مقال جسور
المصارحة والمصالحة والحقوق الإنسانية

*رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني
في هذا العدد أكثر من مقال عن ذاكراتنا المعطوبة، لبنانيين وفلسطينيين. فما زال تاريخ المآسي والأحقاد يتصدّر تلك الذاكرة، ويطغى على قراءتنا الموضوعية والسليمة للماضي بأحداثه، وكذلك للواقع المعاش بيومياته، وكيفية معالجة مشاكله وقضاياه.
إذ، وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً على انتهاء الحرب الأهلية، وأكثر من سبعين عاماً على اللجوء الفلسطيني إلى لبنان، فإن المصارحة والمصالحة بين اللبنانيين والفلسطينيين لم تحصلا حتى اليوم. وهما شرطان أساسيان لإعادة الأمور إلى نصابها بين الجانبين. فما زال الخوف من الفلسطينيين عند اللبنانيين قائماً. خوف من السلاح، ومن الأعداد، ومن التملك، ومن العمالة… وباختصار خوف من كل ما هو فلسطيني. كل ذلك تحت عنوان عام واحد هو الخوف من التوطين.
وبالمقابل، تزداد النقمة عند الفلسطينيين من الدولة اللبنانية، خصوصاً عند جيل الشباب، الذين لم يكونوا قد ولدوا بعد، في زمن الحرب الأهلية. وهم بالتالي لا يتحملون أي مسؤولية تجاه ما جرى خلالها، ولكنهم يدفعون ثمنها غالياً، عندما يجدون أنفسهم اليوم بلا عمل، ولا مورد رزق، ولا مسكن لائق أو شروط عيش كريم، بل مجرّد معاناة وبؤس مدمر… و بالطبع من دون القدرة على تحقيق الاستقرار وبناء أسرة وحياة كريمة. ولأنهم لا يستطيعون تحقيق الحد الأدنى، وتُسد في وجوههم الآفاق نراهم يتعرضون لشتى الآفات الاجتماعية وبأشكالها كافة، وفي مقدمها الإدمان على المخدرات والتطرّف والفساد على أنواعه.
لقد ورث الشباب اللبناني، كما الفلسطيني من غير اختيار أو قرار ، تَرِكة ثقيلةً وتاريخاً لم يسهما في رسم معالمه. فقد سمَّمت الحرب الأهلية بأثمانها الفادحة العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وأنتجت صورة نمطية سلبية متبادلة، لدى اللبناني عن الفلسطيني والعكس أيضاً.
لقد آن الأوان للشباب، لبنانيين وفلسطينيين لكسر هذه الصورة، وصياغة واقع مضيء يحمل بصمات طموحاتهم واندفاعهم لرفض واقع اليأس وإعلاء شراع التقدم.
ولقد آن الأوان لنا جميعاً للمصارحة والمصالحة، كما آن الأوان للفصل بين الخوف من التوطين، والسماح للفلسطينيين بالحصول على مقوّمات العيش الكريم في البلد المضيف لبنان.
وهنا نؤكد على حقيقتين:
الأولى، أنه رغم مرور أكثر من سبعين عاماً على اللجوء الفلسطيني إلى لبنان، ورغم كل المراحل والأهوال التي مرَّ بها هذا الوجود، فإن التوطين لم يحصل، حتى في ظل أي ظرف من الظروف الصعبة. وهذا ناتج من رفض الطرفين للتوطين، فاللبنانيون دولةً وشعباً ضد التوطين. والفلسطينيون يرفضونه، لأنهم متمسكون بحق العودة إلى ديارهم مهما طال الزمن.
والثانية: التوطين، وبشكل قاطع هو قرار دولي، في سياق الحل النهائي للمسألة الفلسطينية ومن منظور خارجي، كما يقترحه الآن مشروع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، والمعروف بـ “صفقة القرن” وليس بالتأكيد نتيجة حصول اللاجئ الفلسطيني على بعض حقوقه الإنسانية.
إذن، فلنذهب إلى المصارحة والمصالحة، ولنفصل بين الخوف من التوطين والحقوق الإنسانية للاجىء الفلسطيني، فعلى قاعدة هذه المصارحة والمصالحة يمكن لنا سوياً مواجهة الأخطار العاصفة التي تستهدفنا معاً، فلسطين وقضيتها ولبنان ككيان نهائي لأبنائه.