مقال جسور

شباب مخيم نهر البارد.. أحلام تتلاشى كما دخان المقاهي

شباب مخيم نهر البارد.. أحلام تتلاشى كما دخان المقاهي

*ميسون جمال

يعتبر الشباب مورداً بشرياً لتقدم المجتمعات. والشباب متواجدون بكثافة في مخيم نهر البارد شمال لبنان، لكن التقدم شبه مفقود. ما عليك سوى التجوال في الشوارع أو دخول أحد المقاهي، ليبادر أحدهم بالحديث بصدق وعفوية عن معاناته. الحالة النفسية جعلت من أجسادهم الفتية تعاني الشيخوخة المبكرة.

السفر هاجس والبطالة وباء

“حاولت مراراً الهجرة بشتى الطرق، ودفعت مبلغاً لسمسار، ولكنني لم أفلح أبداً. تزوجت وطلقت في فترة زمنية قياسية وكان الضحية طفلاًـ جنينا عليه دونما سبب”، يقول(م.ن)، موضحاً ان “السبب الرئيسي للطلاق هو عدم قدرتي على دفع بدل إيجار المنزل، فأصبحنا في الشارع، فكان الحل هو الطلاق وعودة كل منا إلى أهله”.

أما مصعب منصور، فيروي حكايته: ” بسبب خضوعي لعمل جراحي في القدم توقفت عن الدارسة وأنا في الصف التاسع. لم أكمل بعدها لأنني رأيت أن أكثرية الشباب الخريجين لا يجدون أعمالاً، ففضلت ألا أكلف نفسي عناء الدراسة والسهر والتكاليف المادية. الآن عمري 19 سنة، ومنذ عام 2019 أساعد والدي في بسطة للقهوة في الشارع، فليس لدينا القدرة على استئجار محل، فكل ما نجنيه في اليوم بالكاد يكفينا للحاجات الأساسية وكذلك لإيجار المنزل”.

يضيف مصعب، أن “العمل في البسطة، ليس خياري الأفضل، ولكنه الخيار المتاح لعدم مقدرتي على إيجاد عمل آخر، هدفي تأمين قوت يومنا. أطمح للسفر كغيري ممن هاجروا إلى أوروبا، ولكن بطريقة شرعية، فلن أرمي بنفسي للموت في البحر أو الصحاري، ولن أترك الحسرة في قلب أهلي بسبي”.

يقول (ن.ن) الذي يحمل شهادة بكالوريوس في الهندسة المعمارية، وعمره 30 عاماً، “إذا عملت في اختصاصي وهذا نادر، فإن جهدي وتعبي يذهب لغيري، فأنا أرسم الخريطة وأصمم المباني، وفي النهاية يتم وضع اسم مهندس لبناني آخر عليها، فهل هذا عدل!”. يتابع: “عندما تزوجت كان الوضع الاقتصادي مختلفاً، فلم يكن الدولار محلقاً في العالي كما اليوم، وكنت قادراً على تأمين معيشتنا أما الآن فلا أستطيع أبدا”.

في الوقت الذي لن يجازف مصعب، فيه بالسفر عبر البحر، فإن (ن.ن) غير مبالٍ بالعواقب، ويؤكد: “أريد السفر ولو بطنجرة في البحر، أريد أن أؤمن مستقبل طفلاي، وأن أحقق لهما مستوى لائقاً في الحياة، فلا يكبران ويعانيان ما أعانيه لأنني لاجئ فلسطيني بلا حقوق انسانية في لبنان”.

أما عامر الحسن (26 عاماً)، فيشير إلى محاولته تأمين طريقة للسفر. ويقول”حاولت كثيراً تأمين المال اللازم للهجرة، لأساعد أهلي. فالأوضاع الاقتصادية صعبة جداً، وهي من أبرز التحديات التي تواجه الشباب في المخيمات إضافة إلى انتشار البطالة وإغلاق المخيم علينا من كل الاتجاهات”.

في المقابل، فشلت محاولة عامر إسماعيل (26 عاماً) في السفر. يقول: “درست إدارة الأعمال في معهد سبلين للتدريب المهني، والعلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، ولم أجد عملاً في اختصاصي مع أنني درست فرعين مختلفين. قبل عام هاجرت إلى أوروبا، وأُلقي القبض عليّ، وتمّ سجني في المجر لمدة 20 يوماً وإعادتي إلى لبنان، وعلى الرغم من ذلك لم أيأس وما زلت أبحث عن طريقة للهجرة خارج لبنان”.

البحث عن فرصة ما

في المقهى، يشتد النقاش الجماعي بين الشباب، بين رافض للهجرة غير الشرعية ومؤيد لها. إلا أن الجميع متفق على ضرورة تكافؤ الفرص وتأمينها. وهنا الفرصة تتمثل في العثور على عمل دائم داخل لبنان أو خارجه. يقول عامر الحسن: “درست اختصاص التكييف والتبريد في معهد سبلين وتخرجت عام 2016، ومنذ ذلك الوقت لم أجد عملاً باختصاصي في المخيم وخارجه، فأغلب المهن المطلوبة في المخيم تتمحور على إعادة إعمار مخيم نهر البارد من دهان وبلاط، وتربيط الحديد …الخ بعد أن كان أهم منطقة اقتصادية في الشمال”.

يؤكد (م.أ) أن “إيجاد عمل ليس أمراً سهلاً”، مضيفاً: “بحثت كثيراً، ولكني لم أجد، فالمخيم مغلق من كل الاتجاهات. لا حركة اقتصادية فيه ولا حياة كما السابق، لم أكمل تعليمي لأنني لم أحب المدرسة فتركتها وأنا في الصف السابع. تعاطيت المخدرات لفترة وتركتها بمساعدة أحد الأشخاص من المخيم”. يكمل مستهزئاً: “حققت إنجازات مهمة في حياتي منها الزواج والطلاق والإنجاب والفشل في إيجاد عمل وتعاطي المخدرات، كل ذلك وأنا لم أكمل 21 عاماً من عمري، حقًا أستحق أن أدخل موسوعة غينس للأرقام القياسية بالفشل. فالبطالة كانت سبباً كافياً لتوجهي نحو المخدرات، وكذلك لشعوري باليأس والإحباط. نعم لقد توجهت للمكان الخطأ وهناك مثلي كثيرين، وفي المقابل هناك أشخاص يجدون من يساعدهم وهم قلة، فالمخيم يفتقر إلى المؤسسات التي تُعنى بالشباب وتهتم بشؤونهم. يوجد في المخيم أندية رياضية لكرة القدم وكذلك لكمال الاجسام والكيك بوكسنغ، ولكن كل ذلك يحتاج إلى اشتراك شهري”.

يوافقه مصعب الرأي فيقول: “تؤدي البطالة إلى المخدرات والسرقة والنصب…الخ، وذلك بحسب ما أراه، وفي الغالب اليأس يدفع الشباب إلى هذا المنحى، أو أنهم قد تورطوا في الأمر من دون وعي”.

يقول عامر الحسن، ممازحاً مع شيء من القهر إن “البطالة في المخيم على عدد المقاهي، حيث يوجد في مخيم نهر البارد وحده حوالي مئة قهوة، والبطالة هي السبب الأساسي في الانحراف والتوجه نحو السرقة والمخدرات وغيرها، فكثير من شباب المخيم يرتادون المقاهي، ومن لا يملك ثمن فنجان القهوة والنرجيلة، تراهم في زوايا المخيم، والبعض الاخر ينتسب لأحد النوادي من كرة قدم، ورفع أثقال والألعاب القتالية”.

يتفق(ن.ن) مع عامر الحسن، مضيفاً “إن الأندية الرياضية تتبع للتنظيمات الفلسطينية، فالشباب الفلسطيني في المخيم فئة مهمشة، ويحتاجون إلى من يدعمهم معنوياً ومادياً عبر إنشاء مشاريع إنتاجية لهم، فلا يبقون عالة على المجتمع”.

يشير (م. أ) إلى أن “غالبية الشباب لا تجد مكاناً تذهب إليه لتمضية الوقت. مثلي مثل أكثرية شباب المخيم، نمضي أوقاتنا في الشوارع وفي المقاهي، لكنني شخصياً لا أستطيع ارتياد المقاهي بكثرة لأنني لا أملك ثمن فنجان القهوة، ولا حتى هاتفاً خليوياً”.

تحت الصفر ولا مستقبل

يبلغ اليأس عند عامر، حده:” لا أفكر بالزواج نهائياً، فإذا كنت لا أستطيع تأمين مستقبلي كيف سأستطيع تأمين مستقبل أولادي، أليس هذا ظلماً أن آتي بهم إلى واقع مجهول، عدا عن ظلم انسانة لا ذنب لها إلا أنها تزوجت من لاجئ بائس”. أما مصعب فيتساءل: “كيف أفكر في الزواج وأنا تحت الصفر؟ أعتقد أنني لن أتزوج في المنظور القريب أبدا”.

يرى (ن. ن) أن التحديات التي تواجه الشباب في المخيم وهي الغلاء، والبطالة والمخدرات وإغلاق المخيم، تضاف إلى التحديات التي تواجه جميع سكان لبنان من أزمة البنزين والانهيار الاقتصادي القاتل. فيما يرى عامر إسماعيل، أن “لا مستقبل لنا في لبنان، ولا أريد لأولادي أن يعيشوا نفس معاناتي، فالبطالة متفشية كالأوبئة، وخطرها داهم ومميت، فهي تورث المشاكل النفسية والطلاق والتوجه نحو الآفات الاجتماعية كالسرقة والمخدرات. نظرة سريعة على الشوارع تجدينها ممتلئة بالشباب الذين لا أعمال لهم. فالشباب يريدون الحصول على دخل مادي وليس فقط ممارسة الرياضة للتسلية”.

يُجمع جميع الشباب أن العلاقة مع الجوار اللبناني بما فيها الشباب قد تزعزعت في فترة ما بعد معارك مخيم البارد، ولكنها عادت كما في السابق. فالمخيم يرتبط مع الجوار بعلاقات مصاهرة، وصداقة، وزمالة، وعمل. ويشير أحد الشباب، إلى أن حالة الشباب اللبناني لا سيما في طرابلس أصبحت مشابهة لمثيله الفلسطيني.

*صحافية فلسطينية من “تفاعل”