مقال جسور

رؤية ترامب: إسقاط حق العودة وإلغاء الأونروا

رؤية ترامب: إسقاط حق العودة وإلغاء الأونروا
*مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات

صَدَقَ من قال عن رؤية ترامب بأنها تُقدّم لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مبادرة للحل أسوأ مما هي موجودة في الواقع. هذه العبارة صحيحة تماماً، لأن المبادرات للحلول تكون في العادة متوازنة، أو تحاول أن تكون متوازنة، حتى لو كانت منحازة لطرف، من خلال تقديمها لكل طرف قسماً من مطالبه. أما هذه المبادرة فتتجاوز الحقائق التاريخيّة والقواعد والمرجعيّات الدوليّة، وتستبدلها بالوقائع التي أقامها الاحتلال، وبالأمن والمصلحة الإسرائيلية. فهي أعطت إسرائيل كل شيء، ولم تعط للفلسطينيين شيئاً.

 
حتى عندما يعتقد قارئها أنها أعطت بعض النقاط لصالح الفلسطينيين، مثل ما تضمنته من إقرار بإقامة دولة فلسطينية (ولمن لا يصدق هذا فليقرأ مقال بنيامين نتنياهو عن الصفقة)، سيجد أنها استرجعته باليد الأخرى، من خلال وضع أكثر من 30 شرطاً تجعل موافقة الفلسطينيين على هذه الدولة مستحيلة. وإذا سلّمنا جدلاً بأنهم وافقوا عليها، فإنها لن تقوم إلاّ بموافقة إسرائيل، وبعد نجاحها في امتحان هي من وضعت أسئلته، وهي التي تبت بنجاح أو رسوب الفلسطينيين فيه. وإذا قامت “الدولة” فلن تملك من مقوّمات الدول سوى الإسم، فهي ستكون بلا سيادة، ومقطّعة الأوصال، وتخترقها المستعمرات الإستيطانية والمناطق الأمنية والعسكرية، وتجعلها مثل الجبنة السويسرية، وحتى الأمن الداخلي سيكون تحت وصاية إسرائيلية، ومن حق القوات الإحتلالية دخولها وقتما وأينما تشاء، وسيكون هناك محطة إنذار مبكر واحدة على الأقل داخل أراضي “الدولة” العتيدة.
 
ورغم ذلك، ثمة معارضة من بعض الأوساط الإسرائيلية من داخل الحكومة وخارجها حول الدولة في الرؤية؛ ما دفع نتنياهو إلى تأجيل عرضها للإقرار على الحكومة، وهناك توجه بألاّ يُقرّ بند الدولة الفلسطينية. وقد علمتنا التجربة حتى أنها لو أُقرّت فلن تطبّق البنود التي تتحدث عن الدولة، لا سيما أن الإتفاقات العربية الإسرائيلية مهما كانت سيئة أو جيدة، تطبّقها الحكومات الإسرائيلية بشكل أسوأ مما ورد في النص بكثير، فالقوي على الأرض يُفسّر الإتفاق كما يناسبه.
 
وإذا انتقلنا إلى كيفية تناول الرؤية لقضية اللاجئين التي تعدّ أساس القضية الفلسطينية وجوهرها، سنجد العجب العجاب. فقد تجاوزت القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي يعاد إقرارها في كل عام من قبل الأمم المتحدة، وتجاهلتها، وخاصة القرار 194 الذي ينصّ على تعويض وعودة اللاجئين إلى الديار التي هُجِّروا منها.
 
لقد تضمّنت “صفقة ترامب نتنياهو” ستة أجزاء حول اللاجئين تشتمل على 18 خرقاً لحقوق اللاجئين وفقاً للقانون الدولي. فهي نصت على “مطلوب حل عادل ونزيه وواقعي للاجئين الفلسطينيين، وحل عاجل (لاحظوا كلمة عاجل) للاجئين اليهود، عبر آلية دولية مناسبة بشكل منفصل عن الإتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، يتضمّن تعويض إسرائيل عن تكلفة إستيعاب “اللاجئين” اليهود من الدول العربية، وتعويضهم عن الأملاك المفقودة”، متجاهلة أنهم ليسوا لاجئين، بل حرّضتهم الحركة الصهيونية وضغطت عليهم، لدرجة تنفيذ عمليات إرهابية ضدهم، لكي يعودوا إلى “أرض الميعاد”. وهذه نقطة جديدة تماماً، وأسوأ مما كان يطرح في العروض السابقة، التي كانت تريد أن يقترن تعويض اللاجئين الفلسطينيين بـ”اللاجئين” اليهود، وتعويض البلدان التي أقام فيها اللاجئون الفلسطينيون، وتعويض إسرائيل، بينما هذه الخطة تلتزم بتعويض إسرائيل و”اللاجئين” اليهود فقط.
 
وأكدت الصفقة أن على الاتفاق توفير نهاية كاملة لكل المطالبات، بما فيها المتعلقة باللاجئين أو وضع اللاجئين، أي وضع حد للصراع، مع أن الحقوق الفردية، مثل حق اللاجئ الفردي بالعودة لا تسقط بأي اتفاق، ولا بمرور الزمن، ولن يكون هناك حق عودة أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل، خلافاً لمختلف المبادرات السابقة التي تضمّنت عودة، ولو رمزية، ولو في إطار لمّ الشمل.
 
وتعدُّ الرؤية أن مقاربة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وتعريفها المتعدد الأجيال، عاظمت من مشكلة اللاجئين، وهذا التمهيد للمطالبة بحلها، وتغيير تعريف اللاجئ ليشمل فقط اللاجئين الذين ولدوا في فلسطين قبل النكبة، وهذا عدد لا يصل إلى عشرات من الآلاف ويتناقص بشكل دائم، إلى جانب أن الأشخاص الذين استمروا في أماكن دائمة لن يكونوا مؤهلين للاستقرار في مكان جديد، ويمكنهم الحصول على التعويضات كما هو وارد لاحقاً. أما التعويضات فأشارت إلى أنها “سوف تسعى لتعويض اللاجئين (أي سعي وليس التزاماً). وكذلك فإن الحديث عن 50 مليار دولار وفق ما هو وارد في الخطة الاقتصادية ليس للاجئين، وإنما لمشاريع مختلفة ولبلدان متعددة، وهو غير ملزم ومعلّق في الهواء، ويتضمن القليل من المنح، ومعظمها قروض بفوائد (أكثر من نصفها) سيتم السعي للحصول عليها، وسيتم وضع هذه الأموال في صندوق، الذي سوف يديره مؤتمنان تعيّنهما دولة فلسطين والولايات المتحدة، وسوف يدير المؤتمنان الصندوق بما ينسجم مع المبادىء التي يضعها المؤتمنان وتصادق عليها دولة فلسطين والولايات المتحدة”.
 
وتضيف: “إن معدل حركة اللاجئين من خارج غزّة والضفة الغربية إلى دولة فلسطين سوف يتم الإتفاق عليه من قبل الطرفين، وتنظيمه من خلال عوامل متعددة، منها القوة الاقتصادية والبنى المحفّزة والقدرة على الاستيعاب، على ألاّ يقلص معدل الدخول المساحات، ويجتاح تطوير البنى التحتية في دولة فلسطين، أو يزيد المخاطر الأمنية على دولة إسرائيل”. 
 
وتحدد الرؤية ثلاثة خيارات للذين يريدون مكاناً دائمًا للإقامة: الإستيعاب في دولة فلسطين وفق المحددات الواردة، وهي محددات تضع القرار بيد إسرائيل؛ الإستيعاب المحلي في البلد المضيف (أي التوطين)؛ قبول 5 آلاف لاجئ كل عام لعشر سنوات في الدول الإسلامية (وهذه نقطة جديدة تطرح لأول مرة، حيث كان يجري الحديث عن تهجيرهم إلى بلدان جديدة من دون تحديدها).
 
وتضمّنت الرؤية الإشارة إلى تشكيل لجنة للنظر في دخول اللاجئين من الدول التي عانت حروباً مثل سوريا ولبنان، إضافة إلى أنه عند توقيع الإتفاق، “فإن المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين سينتهي، وسيتم إنهاء الأونروا، وإزالة المخيمات وإقامة مساكن دائمة”.
 
إنها كما تلاحظون ليست خطة للحل، وإنما مصمّمة ليرفضها الفلسطينيون، لكي تواصل الولايات المتحدة وإسرائيل تطبيقها الذي بدأه ترامب بقرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والإعتراف بها كعاصمة موحّدة لإسرائيل. فالرؤية لا تستهدف التوصل إلى حل، وإنما إلى تصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، وهي مغرقة بالتطرف بما يساعد على إسقاطها، شريطة توفير مستلزمات ذلك من خلال بلورة رؤية شاملة جديدة، ووحدة وطنية، وإستراتيجية عمل مشتركة قادرة على إحباطها.