ربطت بين شعبي لبنان وفلسطين قبل قيام اسرائيل حيث كان اللبنانيون يأتون الى فلسطين، لذلك قاتلوا في الناصرة وحيفا والجليل جنباً الى جنب مع الثوار الفلسطينيين وفي الثورة الفلسطينية المعاصرة. وبعدها، احتضن شعب لبنان، ولا يزال، مئات الاف اللاجئين العائدين الى وطنهم في اول فرصة، وذلك كأشقاء له”.
ووضع رئيس الوزراء محمد اشتية، كامل إمكانات الحكومة الفلسطينية تحت تصرف الدولة اللبنانية. وهاتف وزير الخارجية رياض المالكي، وزير خارجية لبنان شربل وهبي، وعبر له عن تضامن الشعب الفلسطيني مع لبنان البلد المضياف للشعب الفلسطيني والحامي لحقوقه والقومي بعروبته. كما هاتف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الرؤساء ميشيل عون، و حسان دياب، و نبيه بري.وبعث عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون اللاجئين د.أحمد أبو هولي برسالة تضامنية إلى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الوزير حسن منيمنة، مؤكداً الوقوف الى جانب الشعب اللبناني الشقيق في محنته.