مقال جسور
!المخيّم… بين سياسة التهميش والعبث والتوظيف

نتحدث عن ظاهرة نشأت وتكوّنت في بيئة خاصة بها وتفاعلت فيها عناصر ثلاثة: واقع اجتماعي مهترئ، سلاح متفلّت، وتوظيف سياسي مقيت. عوامل لا يمكن فصلها عن علاقتها بالمرحلة، ترافقها آفات اجتماعية بهدف إنهاك المجتمع، وتشويه الهوية الوطنية وتشتيت المخيمات، لتجعلها عنصراً نابذاً لأبنائها وفزّاعة لمحيطها، وبذلك تتبدل رمزيتها من عنوان لقضية وطنية، إلى قضية أمنية لا يحتملها أحد. الحس السياسي الصحيح والبسيط والجريء، يبدأ من المقدمات التي انتجت هذا المشهد الدراماتيكي، ويتوقف عند المسؤولية الذاتية التي هي حُكماً من صنع أيدينا. فسياسة اللاسياسة أو السياسة القاصرة أو سياسة التهميش أو الإغلاق أو التمييز، أدت الى إخراج المجتمع الفلسطيني من دائرة الحياة، سواء بارتفاع معدلات البطالة أو العيش تحت خط الفقر، ونشوء الظواهر المرضيّة ونموها، لتصف المخيم بالبؤرة الخارجة عن القانون، علماً أنه ضحية واقعة بين سندان سياسة التهميش والتقليص والقهر من جهة، ومطرقة العبث والفلتان والعنف المعيب والمدان من جهة ثانية.
إن إنهاء الظواهر الشاذة والمنفلتة يتطلب إنهاء البيئة السلبية التي انتجتها، وهذا يبدأ بالقانون بوجهيه الحقوق والواجبات، لأن الاعتراف بمفهوم الواجب يسبق مفهوم الحق. الواجب واجب وليس حواراً ولا خياراً، بل هو تقدير للذات وللآخر. موجبات احترام التوازن بين الحقوق والواجبات اساسية، ولا يمكن تالياً فصلهما. فهو علاقة بين الذات والموضوع، وهو بمثابة اعتراف بإنسانية الآخر، والاقرار بأنها جماعة استثنائية وأن لها خصوصية. كيف يتم تأكيد عدالة القضية ونفي العدالة عن أبنائها؟!
تعزيز شروط الأمن الانساني ليصبح حاجة عامة وللوجود الفلسطيني في لبنان خصوصاً في المخيمات وخارجها يحتاج إلى العلاقة الاجتماعية والحياة المدنية والانسانية، والتواصل مع الآخرين من دون حواجز أو عقبات أو ثقافات عصبوية أو طائفية، وله حاجات نفسية، وتعليمية، وطبية وصحية، واجتماعية وسياسية بما فيه التوجّس القلق على مستقبله السياسي، لأنه جزء أصيل من المشروع الوطني الفلسطيني والمكّون الأصلي للقضية الفلسطينية. هذا المستقبل ليس خارج الهَمّ الفلسطيني، وبخاصة لدى جيل الشباب الذي يمثل العمود الفقري للمخيمات، الذي ينظر بعين الريبة إلى وجوده السياسي، أي فقدان الحس بالأمن الانساني أيضاً. وهنا تكمن إحدى مفردات الخصوصية الفلسطينية المبنية على ذهنية الاقتلاع والخشية من المقبل، فلا يمكن تحقيق القانون كتعبير عن تحقيق العدالة والسيادة عبر استخدام تشريعات وإجراءات تجعله خارج القانون أو انساناً غير مرغوب فيه، وهو يتذوّق يومياً مرارة لقمة العيش والتنقل والعمل والسكن وإدخال مواد البناء، مما يؤدي إلى تنامي الشعور بالاضطهاد!
واجبات السياسة الصائبة ضبط التغيير المتواصل في بنية المخيمات وتكوينها الاجتماعي والمدني، وأن يستند فعلها إلى مؤسسات وتنظيمات تمتلك وعياً قانونياً وثقافياً واجتماعياً مؤهلاً لهذه العملية، يكون قادراً على تحريك المجتمع وتنشيطه، بتأطير نمط العلاقة بين هذه التنظيمات والمؤسسات والأفراد.
وبذلك يمكن أن يكون للمجتمع دور في حماية ذاته ولفظ الشوائب، وعزل الحالات الشاذة وأدوات التخريب، وتحصين الأفراد ضد سطوة الافكار المدمّرة، ووضع حد للمخلّين بالأمن واصحاب السوابق والأجندات الخارجية بالتعاون الوثيق مع الدولة اللبنانية، ودفعها للقيام بمسؤولياتها من دون تراخٍ أو اهمال، للتخفيف من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية العنيفة. من هنا تتحقق الوظيفة التعبيرية للمرجعية السياسية بالفعل وليس بالقول، ومن مدخل تمثيلها لمصالح شعبها والتماثل مع غايات الناس، وتتيح لهم المشاركة لتحقيق ذاتهم، والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم . للعمل الجماعي دور التنظيم المجتمعي الذي لا يستهان به، كالمبادرات الذاتية، المستندة الى صياغة تنظيمية وشعبية خلاّقة تؤدي إلى الإرتقاء بالوعي السياسي وبالثقافة السياسية وإلى المشاركة الجادة في صناعة القرار السياسي، فيفضي هذا التفاعل المجتمعي تالياً إلى النهوض بدور فاعل ومهم في عملية الحماية الذاتية.