مقال جسور
صلاح الدباغ: آخر المغادرين من يافا

* كاتب وباحث في الشوؤن الفلسطينية
كان في الثانية عشرة حين غادر مع عائلته في آخر مركب أبحر من يافا مخلّفًا وراءه ميناء المدينة، وهبطت العائلة في بيروت مدينة والدته وداد المحمصاني، لتبدأ رحلة المواجهة مع الحياة الجديدة في الغربة. لكن لبنان لم يكن له منفى بل وطنًا، فتزوج إحدى فتياته اللامعات، سلمى النجار (شقيقتها ليلى شرف عضو مجلس الأعيان في الأردن)، وحاز الدكتوراه في الحقوق من جامعة القديس يوسف في سنة 1961، بعد أن نال الماجستير في الاقتصاد من الجامعة اللبنانية في سنة 1959، وشهادة الحقوق الفرنسية من الجامعة اللبنانية أيضًا في سنة 1958. وبعد أن جمع هذه الشهادات كلها، عمل في التدريس الجامعي، فكان أستاذًا للاقتصاد والقانون في الجامعة الأميركية، وللقانون في الجامعة اللبنانية.
مثل والده مصطفى مراد الدباغ صاحب موسوعة “بلادنا فلسطين” التي كتب فصولها في يافا وفقدها في البحر فأعاد كتابتها في بيروت، ظلّ صلاح الدباغ منخرطًا في الشأن الفلسطيني، على الرغم من انهماكه في المحاماة والتدريس وتأسيس حياته الفرديّة. وقد انضم إلى حركة القوميين العرب في أثناء دراسته وترؤسه جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأميركية، ثم اختير مديرًا عامًا للدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فور تأسيسها في عام 1964، وانتخب رئيسًا لمجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني في سنة 1980، وكان عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني، لكنه قدّم استقالته بعد توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 إحتجاجًا على تصديق المجلس الوطني ذلك الإتفاق. وأصبح، لاحقًا، رئيسًا للمنتدى القومي العربي في عام 2016 خلفًا للدكتور محمد المجذوب، وهو عضو في المؤتمر القومي العربي منذ عام 1992.
كان مستشارًا لنا جميعًا، لا في القانون فحسب، بل في أمور كثيرة، لخبرته ورجاحة عقله وسداد رأيه. وقد جمعتنا في سنة 2016 لجنة قوامها الدكتورة بيان نويهض الحوت ونادر أبو الجبين والطيب أحمد صدقي الدجاني وأنا، وكانت الغاية إصدار كتاب تكريمي لشفيق الحوت. وكلفني الجميع، بناء على اقتراحه، الاشراف على إصدار الكتاب الذي صدر بالفعل في سنة 2017.
ولد صلاح الدين الدباغ في يافا في عام 1936، ودرس في المدرسة العمرية في يافا، وفي كلية النجاح في نابلس. أنهى دراسته الثانويّة في المدرسة الاستعداديّة في بيروت IC، والتحق بالجامعة الأميركية ونال البكالوريوس في الإقتصاد عام 1965، ثم الماجستير عام 1959. سافر إلى الولايات المتحدة لدراسة القانون فحاز الماجستير من جامعة دالاس، ثم الدكتوراه من الجامعة اليسوعية في بيروت سنة 1961. أسس مكتبًا خاصًا للمحاماة في سنة 1967. وله مجموعة من المؤلفات، علاوة عن الترجمات، أبرزها:
• السيادة العربية على خليج العقبة ومضيق تيران (1967).
• الاتحاد السوفياتي وقضية فلسطين (1968).
• الاصلاح الزراعي في الجمهورية العربية المتحدة (أطروحته للدكتوراه).
• دراسات في الدولة الاتحادية (ترجمة – 1965).
• مدخل إلى فلسفة القانون (ترجمة – 1967).
• الدخل والعمالة والنمو الاقتصادي (ترجمة – 1968).
• الاتحاد السوفياتي وقضية فلسطين (1968).
• الاصلاح الزراعي في الجمهورية العربية المتحدة (أطروحته للدكتوراه).
• دراسات في الدولة الاتحادية (ترجمة – 1965).
• مدخل إلى فلسفة القانون (ترجمة – 1967).
• الدخل والعمالة والنمو الاقتصادي (ترجمة – 1968).
توفي صلاح الدين الدباغ في 8/1/2020، فكأن السماء في لبنان وفلسطين بحاجة بعدُ إلى مزيد من الكآبة. ها هم أَعلام مرحلة ممتدة في الزمن، أصدقاء صلاح الدباغ، يتناثرون كأوراق الزهر ولا يخلّفون إلا الوحشة، أمثال شفيق الحوت وكلوفيس مقصود ورفعت النمر وأبو ماهر اليماني ومحمد المجذوب وغيرهم كثر. وغياب صلاح الدباغ زاد على الوحشة عتمة.