مقال جسور

عدوان الضمّ… والديبلوماسيّة اللبنانيّة!

عدوان الضمّ… والديبلوماسيّة اللبنانيّة!
* خبير في السياسات العامة وقضايا اللاجئين

لم ترتح فلسطين من الإعتداءات المتتالية منذ العام 1948. الأمم المتحدة خذلتها حتى الساعة في إنفاذ قرارات إستعادة الحقوق ذات الصِّلة، عنينا قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين. جامعة الدول العربية أجهضت إسرائيل مبادرتها للسلام، وفيها لاقت الأمم المتحدة، فكان تلاقح إقليمي – دولي على إحياء بعض، ولو قليل، من العدل المستباح. إسرائيل لم توقف صَلَفَها وعنصريتها. لم تكتفِ بإعلانها دولة يهودية – ثيوقراطية خارج السياق القانوني – الدولي، ولم تكتفِ بإنجاز تدريجي لترانسفير تهجيري للفلسطينيين، بل هي تنتقل اليوم وفي موازاة الإستيطان الخبيث مرفوداً بجدار فصل مقيت، لتضمّ احتلالاً لأجزاء من الضفة الغربية في مرحلة تتسم بشدّة التعقيد والإرتباك متكئة على “صفقة القرن”، في حين أن العالم كله يدين هذه الأخيرة أقله على مستوى الرفض المبدئي، أو الريبة. حتى الرأي العام الأميركي مع ذاك الأوروبي، باتا مستنفرين للبحث في تفادي منزلقات كارثيّة ستنهي إمكانيّة أيّ تسالم مستقبلي، ولو من باب مجرّد التفكير حتى، والذي يسلكه بعض من لا يزال يراهن على خرق ما. الصراع مع إسرائيل صراع وجود، وليس صراع حدود. هنا بيت القصيد. 

 
عدوان الضم الذي هو امتداد تاريخي للذهنية الإسرائيلية المستبيحة للأرض والإنسان في فلسطين، إستثارت غضباً عربيّاً ودوليّاً، مدنيّاً ودينيّاً. الغضب المغلّف بمواقف إعلاميّة لا يكفي، وبات في عُرف الوجدان الإنساني والمنطق السياسي من قبيل عِدّة الشغل التقليديّة. الثبات على هذه المواقف بأبعادها القانونية والسياسيّة والأخلاقيّة، مؤسِّس في بناء ديبلوماسيّة عامة تفاعليّة تتلاقى ومقاومة مدنيّة فاعلة من ناحية، وتحتضنها القوى المجتمعيّة الحيّة، بما فيها تلك ذات الإمتداد في السلطة من ناحية أخرى. من هنا موجب إطلاق مساحة نضال منظمة فلسطينيّة – لبنانيّة على كل المستويات التشبيكيّة والتواصليّة المدنيّة، لكن أيضاً على المستوى الأممي، حيث سُمّي لبنان نائباً لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تحتفل هذا العام بالذكرى الـ 75 لتأسيسها. 
 
فلسطين تعايش من 72 عاماً نكبتها. الأمم المتحدة تكبرها بأعوام ثلاثة. منذ ولادتها واجهت الأمم المتحدة، وهي طريّة العود النكبة. حينها كان العالم لا يزال يعاني ارتدادات الحرب العالميّة الثانية المدمّرة، مع إمتداداتها الحرب الباردة. الكولونياليّة أصابتنا بمقتلة. لم يفهم العقل الغربي أن الصهيونيّة العالميّة لاذت بمقاربة تلموديّة اسكاتولوجيّة، وألبستها قناع أحقيّة اغتصاب أرض واغتيال شعب، قناعاً مجرماً. العقل الغربي الذي كان حينها أكلته عُقدة أوشفيتز. سَمَح بنحر فلسطين وإنسانها في فعل ظلامي ظالم. كانت الخطيئة الكبرى. 
 
بعد 72 عاماً لم تتوقف الخطيئة عن التفرّج على خطايا كيانيّة، وآخرها الضم. وبعد 75 عاماً، الأمم المتحدة معنيّة بصحوة ضمير غير تقليديّة. أبعد من الموقف. أبعد من الإستنكار. أبعد من مراكمة مبادرات ميّتة. أبعد من الإنتماء لاختلال ميزان القوى. أبعد من الإنصياع لفيتوات من هنا وممانعات وهميّة من هناك. صحوة ضمير تنتمي إلى ديبلوماسيّة الفعل بدل ردِّ الفعل. ديبلوماسيّة تبني تحالفات عابرة للتحالفات المركنتيليّة. هنا، لهيئات المجتمع المدني، والمنظمات الدينيّة، والقوى الاقتصاديّة، والحيويّة الاعلاميّة، الدور الأكبر في تنقية العقل المكيافيللي من إصرارات قتل فلسطين وإنسانها، ليتحوّل هذا العقل إلى قدرة على المحاسبة في مسار إحقاق العدالة. 
 
الديبلوماسيّة اللبنانيّة هنا، على الصعوبات التي تعانيها، قادرة ومن موقعها في نيابة رئاسة الجمعية العامة أن تدير محركات عملها، في موازاة حملها الهمّ اللبناني المأساوي هذه المرحلة، محركات الإنتقال من كون الأمم المتحدة مجموعة إغاثيّة أو إنمائيّة لتعيد وتطرح على طاولة البحث الجدي، دور هذه المؤسسة الأممية في معالجة مسبِّبات الأزمات بدل الإستنقاع في ترميم أعراضها البنيويّة أو الجانبيّة على حد سواء. هنا بيت القصيد أيضاً. 
 
معالجة مسبّبات أزمة فلسطين يستقيم حيث يبدأ الضرب بيد من حديد بالعدالة الدوليّة، وتكوين فريق قانوني عربي – دولي، هو الأساس في هذا السياق، فهل من يسمع؟