مقال جسور
حل الدولتين شيك من دون رصيد!
* روزانا بومنصف
لا يمكن في سياق تداعيات الحرب العسكرية الأخيرة بين اسرائيل والفلسطينيين عدم تسليط الضوء في شكل أساسي على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن إلى اسرائيل والضفة الغربية، وما أعلنه في شكل خاص. وينبغي الاعتراف اولاً بأن هذه الحرب أعادت وضع الموضوع الفلسطيني على جدول أولويات الإدارة الاميركية بقيادة جو بايدن المنصرفة أساساً في المنطقة إلى العودة للاتفاق النووي مع ايران، وبدرجة أقل بوقف الحرب في اليمن. والاهتمام الاميركي بدأ من نقطة مختلفة كلياً، لا بل مناقضة للسياسة التي اعتمدها الرئيس السابق دونالد ترامب بإعادة الاعتبار من إدارة بايدن لحل الدولتين، وفي ظل خطاب اميركي متعاطف ومتفهم للقضية الفلسطينية ومأساة الفلسطينيين.
11 يوماً من المعارك المدمرة كانت تعبيراً صارخاً عن تأزم الواقع الاسرائيلي في ظل العجز عن تأليف الحكومة الاسرائيلية، وأزمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سياسياً وقضائياً، كما تأزم الواقع الفلسطيني في ظل العجز عن إجراء الانتخابات الفلسطينية أيضاً. خسر الفلسطينيون جداً على المستوى البشري، فيما كسبوا تعاطفاً عالمياً تراجعت فيه اسرائيل جداً حتى في قاعدة جمهورها الاميركي الداعم، كما لدى الرأي العام الغربي. هناك أخطاء اقترفتها ولم تكن مقبولة في ممارسة سياسة الفصل العنصري في القدس، لا سيما أنها لا تزال المدينة التي تشكل في جزئها الشرقي عاصمة للدولة الفلسطينية، وليس عاصمة لدولة اسرائيل وفقاً للاعتراف الاميركي سابقاً فقط. في هذا السياق والذي تمت معارضته على مستوى دولي، لأن القدس تبقى احدى قضايا الوضع النهائي التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ولا يمكن حتى مع التنديد بحركة حماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى والصواريخ التصعيدية، إنكار حق الفلسطينيين جميعهم أكانوا في الضفة الغربية أو غزة أو من فلسطينيي 48 بما لهم في القدس. قد تكون تداعيات جائحة كورونا التي انهكت العالم بأسره توقيتاً غير مناسب على مستوى تقبل العالم معارك عسكرية مماثلة، من دون إمكان قبول صواريخ حماس وسيطرتها أو عنصرية اسرائيل الفجة. ولكن أهمية ما حصل أنه أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد غياب لسنوات كما أعاد تسليط الضوء على دور السلطة الفلسطينية التي كانت مغيبة كلياً ابان هذه الحرب. يضاف إلى ذلك أن الفلسطينيين أحدثوا خرقاً دولياً على مستوى التعاطف الاعلامي والسياسي في مقابل الإدانة الكاملة للعنصرية الاسرائيلية.
لاقت الولايات المتحدة اسرائيل في هواجسها من ايران، ولكن واشنطن كانت ولا تزال حليفة لها وليست بعيدة من هذا القلق. فيما ما حصل عليه الفلسطينيون هو أن الاميركيين أعادوا “إحياء ” حل الدولتين، وهو ما يشكل خسارة مبدئية لاسرائيل. هذا المكسب غير كاف، ولكنه مهم وضروري للفلسطينيين وللسلطة الفلسطينية بالذات التي يقع عليها عبء إيجاد السبل لتأمين سبل التلاقي وجمع الفلسطينيين في ظل الاجماع الدولي على دعمها من دون “حماس” والتنظيمات الفلسطينية الأخرى. اعلان الولايات المتحدة صعوبة الحل السياسي راهناً و عدم قدرتها على الاهتمام بذلك، يبدو كمن يعطي الفلسطينيين شيكاً من دون رصيد . الا أن الدور الذي عادت مصر لتلعبه على هذا الصعيد، يشكل من جهة نقطة التقاء بين الجميع، كما سيحمِّلها من جهة أخرى مهمة القيام بدور ممهد لتطوير الهدنة التي تم التوصل إليها. ذلك أن غياب الافق السياسي هو عنصر محفز على الذهاب إلى مزيد من محاولات تحقيق انتصارات لأفرقاء في مأزق سياسي مستمر. كما أنه عنصر مانع لأي إعادة إعمارأ و استثمار محتملة في وقت يعاني الفلسطينيون الكثير. وقد تنجح مصر مع الاردن والمجموعة الاوروبية الداعمة في اعطاء أمل بمسار سياسي مؤقت ودعم اميركي. ولكن حل الدولتين في حد ذاته يُخشى أنه بات سراباً بالنسبة إلى كثر في ظل وقائع التغييرات التي فرضتها اسرائيل عبر توسيع المستوطنات، والتي باتت تشكل تراكماً يصعب أو يستحيل العودة عنه. اذ يخشى الا تكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن الاسرائيليين ليسوا مهتمين بحل مماثل، واميركا كانت فقدت الاهتمام به والآن تعود إليه. فوجود اكثر من 650 الف مستوطن اسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة، يعادل أكثر من ثلث السكان في الضفة الغربية راهناً هم من المستوطنين. وهذا يثير تساؤلات عمن يمكن أن يرحلّهم أو يدفعهم إلى الرحيل عن الضفة. وحتى في حال اقرار مبدأ تبادل الاراضي فهناك 250 الف مستوطن في القدس الشرقية يطرحون إشكالية حقيقية، عما يمكن القيام به ازاءهم وكيف يمكن أن يتم تبادل اراض في هذه الحال.
تعمد اسرائيل إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم. وفيما يبدو هذا الامر غير محتمل، تكفي نظرة واحدة لما حصل في سوريا حيث أدت التطورات الدرامية هناك إلى طرد اكثر من ستة ملايين شخص خلال ستة أشهر، تكفي للجزم أن هذا الاحتمال لن يعود مستغرباً بالنسبة إلى اسرائيل.
* صحافية لبنانية
* صحافية لبنانية