مقال جسور
شباب الفقر في لبنان: ماذا تقول الدراسات؟

* أستاذ العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية
أستعرض بسرعة هنا أبرز المواضيع التي طرحتها الدراسات في السنوات الأخيرة حول موضوع الشباب، وأبرز الملامح التي وردت فيها عن كل من مجموعات الفقر الثلاث، الفلسطينية واللبنانية والسورية. وأعتذر عن عدم تسمية هذه الدراسات لكثرتها ولضيق المجال.
شروط العيش
يعالج الكثير من الدراسات شروط عيش الشباب، لجهة مستوى المعيشة، وخط الفقر، وانخفاض فرص الإلتحاق والترك المدرسي، وارتفاع نسبة البطالة، وضعف الخدمات الصحية والاجتماعية وتردي شروط السكن، الخ. وتجمع هذه الدراسات على أن هناك عوائق قانونية في البلدان المضيفة تحد أو تمنع مشاركة شباب اللجوء في سوق العمل.
التقارير التي وضعتها الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية هي التي اهتمت بشروط العيش في تجمعات الفقر. والسبب أن هذه التقارير إما أنها ذات صفة توثيقية وإحصائية، أو أنها جزء من سياق وضع السياسات. أما الدراسات الأكاديمية فقليلاً ما عالجت هذه الزاوية، باعتبار أنه ليس من الحكمة البرهنة “العلمية” أن شباب مناطق الفقر هم فقراء، وركزت بصورة خاصة على اتجاهات الشباب.
فاعلون اجتماعيون
ثمة اعتراف متأخر في الدراسات بأن الشباب ليسوا مجرد فئة اجتماعية تابعة ولا هم جيل ينتظر أن يصبح بالغاً. أقول “اعتراف متأخر” لأن تعبير الجيل اكس (generation X) شاع في أوروبا وأميركا في النصف الثاني من القرن الماضي. أما الشباب في المنطقة العربية، فقد برزوا بعد 11 أيلول 2001، ثم مع انطلاق الربيع العربي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ثم مع الانخراط في مآسي النزاع المسلح في ليبيا والعراق واليمن وسوريا.
تطرح بعض الدراسات أفكاراً جدلية حول الموضوع. منها أن النيوليبرالية العالمية جعلت الشباب أكثر تسييساً أو أكثر بروزاً، لتحذر في الوقت نفسه من تحميل الشباب مسؤولية الربيع العربي ثم الشتاء العربي الذي تلاه، وكأن الشباب أصبح خطراً على الأمنين الإقليمي والعالمي. ومنها أن الشباب العربي أصبح يتشارك سردية الإقصاء والتهميش، وأن هناك تواصلاً بين سرديات الشباب المحلية والعالمية.
وتلفت دراسات أخرى النظر إلى نزعة قوية لدى شباب اليوم للمشاركة السياسية والمدنية، وبأنهم يعبرون بصورة أكبر عن رغبتهم بأن يكونوا حاضرين ومنظورين، أو أن يشاركوا بفعالية في صياغة برامج محلية وفي تنفيذها، أو ما يسمى بالريادة (entrepreneurship). وأن الشباب اليوم لديهم الإرادة والقدرة على التفكير الناقد وعلى المشاركة في صياغة الاستراتيجيات وتنفيذها.
وفي ظروف الفقر واللجوء تظهر النزعتان معاً، المشاركة في المآسي والمشاركة في المسؤولية الاجتماعية. كما تظهر طبعاً أشكال من الإحباط والانكفاء واللامبالاة.
بصمة الهوية ورهاب الغير
من بين المواضيع التي اجتذبت الباحثين موضوع الهوية، خاصة في تجمّعات اللاجئين. فبعد أن فقدت قاعدتها المكانية (الوطن الأصلي) تضخّمت الهوية رمزياً من جهة، وأصبحت هوية قلقة من جهة ثانية، مشروطة دوماً بالمقارنة مع الآخر، كأن هوية الآخر هي صورة معكوسة لهوية الذات.
يستعمل بعض الباحثين مصطلح وصمة أو ندبة (stigma)، لوصف مشاعر القلق المتطرف لدى اللاجئين تجاه المجتمعات المضيفة. كما يشيع استعمال تعبير “رهاب الغير” (xenophobia)، لوصف مشاعر القلق المتطرف لدى سكان المجتمعات المضيفة تجاه اللاجئين. وهما شعوران متبادلان متفاعلان سلباً وإيجاباً، متقلبان مع الزمن ومع التطورات الحاصلة في العلاقة بين الطرفين. لذلك تركز بعض الدراسات على المدى الذي وصلته هذه التطورات تحت عناوين ومصطلحات مثل: الهوية الذاتية الإيجابية، الشعور بالقدرة على تحديد المصير (self-determination)، التعديل (adjustment)، الهوية الثقافية، تجارب التحيز والأحكام المسبقة والتنمر، الصمود المرن (resilience)، العلاقة بين الذاكرة الجماعية والتاريخ وبناء الهوية. ويشمل ذلك سياقات اللجوء ومجتمعات ما بعد الحرب.
وتحت عنوان الهوية أدرجت بعض الدراسات موضوع الجندر، ولفتت إحداها إلى أن اللجوء أدى إلى إحداث كسور في الهوية الرجولية، وأنه جرى التعويض عن ذلك عند البعض عن طريق التدين. وهي تقول إن الذكور في مخيمات اللجوء الفلسطيني يعملون على إعادة بناء هويتهم من خلال الانخراط في الإسلام والمشاركة في موجات الهجرة الدولية لليد العاملة. وبالمثل ربطت الدراسات النفسية بين الإحباط والتدين، ولاحظت أن هذه العلاقة هي في أقصاها لدى مراهقي غزة، بينما هي أقل قوة بين مراهقي شباب جنوب لبنان في مناطق حرب العام 2006.
المواطنة
شكل موضوع المواطنة تحدياً للباحثين عندما تعلق الأمر باللاجئين. فطرح موضوع حقوق الإنسان متاح استناداً إلى شرعة حقوق الإنسان، لكن موضوع المواطنة يسبب التباساً. فمن جهة لا يسمح دستور البلد المضيف، ولا قوانينه بالتعامل مع اللاجئين كسائر الموطنين كاملي الحقوق، ومن جهة ثانية فهم أصبحوا خارج الدولة التي يفترض أنهم مواطنين فيها. وقد حلّت احدى الدراسات هذه الأحجية بأن طابقت بين الثقافة والسياسة باستعمال تعبير مثل “المواطنة الفلسطينية”، واتجهت أخرى إلى الحديث عن المجتمع المدني كإطار جامع للشباب، شباب اللجوء وشباب الاستقبال.
أما بالنسبة إلى الشباب اللبناني، فكانت المواطنة موضع اهتمام كبير من قبل الباحثين، وكانت النزعة طاغية فيها للبرهنة على قوة الإنتماء إلى العائلة والطائفة على حساب المواطنة. لكن قياس “المواطنة” كان إعتباطياً في كثير من الأحيان، ولم أجد أن هناك قاعدة واضحة يتم القياس على أساسها، ولا أن هناك تراكماً حصل من دراسة إلى أخرى في فهمنا للموضوع خلال السنوات الأخيرة.
الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون
ذا بحثتَ في المنشورات العالمية سوف تجد أن الموضوع الفلسطيني هو الأقوى حضوراً، وهو الأكثر “نضجاً” من الناحية النظرية. وإذا بحثت في التقارير الدولية والإقليمية التي وضعت في السنوات الأخيرة سوف تجد أن الموضوع السوري يحتل الواجهة. أما موضوع الشباب اللبناني في مناطق الفقر فستجده في تقارير محلية وضعت بإشراف منظمات دولية، أو تجده بصورة رسائل ماجستير وأطروحات جامعية، وبخاصة في الجامعة اللبنانية.
في الموضوع الفلسطيني، وبالإضافة إلى ما سبق، قيل إن الشباب يبحثون عن دور سياسي، وإنهم ناشطون مجتمعياً، يواجهون ليس فقط قضايا هويتهم إنما أيضاً قضايا السلطة في المخيمات، حيث تتداخل وتتضارب الأمور بين السلطة الرسمية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الفاعلة على الأرض وتجمّعات القوى السياسية التي تظهر من حين لآخر في المخيمات، وسلطة الدولة اللبنانية وسلطة الأهل. ومن اللافت إشارة احدى الدراسات إلى نزعة الشباب الفلسطيني إلى التعبير عن إرادة التغيير ونحو قدر من التفاؤل في مستقبلهم. وترفد ذلك دراسات عن الإنتاج الثقافي الفلسطيني في الشتات، التي تبرز سبلاً إضافية، غير سياسية، لتعزيز الهوية.
في الموضوع الفلسطيني، وبالإضافة إلى ما سبق، قيل إن الشباب يبحثون عن دور سياسي، وإنهم ناشطون مجتمعياً، يواجهون ليس فقط قضايا هويتهم إنما أيضاً قضايا السلطة في المخيمات، حيث تتداخل وتتضارب الأمور بين السلطة الرسمية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الفاعلة على الأرض وتجمّعات القوى السياسية التي تظهر من حين لآخر في المخيمات، وسلطة الدولة اللبنانية وسلطة الأهل. ومن اللافت إشارة احدى الدراسات إلى نزعة الشباب الفلسطيني إلى التعبير عن إرادة التغيير ونحو قدر من التفاؤل في مستقبلهم. وترفد ذلك دراسات عن الإنتاج الثقافي الفلسطيني في الشتات، التي تبرز سبلاً إضافية، غير سياسية، لتعزيز الهوية.
في الموضوع السوري، ركزت الدراسات على شروط العيش، أي فرص السكن والتعليم والصحة والعمل والتركيب السكاني. واستعملت تعابير سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والفقر والهشاشة (vulnerability) والريبة (uncertainty) وصدمات الحرب قبل النزوح. كما ركزت الدراسات على السياسات والبرامج والمشاريع التي أقرت أو نفذت مع هذه المجموعة، فضلاً طبعاً عن قضايا العودة إلى سوريا وشروطها.
أما بالنسبة إلى الشباب اللبناني فقد تم التركيز على قياس الفقر، وأهمية تضمين المبينات (indicators) الإجتماعية في احتساب مؤشر الفقر. هذا في التقارير. أما الدراسات الأكاديمية فقد جذب موضوع الإتجاهات السياسية للشباب عدداً منها، عموماً عن طريق الاستمارات، وعموماً مع خلاصة مكررة حول تمسك الشباب بهوياتهم الطائفية. واحدة فقط حللت سرديات الشباب تحت وطأة الصراع السياسي، وأخرى تناولت علاقتهم بالمكان. كذلك اهتمت بعض الدراسات بثقافة الفقر. وقد تضمن ذلك البحث عن أنماط العيش والتراث الشعبي والتلفزيون والتمسك بالتقاليد فضلاً عن عدد من شروط العيش كالزواج المبكر والعنف المنزلي والترك المدرسي المبكر والبطالة.
ومن بين كل الدراسات التي اطلعت عليها لم أجد واحدة قارنت بين المجموعات الثلاث.
أما بالنسبة إلى الشباب اللبناني فقد تم التركيز على قياس الفقر، وأهمية تضمين المبينات (indicators) الإجتماعية في احتساب مؤشر الفقر. هذا في التقارير. أما الدراسات الأكاديمية فقد جذب موضوع الإتجاهات السياسية للشباب عدداً منها، عموماً عن طريق الاستمارات، وعموماً مع خلاصة مكررة حول تمسك الشباب بهوياتهم الطائفية. واحدة فقط حللت سرديات الشباب تحت وطأة الصراع السياسي، وأخرى تناولت علاقتهم بالمكان. كذلك اهتمت بعض الدراسات بثقافة الفقر. وقد تضمن ذلك البحث عن أنماط العيش والتراث الشعبي والتلفزيون والتمسك بالتقاليد فضلاً عن عدد من شروط العيش كالزواج المبكر والعنف المنزلي والترك المدرسي المبكر والبطالة.
ومن بين كل الدراسات التي اطلعت عليها لم أجد واحدة قارنت بين المجموعات الثلاث.