مقال جسور
المخيمات “على صفيح ساخن اجتماعياً واقتصادياً ومعيشياً”

جسور / العدد 8
ايهم السهلي*
لم يكن سهلاً عليّ كتابة هذه المادة في النهار بسبب الحر الشديد وانقطاع الكهرباء، ولا في الليل، فالكهرباء أيضا مقطوعة، والعتمة تلف المحيط الذي أقطنه في بيروت.
قصدنا تسليط الضوء على الواقع المعيشي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولكن من الإجحاف وضع الفلسطينيين في سلة واللبنانيين في سلة أخرى وباقي الجنسيات في سلال أخرى، فوضع البلاد الراهن ينعكس سوءاً على كل من يسكن لبنان، ولا خصوصية لأحد.
الآن في المخيمات لا كهرباء كما في بيروت وصيدا وطرابلس وصور، واشتراكات الكهرباء أسعارها ارتفعت إلى حد لم يعد ممكناً تأمين المبالغ التي يحتاجها، فاختارت الكثير من العائلات العتمة على حساب الضوء البسيط، بينما بعض ممن لديهم القدرة سواء اللاجئين الفلسطينيين والسوريين إضافة إلى المواطنين اللبنانيين الذين يسكنون المخيمات اضطروا إلى دفع تلك المبالغ التي وصلت لنحو مليون ليرة لبنانية من أجل الحصول على 5 أمبير بمعدل تشغيل قد يصل إلى عشر ساعات أحياناً. فضلا عن أزمة المياه التي نشأت مؤخراً، وتجلت في المخيمات مع تعميم للأونروا يوم 27/8/2021 قالت فيه “إنّ هناك أزمة حاسمة في تأمين المازوت لتشغيل آبار المياه في المخيّمات”، ودعت “إلى التقشّف في الاستهلاك، وتشغيل المضخّات بما تيسر من كهرباء حكوميّة”. وأزمة المياه حذرت منها منظمة “يونيسف” في تقرير بعنوان “الجفاف الآتي.. نظام المياه في لبنان: على حافة الإنهيار” أشارت فيه إلى أن الإنهيار الكامل “سيقضي على إمكانية وصول مياه الشرب إلى أكثر من أربعة ملايين شخص “.
كل شيء يتهاوى
قد يكون من المبالغة الحديث الآن عن أزمة أمن مجتمعي في المخيمات، ولكن منذ أشهر تصحو بعض المخيمات على عمليات سرقة امتدت إلى السيارات في الطرقات والشوارع الرئيسية، كذلك على “موتوسيكلات” من داخل المخيمات، ورغم أن قوى الأمن اللبنانية تتمكن من إلقاء القبض على الجُناة الذين كانوا من جنسيات مختلفة، إلا أن السرقات عادت، نتيجة عدم مقدرة المهمشين في المجتمع، ومنهم اللاجئين على تأمين سبل العيش الكريم ولو بالكفاف لعائلاتهم الصغيرة. هنا يوضح أمين سر اللجان الشعبية في بيروت أبو عماد شاتيلا لـ “جسور” أن “الحاجة قد تولد مشكلات غير محسوبة” والمخيمات حاليا “على صفيح ساخن اجتماعيا واقتصادياً ومعيشياً”.
عبد الكريم مصطفى شاب يعمل في صحافة الفيديو من مخيم البداوي يعتبر أن “الوضع الاقتصادي بمخيم البداوي هو وضع سيء جداً مثل باقي المخيمات” لكن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها مخيمنا ضاعفت حالات السرقة وكذلك ارتفاع في منسوب اللجوء للعنف”.
تتعدد إشكالات في المخيمات وأسبابها حاليا فمنها ما يحصل بسبب المحروقات ومحاولات الحصول عليها والدخول بلعبة السوق السوداء التي باتت مصدر رزق لمئات أو آلاف الأشخاص في لبنان ومنهم عدد من اللاجئين في المخيمات.
حالة مخيم البداوي المختصرة هنا تمتد إلى باقي المخيمات ولو بأشكال أخرى، فقد أحرق شاب بيته في مخيم مارالياس احتجاجا على سوء وضعه الاقتصادي، إذ لم يتمكن على مر أيام من تأمين الحليب لرضيعته، ورغم أن الأضرار لم تكن كبيرة وتم إخماد النار بسرعة من الدفاع المدني اللبناني والفلسطيني، إلا أن مثل هذه الحادثة كانت إنذاراً لما قد يحصل في المخيمات تحديداً. الصوت وإن ارتفع ليس هناك من يسمعه باستثناء القوى الفلسطينية التي لم تقدم حتى اليوم خطة طوارئ، إنما طالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بوضع هذه الخطة لتأمين احتياجات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في حين أن الوكالة لم تخرج سوى بآلية دعم قيمتها 40 دولاراً لمن هم دون الـ 18 من العمر حسب بيان أصدرته في 17/7/2021، ورغم تحفظات الفصائل والمجتمع على بيان الأونروا، فقد أصدرت آليات التنفيذ والتوزيع في 1/9/2021.
أم ربيع في أواسط السبعينيات من عمرها من سكان مخيم مارالياس لا تجد أمورها في المخيم أفضل من سواه، فالسيدة التي تعتاش على راتب زوجها الشهيد الذي تستلمه بالدولار تقول “أنا بقبض هالمبلغ الصغير بالدولار ويلا قادرة كفي أموري لأن الأسعار عم تطلع كتير بسرعة الله يعين اللي قبضو لبناني، شو في ببيوت الناس هلأ أسرار وولاد يمكن ما عاد أكلت إلا وجبة”. بينما كانت أم ربيع تشير إلى منازل جيرانها، كان صوت سيدة تصرخ بابنها لمطالبته لها بألف ليرة ليشتري أشياء يأكلها من الدكان، تعلق أم ربيع “ما كانت تصرخ بولادها هيك، من جديد لما بطل راتب زوجها يكفي آجار البيت واشتراك الكهرباء”.
اطفال المخيمات أكدوا أن لا شيء يشترونه بالألف ليرة.. هم أكبر ضحايا هذه الأزمة، فمصيرهم التعليمي مجهول اليوم، وبعض ما كان يفرحهم من شيبس وسكاكر وعصير، باتت غالية، وليست بمتناول الأهالي كما كان الحال قبل أشهر من الآن.
مسؤولون ينتظرون ويحاولون
الجهات المسؤولة في المخيمات تعتبر الأونروا مقصرة، وبعض القيادات الفلسطينية في الأحاديث الخاصة تقول إن الفصائل الفلسطينية ليست قادرة على النهوض بدور حي وفاعل ضمن هذه الظروف القاسية التي يمر بها الشعب الفلسطيني. الرأي ذاته لا يطرح علناً ولا في اجتماعات الفصائل، بل أكثر من ذلك بعد تشكيل لجنة لإدارة الأزمة من الفصائل، لم تتمكن اللجنة من عقد اجتماعات للوصول إلى حلول، رغم أن أفراداً منها تمكنوا من تأمين المازوت بعد إعلان الأونرواعدم قدرتها على تشغيل آبار مياه الخدمة في المخيمات لفقدان المادة.
يرى أمين سر اللجان الشعبية في بيروت أبو عماد شاتيلا أن الأزمة الحالية خانقة جداً ولم تعد العائلات في المخيمات قادرة منذ شهور على إعالة نفسها، فـ “نحو 80% من العائلات بحاجة إلى مساندة غذائية مباشرة، وخاصة كون الفلسطينيين فاقدين للحقوق المدنية، فمعاناتهم بالتالي مضاعفة، وعليه لم يكن لديهم مدخرات فعلية تؤمن لهم العيش”.
عضو اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة ولجان العمل في المخيمات أبو سامر الأشقر ليس أكثر تفاؤلا من شاتيلا، يشير لـ “جسور” إن “البطالة ارتفعت بشكل ملحوظ في المخيمات نتيجة أن عددا من الشركات والمؤسسات قد أغلقت أبوابها أو أن الرواتب لم تعد كافية، لكن شريحة من الفلسطينيين أصبحت قادرة اليوم على التكيف أكثر نتيجة أن رواتبها بالدولار كمتفرغي بعض الفصائل وموظفي الأونروا.
الأشقر يحذر من أن “هذه الأزمة تدفع الشباب الفلسطيني المتعلم حاليا للتفكير بالهجرة والذهاب إلى خارج لبنان، ومنهم الأطباء والمهندسون والمحامون”، ويجد أن الحلول التي يجب اتخاذها “كما الدولة اللبنانية تعمل على تأمين بطاقة تموينية للبنانيين، علينا الضغط على الأونروا لتأمين ما هو مثيل، أو تعيد إحياء بطاقة الإعاشة لتخفيف الأعباء عن اللاجئ الفلسطيني”.
يبدو أن هناك إجماعاً على الرأي القائل بتقصير الأونروا، وعلى ضرورة قيامها بفعل له أثر في حياة اللاجئين، ولكن ليس هناك من يقوم بالضغط على الوكالة المؤسَسة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لتبقى الأمور على ما هي عليه.
* صحافي فلسطيني من “تفاعل”