مقال جسور
تهميش المهمشين

طوال 72 عاماً من اللجوء الفلسطيني إلى لبنان عاش اللاجئون حالة من التهميش والتخلي لم يعرفوها في أي بلد من بلاد اللجوء. رغم اعتراف الدولة اللبنانية بهم كلاجئين، وإنشاء مديرية خاصة بهم في وزارة الداخلية لتسجيلهم في قيود رسمية، ومنحهم بطاقات هوية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وجواز سفر خاص بهم، الا أنها عملياً حرمتهم من أبسط متطلبات العيش، حقهم في العمل، في التملك، في الحصول على الكهرباء والماء بصورة طبيعية عبر مؤسسسات الدولة،… إلى آخر ذلك. وكل ذلك بحجتين أساسيتين الأولى أن مسؤولية تأمين متطلبات اللاجئين الفلسطينيين تعود إلى الاونروا. وبالتالي لا مسؤولية للدولة اللبنانية في مختلف تلك القضايا، والحجة الثانية، أن اعطاء اللاجئين تلك الحقوق الطبيعية هي توطين مقنع، غير مقبول بأي شكل من الاشكال.
ومابين نفي الاونروا لمسؤوليتها الشاملة عن كل أوضاع اللاجئين، وحجة التوطين الواهية التي تخفي العلاقات السياسية بين اللبنانيين، ضاعت حقوق اللاجئين، وظلت المخيمات بصورها البائسة عاكسة لكل حالات الفقر والحرمان والتهميش.
ومع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان والذي ينعكس كارثياً على اللبنانيين واللاجئين سواءً بسواء، يزداد تهميش اللاجئين الفلسطينيين لدرجة التمييز بين اللبناني الفلسطيني في القضايا الانسانية البحتة، فإذا كانت المستشفيات، والأفران ومحطات ضخ المياه اللبنانية تؤمن المازوت بشق الأنفس فإنها عند الفلسطينيين شبه مستحيلة، أما الأدوية في الصيدليات حتى لمرضى الكورورنا فهي شبه مستحيلة عن المستشفيات الفلسطينية. أما البطاقة التمويلية التي ستمنح للبنانيين طوال فترة الأزمة، فإن الاونروا المسؤولة عن إغاثة اللاجئين الفلسطينيين تتكفي بمبلغ رمزي لايكفي لدعم اسرة فلسطينية لأسبوع.
لاشك أن الموضوع الفلسطيني، وقضية اللاجئين، تمر في ظروف صعبة لاسابق لها، وسط غياب أي اهتمام دولي أو عربي أو داخلي. البعض لأسباب متعددة هدفها وضع الموضوع الفلسطيني طي النسيان، والبعض منشغل بمشاكله وصراعات المنطقة، وبالتالي فإن أحوال اللاجئين خاصة في لبنان، تنتقل من سيء إلى أسوأ على الصعد كافة.
لقد سبق للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ومجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان أن قدما مساهمات ثمينة لا تتكلف الدولة اللبنانية الأموال، ولكنها تعكس أهمية الاعتراف بمظلومية هذا الشعب. وأعدت مجموعة العمل المكونة من الاحزاب الرئيسية المشاركة في الحكومة الحالية والحكومات السابقة والمجالس النيابية جملة من التوصيات رفعتها إلى رئاسة الحكومة، وطالبت وضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء وإقرارها، بهدف رئيسي محدد هو اعتبار الوجود الفلسطيني في لبنان وجوداً اضطرارياً، أملته ظروف الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ومن حق هؤلاء العمل بكرامتهم وتحصيل خبزهم بعرق جبينهم وجهدهم، والمساهمة في صمود لبنان وشعبه.
وفي هذا السياق، تنشر” جسور” سلسلة تحقيقات عن أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، بدءاً من هذا العدد، مع مخيم شاتيلا، علنا نقدم صورة عن حجم معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. على أمل أن تساهم هذه التحقيقات في بلورة سياسية سليمة وانسانية تجاه هؤلاء الذي يجمعنا معهم اولاً انسانيتنا المشتركة، بالإضافة إلى واجبات تجاه من رضينا أن نستضيفهم على أرضنا بإنتظار عودتهم إلى وطنهم مهما طال الزمن.
حسن منيمنة
رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني