مقال جسور

دار النمر :عربون شكر من الفلسطينيين للبنان

دار النمر :عربون شكر من الفلسطينيين للبنان
على مدى 40 عاماً، جمع رامي رفعت النمر تاريخ بلاده صوراً ومخطوطات ولوحات وأيقونات ووثائق وعملات وطوابع. جمعها في أرشيف يسرد حياة كاملة للفلسطيني العربي، يحمل تراث الثقافة الإسلاميّة والمشرقيّة بما تتنوّع به من أديان ومعتقدات مختلفة، وتسلّط الضوء على تطوّر التاريخ السياسي للمنطقة وتاريخ فلسطين بشكل خاص
 
“تاريخ فلسطين يتعدّى كل العصور، والهوية الفلسطينية التي تحاول إسرائيل إلغاءها، محفورة في عمق هذه العصور، يقول رامي النمر الذي وُلد في نابلس، فلسطين،  كما أصر على ذلك والده رفعت صدقي النمر “المهاجر منها قسراً لتبقى هوية له ولأولاده وأحفاده ولكل جيل يخلفه أراد مقاومة محاولات طمس ذاكرة فلسطين من خلال الحفاظ على هويتها وتراثها”.
 
لم يرد رامي الاحتفاظ بمجموعته الخاصة لنفسه، بل حرص على مشاركتها مع الآخرين، لذا أسّس “دار النمر للفن والثقافة” في العام 2016، لـ”إعادة بناء سردية جديدة للمنطقة تكون أكثر تماسكاً وشمولاً”.
 
بدأ شغفه بجمع الأعمال الفنية في سنٍّ مبكرة: مخطوطات ونقود وقطع خزفية وتحف زجاجية وأسلحة ودروع وأقمشة وأدوات معدنيّة وتحف خشبيّة مطعّمة بالصدف، وصلبان وفخار أرمني من القدس، فضلاً عن أعمال فلسطينية حديثة ومعاصرة مع لوحات ورسوم لمستشرقين. 
 
أراد جمع أعمال “تعود بالذاكرة إلى زمنٍ كانت فيه الحدود مفتوحة ومن دون عوائق، وكان مسار التبادل الثقافي للفنون والأفكار خالياً من العراقيل، ولكي تروي قصّة البقاء والصمود في وجه محو الذاكرة وتشويه الهوية”.
 

اختار رامي النمر عرض مجموعته في لبنان “المنارة الأساسية للشرق التي احتضنت المثقفين والفنانين ووفرت لهم الحماية ومنحتهم منبراً للتعبير عن أنفسهم بجميع الطرق”.  
 
إختار لبنان أيضاً “لأنّ الفلسطينيين فيه هم الأكثر إضطهاداً في مختلف الدول المضيفة للجوئهم”. وأراد بيروت مكاناً دائماً لعرض مجموعته كـ”هدية من الشعب الفلسطيني للشعب اللبناني، لهدفين: إن بيروت عموماً ومنطقة رأس بيروت خصوصاً، كانت لفترة طويلة على مدى الخمسينيات وبعدها مركزاً للتعايش الاسلامي المسيحي والفلسطيني العربي اللبناني، ولذلك هي تمثل العالم العربي بمختلف تلاوينه وانتماءاته الدينية والثقافية والسياسية، وحيث كانت الجامعة الاميركية فيها رمزاً لهذا التعايش ومنتدى للتبادل الثقافي والفكري الجاد والعميق”.
 
ساقه شغفه بالعاصمة اللبنانية الى إقامة مركز ثقافي مستقل تماماً  “ليس جزءاً من المؤسسة الفلسطينية، ولا أسيراً لأيّ فكر له علاقة بأي قضية غير قضية الانسان العربي الفلسطيني اللبناني العالمي”.
 
أراد من خلال هذا المركز أن يقدم الوجه الآخر للشعب الفلسطيني وتراثه الثقافي والإبداعي والفكري والاقتصادي وريادة الأعمال، مقتفياً طريق من سبقوه من رواد لعبوا دوراً كبيراً في ازدهار لبنان وكانوا جزءاً منه. “صحيح أنني لست لاجئاً ولست حزبياً أو شخصية ثقافية، بل رجل اقتصاد ومصارف- يقول رامي النمر لـ”جسور”- لكنني فلسطيني قبل أي تعريف آخر، وفخور بهويّتي وتراثي وثقافتي”.  
 
“هي محاولة فردية لتبيان صورة مختلفة، وإعادة بناء ثقافة للجيل المهمّش غير القادر على زيارة المتاحف والمراكز الثقافية والمكتبات، والغارق في تكنولوجيا المعلومات السريعة الموجهة وغير الصحيحة في غالبيتها”.
 
“دار النمر” هي– كما يُعرّف عنها رامي النمر- “منبر فني وثقافي إرتأينا تأسيسه نيابة عن الشعب الفلسطيني ليكون عربون شكر للبنان. هذا الشعب الفلسطيني، الذي بعد مرور ثلاثة أجيال من النكبة، فقد ثقته بحضارته وإرثه منذ أن أُبعد قسراً عن أرضه، فبات في عيون البلدان المستضيفة شعباً لاجئاً بلا تاريخ وثقافة، كما روّج الصهاينة. لذا، فإن هذه المبادرة هي أيضاً نوع من ردّ الإعتبار للفلسطينيين وإشراكهم في العمل من أجل مستقبل أفضل”.
 
وهي أيضاً “من أكبر المؤسسات الفلسطينية لتعليم الفلسطينيين في لبنان في أفضل الجامعات والمعاهد التعليميّة ولتوفير فرص عمل للطلبة المتفوّقين منهم”. وتتكفل الدار حالياً بنفقات تعليم 160 طالباً في الجامعة الأميركية، و120 طالباً في الجامعة اللبنانية -الأميركية، عبر مؤسسة أسّستها والدة رامي وتديرها اليوم زوجته ملاك النمر، إلى جانب إدارتها لمراكز مخصّصة للأطفال والمسنّين داخل مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ونهر البارد، ونشاطها العام على مستوى المخيمات للإضاءة على مهارات أهلها وإبداعاتهم.
 
دار النمر هي “أيضاً إمتداد لنضال أبو رامي، المصرفي رفعت صدقي النمر، المولود في نابلس عام 1918، الذي هاله أن يرى فلسطين تسقط بأيدي الصهيونية عام 1948، فحوّل هجرته القسرية إلى عمل دؤوب لتنفيذ عشرات المشاريع التنمويّة والتعليميّة والثقافيّة التي تُحصّن الذاكرة وتطل على الآفاق الآتية…وتكسر الحواجز التي تقيّد حياة اللاجئين وناس المخيمات. فالثقافة، كما كان يؤكد في احاديثه، موازية للتعليم، يشكلان معاً عنصرين اساسيّن من عناصر تكوين الهوية الفلسطينية في المنفى”.
 
“إن أمّتنا- يستعيد رامي قول والده- تواجه هموماً كثيرة، وواقعاً صعباً وتحديات كبيرة، وعليها أن ترتقي إلى مستوى القدرة على  جبهها، وعساها أولاً أن تعي إمكاناتها وقدر ذاتها، لا سيما أنها تخوض صراعاً لا ينفعه إلاّ سلاح العلم والوعي والإدراك”.