مقال جسور
المواجهة وسر إنتصار القضية الفلسطينية على المدى الطويل

* وزير لبناني سابق
بدايةً، تعزية صادقة بشهداء حرب غزّة الأخيرة وعناية الله للجرحى والمصابين، وتحية لقدرة الشعب الفلسطيني على صموده، ووقوفه بشموخ لإسترجاع أرضه والإستحصال على حقوقه وكرامته.
مضاعفات المواجهات الأخيرة في فلسطين مهمة جداً، ويمكننا القول إنه ما بعد حرب أيار 2021، على غزة ومواجهات القدس وانتفاضة الضفة وأهل فلسطين 48، ليس كما قبلها.
عادت القضية الفلسطينية والسعي إلى حلها إلى الأجندة الدولية وأصبحت، بموازاة، لا بل أهم من المفاوضات الإيرانية – الأميركية؛ فجعلت هذه المواجهة أمريكا حذرة من إتمام تفاوضها مع إيران، قبل تقدم ملحوظ في موضوع القضية الفلسطينية، الذي أصبح أمراً رئيسياً فرض نفسه على إدارة بايدن، التي كانت تدير ظهرها له. فأصبحت قضية الشعب الفلسطيني في قلب وضمير يسار الحزب الديمقراطي الأمريكي، وشأناً خلافياً داخل مجموعات اللوبي اليهودي – الأميركي نفسه. كما أن هذه المواجهات أظهرت جيلاً شاباً فلسطينياً مناضلاً من جرّاء التزامه القضية ونيته المتابعة في التضحية والمواجهة والإستشهاد من أجلها.
تأكدت إسرائيل من أن فرضها الحل على الفلسطينيين دون موافقتهم، ولو بدعم لا محدود كما في خلال عهد ترامب، ليس إلا سراب، وأيقنت أنه لا بد من العودة إلى حل الدولتين بالتفاوض وليس بقوة الأمر الواقع. كما أظهرت تلك المواجهة أن هنالك الآن توازناً في القوة وتقدماً لصالح الفلسطيني، بشكل أصبح الإنقضاض على فلسطين شعباً وأرضاً له ثمن عسكري، يُزعج إسرائيل إقتصادياً وإنسانياً وسياسياً في كل بلدان العالم.
في لبنان، أظهرت تلك المواجهة أن الوجود الفلسطيني منضبط تحت الإدارة اللبنانية، وأن الدعم الواسع من قبل الشعب اللبناني لقضية فلسطين تمظهر بشكل منظم وعاقل وفعّال، دون أية فوضى أو استعمال للقوة هو غير محسوب. على المدى الطويل، أتت المواجهة لصالح الفلسطينيين ولبنان، لأنها أعادت حظوظ الإهتمام بالقضية الفلسطينية، وإيجاد الحل الكريم لها وتسهيل عودة اللاجئين بعد إعطائهم الأمل الحسّي أن تلك العودة لم تعد سراباً.
في وجه ذلك التقدم الهام للشعب الفلسطيني على طريق استرجاع أرضه وحقوقه، يُرخي الوضع اللبناني المعطل سياسياً واقتصادياً بثقله على الفلسطينيين في لبنان. وهو يجعل الصعاب اليومية الحياتية والوجودية أكبر على اللاجئين كما علينا، ومواجهتهما هي واحدة. المطلوب هو العمل سويّاً لفك الحصار الإقتصادي والسياسي عن لبنان، وعدم إقحامه في صراع الأقوياء حوله، وتجنيبه تبعات شؤون ليست بيده تقريرها، ولكنها تؤثر عليه كما على اللاجئين عنده. لا بد أيضاً أن يتكثف الجهد المشترك في المحافظة على أمن المخيمات، ومتابعة السياسة الحازمة من قبل الجميع بعدم إغراقها مجدداً في خلافات لبنان، وذلك لتمكين الطرفين من العمل المشترك عربياً ودولياً في دعم القضية الفلسطينية، وتحسين أحوال اللاجئين، والتأكد بأن أي حل قادم لن ينساهم ويتركهم في مخيمات البؤس، بل سيعيدهم إلى وطنهم الأم، لأن لا سلام فعلياً من دون عودة اللاجئين مكرمين معزَّزين إلى فلسطين، وهذا ما يريدونه هم أولاً وأخيراً.
بعد تأليف الحكومة والتقدم في الإصلاحات في لبنان، من المهم العودة أيضاً إلى إدراج موضوع السعي إلى حل عربي للوجود الفلسطيني ككل في الدول العربية التي تعرّضت لاهتزازات كبرى منذ 2011، مما جعل هذا الوجود أكثر صعوبة عليهم وعليها. وذلك من باب تسهيل فرص العمل لهم في الإقتصادات العربية الأكثر قوة أو الأكثر اتساعاً من البلدان التي اهتزت بعمقها وبإمكاناتها، وذلك للتخفيف من حالات البؤس ونشر التعليم والصحة العامة في المجتمعات الفلسطينية. كذلك الأمر مع البلدان الغنية في العالم أجمع، والتي يجب العمل على تسريع عودتهم، وبتأمين فرص العمل الممكن لديها ووفق قوانين العمل والمساعدة الدولية.
نعم، هنالك الكثير من المصالح المشتركة بين لبنان وفلسطين، وقد أصبح الوعي لدى المسؤولين من البلدين كافٍ ليقدموا على تعاون عملي فيه مصلحة لكل من اللبنانيين والفلسطينيين.