مقال جسور
بداية مرحلة جديده في الصراع مع الكيان الصهيوني

* قيادي في حركة “حماس”
بإعلان ترامب في 6 كانون ثاني 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة الولايات الاميركية المتحدة لها، أطلق رصاصة (الرحمة) على مسار التسوية. وأطلق العنان لرئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك (بنيامين نتنياهو) لإطلاق عملية تهويد واسعة لمدينة القدس.
من نافلة القول أن محاولات تهويد المدينة المقدسة لم تنطلق مع نتنياهو، فقد عملت حكومات الإحتلال المتعاقبة على ذلك، بدءً من إعلان ضمها إلى الكيان الصهيوني في ثمانينيات القرن الماضي، مروراً ببناء المستوطنات في محيطها ثم توسيع حدودها لتشمل المستوطنات بمن فيها، وفرض سلسلة من القوانين التي تمكن الاحتلال من طرد السكان العرب الفلسطينيين فيها، وإلغاء هوياتهم، وصولاً إلى بناء السور داخلها وعزل بعض الأحياء العربية، وإخراج بعضها من حدود المدينة. غير أن حكومة نتنياهو اتجهت للعمل في مسارين أولهما: استهداف الأحياء العربية داخل المدينة المقدسة، والتي بقيت حتى اللحظة تقاوم التهويد وتستعصي عليه. وتركز هذا الجهد باتجاه حي الشيخ جرّاح، كونه يمثل امتداداً يصل إلى عمق مدينة القدس بإتجاه حي المغاربة.
أما المسار الثاني فهو تشجيع عمليات الاستيلاء على جزء من المسجد الأقصى، لا سيما بعد فشل محاولات التقسيم الزماني والمكاني بفعل صمود أبناء القدس وتماسكهم في مواجهة كل هذه المحاولات. وتم تحديد 28 رمضان الماضي (الموافق ذكرى احتلال القدس عام 1967 وفق التقويم العبري) لتنفيذ عملية اقتحام كبرى للمسجد الاقصى.
أما المسار الثاني فهو تشجيع عمليات الاستيلاء على جزء من المسجد الأقصى، لا سيما بعد فشل محاولات التقسيم الزماني والمكاني بفعل صمود أبناء القدس وتماسكهم في مواجهة كل هذه المحاولات. وتم تحديد 28 رمضان الماضي (الموافق ذكرى احتلال القدس عام 1967 وفق التقويم العبري) لتنفيذ عملية اقتحام كبرى للمسجد الاقصى.
إزاء كل ذلك، وفي ظل عدم استجابة المجتمع الدولي لكل المطالب والدعوات الفلسطينية بوقف هذه الإعتداءات، أطلقت المقاومة الفلسطينية تحذيراً واضحاً للاحتلال بأن (القدس خط أحمر) وأن المساس بالقدس يعني (تحولات لا يمكن تحديد عواقبها)، وكعادته لم يعبأ الاحتلال بذلك، بل كان تقدير حكومة العدو أن الفرصة لتنفيذ هذه المخططات مؤاتية، وأن أطراف عملية التطبيع التي إنطلقت منذ أعوام سيكونون قادرين على استيعاب تداعيات هذه الجريمة. استدعى ذلك إعلان قائد القسام محمد الضيف إنذاره للاحتلال بوقف إعتداءاته أو مواجهة تداعيات ذلك.
عملية محددة و معادلة جديدة
استدعى استمرار الاعتداء على القدس التدخل المباشر للمقاومة، الأمر الذي فاجأ الإحتلال، وبدل إدراك حساسية مسألة القدس، قرر الإحتلال وضع خطة (رياح الجنوب)، وهي الخطة التي وضعها رئيس أركانه كوخافي، محل التنفيذ، وبالتزامن قرر تعليق المناورات الأكبر في تاريخ الاحتلال، مطلقاً عدواناً جوياً واسعاً على قطاع غزة، فيما ردت المقاومة على هذا العدوان بإطلاق صواريخ محلية الصنع طالت مدن عسقلان وإسدود وتل أبيب وبئر السبع علاوة على القدس. وقد فوجئ العدو بقدرات المقاومة وكفاءة أدائها، وتكامل كل فصائلها في الميدان، وكان هذا أحد أهم ثمرات (الغرفة المشتركة) لفصائل المقاومة في غزة، والتي أنتجت أداءً مقاوماً متكاملاً، جعل الأداء العملياتي موحد النسق مركز الاستهداف للعدو، من دون الدخول في تجاذبات التنافس أو اختلاف البيئات الداخلية التنظيمية للفصائل التي تتبعها الأجنحة العسكرية للمقاومة.
غير أن المفاجأة الكبرى كانت الاندفاعة الشعبية غير المسبوقة في تاريخ الكيان الصهيوني حدة واتساعاً في الأراضي المحتلة عام 1948، والتي ظن العدو أن هوية أبنائها قد مُسخت، فإذا به يجد أن الجيل الثالث المولود تحت الاحتلال يعبر عن انتماء وطني فلسطيني قولاً وفعلاً، واكتمل المشهد كذلك بانتفاضة شعبية في الضفة، ليجد العدو نفسه أمام مقاومة فلسطينية متعددة الأشكال، يشارك فيها الشعب الفلسطيني من النهر إلى البحر.
على الصعيد السياسي الفلسطيني كان لمسار الحوار والمصالحة وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية، أثره البالغ في انسجام الموقف السياسي الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني، سواء بالدفاع عن القدس والمقدسات، أو في تبني فعل المقاومة والانتفاضة الشعبية كحق للشعب الفلسطيني. وبتكامل الفعل السياسي الفلسطيني الموحد، والمواجهة الشعبية من البحر إلى النهر، ودور المقاومة التي أحبطت خطة (رياح الجنوب) وأفهمت العدو أن المساس بالقدس يعني مواجهة كبرى، أدرك العدو استحالة تحقيق أهداف العدوان، أو كسر إرادة الشعب الفلسطيني، أو سهولة تمرير مخططه بشأن تهويد القدس، فلجأ إلى الوسطاء من أجل وقف إطلاق النار، وهو ما تم بجهد مصري ودور قطري وأممي. وحقق الفلسطينيون ومقاومتهم انتصاراً مهماً في مواجهة العدو الصهيوني.
لقد تمثل الإنجاز الفلسطيني في عدة عناوين أولها إدراك أهمية وحدة الموقف السياسي في مواجهة العدو الصهيوني، والذي لا بد له أن يمتلك ما استطاع من أوراق القوة وفي مقدمتها المقاومة. إن هذا الإدراك يتطلب القيام بخطوات أكبر وأعمق في هذا الإتجاه، وتبدو اليوم الخطوة الأهم والأبرز إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، واستعادة المشروع الوطني الأساس للشعب الفلسطيني (التحرير والعودة).
لقد تمثل الإنجاز الفلسطيني في عدة عناوين أولها إدراك أهمية وحدة الموقف السياسي في مواجهة العدو الصهيوني، والذي لا بد له أن يمتلك ما استطاع من أوراق القوة وفي مقدمتها المقاومة. إن هذا الإدراك يتطلب القيام بخطوات أكبر وأعمق في هذا الإتجاه، وتبدو اليوم الخطوة الأهم والأبرز إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، واستعادة المشروع الوطني الأساس للشعب الفلسطيني (التحرير والعودة).
أما ثاني الانجازات فهو وحدة الشعب الفلسطيني رغم محاولات العدو تمزيقه وتجزئته جغرافياً وسياسياً. إن هبّة الشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر في مواجهة العدو، وتفاعل اللاجئين، ومن في الشتات، بصورة غير مسبوقة، مع أهلهم داخل فلسطين، تلقي على كاهل القيادة الفلسطينية مسؤولية كبرى في ترسيخ وحدة الشعب، وصياغة وتنظيم تكامل الأدوار التي يمكن أن يقوم بها كل الشعب الفلسطيني من أجل قضيته حيث كان.
ويمثل نجاح المقاومة في بناء معادلات جديده في المواجهه ثالث هذه العناوين، وإذا كانت المقاومة في هذه المواجهه قد رسخت معادلة القصف بالقصف، واستهداف الأحياء السكنيه بمثل ذلك، فقد أضافت معادلة جديده ومهمه تمثلت في خروج المقاومة في غزه من دائرة الدفاع عن غزه والعمل لكسر الحصار عنها، إلى الدفاع عن القدس والمقدسات والاستفادة من تراكم القوه على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية لتؤكد أن دورها قائم ومؤثر وفاعل في الدفاع عن القدس عاصمة للدولة والشعب الفلسطيني، وتفتح بذلك أبواب معركه التحرير.
أما على الصعيد العربي والإقليمي فقد حاصرت هذه المعركة التطبيع ووضعته وأصحابه في مأزق حقيقي، كما أنها كشفت عن إراده شعبيه في المنطقه، لا تزال على مواقفها الأساسيه في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، كما ظّهرت مواقف الدعم على الصعيد الرسمي للقضية الفلسطينيه والمقاومة. وهو ما يتطلب جهداً من كل هذه الأطراف لإسقاط مشروع التطبيع، ودعم مشروع التحرير الفلسطيني.
وخلاصة القول فإن معركة (سيف القدس) التي كانت من أجل الدفاع عن القدس، سجلت تقدماً لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة الاحتلال، وأكدت إمكانية هزيمة الاحتلال وواقعية هذا الأمر. وتظل رغم آلام وتضحيات شعبنا انجازاً وانتصاراً مستحقاً لشعبنا ومقاومته، وبداية لمرحلة جديده في الصراع مع الكيان الصهيوني، لن يكون إيقاعها ولا نمطها كما كان قبل هذه المعركة.