مقال جسور

بعيدون عن تحقيق السلام والحل العادل وعودة اللاجئين

بعيدون عن تحقيق السلام والحل العادل وعودة اللاجئين
* وزير لبناني سابق وأكاديمي
 
في زمن الاضطراب والتفكك والصراعات المفتوحة، وما يبدو انسداد أفق الخروج من ازماتنا العربية المتناسلة، والتي تكاد تكون مستعصية، تبقى قضية فلسطين، ومعها الصراع العربي-الصهيوني، في قلب أسئلة المستقبل العربي، أياً كان من احتجابها الظاهر وراء الوهن والمخاوف، وما يلازمها من اللجوء إلى لون من الواقعية المستسلمة لعلاقات القوة الراهنة لا في منطقتنا فحسب، بل في العالم كله. صحيح أن الشعوب العربية لم تعارض حكامها على نحو صريح بمواقف وسياسات بديلة من التي اختارتها أو دفعت إليها. لكنه صحيح أيضاً أن الرأي العام العربي، رغم خفوت الأصوات ومظاهر الإستكانة والخضوع، ما زال مؤمناً بقوة الحق الفلسطيني والعربي في وجه غطرسة إسرائيل واحتلالها وتمييزها العنصري. لعل هذا الازدواج، ثبات في الموقف وإحجام عن إعلانه، ليس قدراً محتوماً، هو ما تشي به دراسات ميدانية واستطلاعات متعددة. ويرتّب علينا النظر بعينين اثنتين إلى مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي ومآله، وإلى سياسة الولايات المتحدة المحتملة بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. 
 
منذ أيام الرئيس باراك أوباما، تعزّز توجّه الولايات المتحدة الأميركية نحو الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، وتواصل ذلك، رغم اختلاف الأسباب والدوافع، في عهد الرئيس دونالد ترامب. ومنذ امتناع واشنطن عن الرد على الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، ازداد التخوف لدى حكام بعض الدول الخليجية من تعاظم قوة التهديد الإيرانية في المنطقة، ووصل بدولتين إلى حد إبرام “اتفاقات سلام” مع إسرائيل، ترى فيها قوة عسكرية وتكنولوجية كبرى في الشرق الأوسط مرشّحة للوقوف إلى جانبها في حال تعرّضها للخطر، وقادرة على التأثير في الولايات المتحدة للحؤول دون تخليها عن التزاماتها بحماية أمن الخليج وأنظمته. وتمّ التوصّل إلى “اتفاقات السلام” من دون أي مقابل قدمته إسرائيل. أياً كان من رغبة الجانب الخليجي في تخلي إسرائيل عن مشروع ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، استمرت عملية الضم الإسرائيلي الزاحف للأرض الفلسطينية، وآخر فصولها موافقة الكنسيت الإسرائيلي بالقراءة الأولى قبل أيام على مشروع قانون يضفي شرعية على البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، التي يعتبرها القانون الإسرائيلي نفسه غير شرعية. أما بعض الدول العربية الأفريقية، التي سارت على طريق التطبيع مع إسرائيل، فقد استغل دونالد ترامب أوضاعها الخاصة كي يعقد “صفقات” معها على حساب القضية الفلسطينية.
 
في حقيقة الأمر، أدى التطبيع العربي-الإسرائيلي إلى قبول الدول المعنية بالإستيطان اليهودي ومشروع الضم من جهة أولى، ومن جهة ثانية إلى التخلي عن المطالبة بعودة التي حظيت بإجماع قمة بيروت في سنة 2002، والقائلة بمقايضة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل و انسحابها الكامل من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار الدولي رقم 194. 
 
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة بعد انتخاب بايدن، فإنه لا يخفى على أحد أن هذا الأخير صديق لإسرائيل، وهو، بحسب ما صرح به وأكّده مستشاروه، لن يقدم على التراجع عن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية اليها. ومن المرجّح أيضاً أن يؤيد أي تطبيع مقبل مع إسرائيل تميل إليه او تستعدّ له هذه الدولة العربية أو تلك. بالمقابل، سوف يعلن على الأغلب موقفا متحفظاً على مشروع الضم الإسرائيلي، ومن المحتمل أن تستأنف إدارته تقديم المساعدات للفلسطينيين ودعم الأونروا، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وكذلك إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. وهي، في تمسكها المعلن بحل “دولتين لشعبين”، لن تتردّد غالباً، وعلى جاري عادة الولايات المتحدة منذ أن فرضت نفسها “وسيطا” وحيداً، في ممارسة الضغط على الفلسطينيين كي تعيدهم إلى المفاوضات الثنائية المباشرة مع إسرائيل، بعيداً عن المؤتمر الدولي الذي طالبت به القيادة الفلسطينية، بحيث تعود إلى اعتماد نهج “احتواء الصراع” و”إدارة الأزمة” وليس البحث عن حل عادل ونهائي له متوافق مع قرارات الشرعية. ويمكن التساؤل، في هذا السياق، إذا ستعود الإدارة الأميركية، في عهد بايدن، إلى تأكيد التزامها بالقرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت، والذي يؤكد عدم شرعية المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967 بما فيها القدس الشرقية، ويعتبر إقامتها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ويطالب بوقف فوري لكل الأنشطة الاستيطانية على الأراضي المحتلة. 
 
في ضوء ذلك، ما زلنا بعيدين عن تحقيق السلام في المنطقة، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وليس متوقعاً ان تتغيّر أوضاع الفلسطينيين في الدول العربية، وتنفتح امامهم إمكانات جديدة. تبقى على الفلسطينيين حيثما حلوا مهمة أن يستجمعوا طاقاتهم، ويعيدوا بناء مؤسساتهم الوطنية الجامعة، ويتعالوا على انقساماتهم المدمرة، ويسترجعوا عوامل القوة المعنوية والسياسية لمواجهة الاحتلال، ويسهموا في استنهاض الدعم الشعبي في العالم العربي والتأييد العالمي لقضيتهم العادلة.