يصادف هذا العام الذكرى الثالثة والسبعين للاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وتشتيت شعبها بين الأراضي المحتلة عام 1948 ودول الجوار، و أبعد منها في دول الشتات. مع تواتر الأيام تضيق على اللاجئين، أحلام العودة إلى وطنهم، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، كما تضيق عليهم ازمات الدول المضيفة التي تنعكس مضاعفة على واقعهم المعيشي والقانوني. “جسور” حاورت من جيل النكبة التي تحولت ذاكرة مشتركة لكل من عايشها من أبناء وسكان فلسطين عام 1948، فلسطينياً ولبنانياً أُخرجا من تلك البلاد، ومعهما ذكرياتهما ومتاعهما والكثير من الاحلام والصور المتخيلة. وتنقل معربة رواية لشاب فلسطيني اميركي زار فلسطين ليستعيد ذكريات والده عن منزل لم يعد موجوداً..
النكبة بعيون الشتات – طارق (34 عاما): الحنين إلى منزل لن أعرفه أبداً
رأيت والدي فقط يبكي مرتين. الأولى عندما كنت في الثامنة من عمري، وكان يقود بنا السيارة إلى بوسطن في عطلة الميلاد عام 1995 .كان يستمع إلى فيروز؛ بدا صوتها الجميل الهادىء في غير محله، ونحن نقطع أميالاً متماثلة من الطريق السريع الجليدي المتصدع في نيو إنغلاند تحيط به اشجار من صقيع رمادي اللون. غنى والدي مع فيروز حتى انكسر صوته وارتعش كتفاه. “بابا، لماذا تبكي؟- سألته- إنها مجرد اغنية!” لا أتذكر ما قاله.
المرة الثانية بعد عدة سنوات عام 2008. جلس والدي على حافة سريره في شقتنا القديمة الضيقة في مدينة نيويورك، يمسك بجهاز التحكم عن بعد الخاص بالتلفزيون ويحدق في الشاشة بوجه متجهم. كانت إسرائيل قد شنت في حينه عملية “الرصاص المصبوب” التي ستدمر قطاع غزة. على الشاشة صور لأكوام الجثث وانقاض المنازل المدمرة وانفجارات القصف، ومشاهد لم يكن يسمح لي والداي حتى بمشاهدتها في الأفلام.
وقف والدي. واقترب من شاشة التلفزيون كما لو كانت نافذة يمكن أن يفتحها ويتسلقها. لكن كل ما فعله هو الإمساك بهاتف المنزل ومحاولة الاتصال بشقيقته راوية التي تعيش في مدينة غزة لمعرفة ما إذا كانت بخير. أتذكر جيداً ما قاله لي تلك الليلة. أشار إلى شاشة التلفزيون الصغيرة، وبنفس الصوت المرتعش الذي سمعته في السيارة قبل سنوات، قال: “هذا كان منزلنا، يا ولدي.”
حتى ذلك الحين، لم أفكر كثيراً في معنى “الوطن”، وكنت نادراً ما أضطر إلى ايضاح خلفيتي. وكنت كلما سألني احدهم من أين أتيت، أذكر اسم المكان الذي غادرناه للتو. ولكن بعد مشاهدة الدمار الذي لحق بمنزل والدي على شاشة التلفزيون ورؤية أنقاض منزل عمتي راوية، بدأت اربط “المنزل” بمكان لم أعش فيه من قبل – وهو شعور أدركت لاحقًا أنني أتشاركه مع ملايين الآخرين المنتشرين في الشتات الفلسطيني.
ولدت في مدينة نيويورك، وعلى الرغم من أنني أمضيت سنوات في عدة بلدان في الشرق الأوسط، إلا أنني أمضيت أشهر قصيرة فقط في غزة وكنت أصغر من أن أتذكرها. لقد نشأت وأنا أستمع إلى قصص والدي عما كان عليه الحال في “الوطن”- عن أشجار البرتقال والزيتون، والأولاد بائعي التمر على الشاطئ، وبالطبع عن الحرب والاحتلال. على الرغم من بعدي الجسدي عن غزة، فقد احتلت وجوداً شبه يومي في حياتي، لكن الغزو الإسرائيلي عام 2008 هو الذي جعلني مدركاً للقوى التي تحاول بقوة محو تراثي، وإن كان بعيداً جداً وغير مألوف.
منذ ذلك الحين، بدأت أسمي نفسي فلسطينياً. قمت بترجمة كلمات الأغاني لاستعيدها بلغتي العربية المكسرة. وقرأت كل كتاب تاريخ امكنني الحصول عليه عن فلسطين، وانخرطت بعمق في الدفاع عن القضية الفلسطينية. تبنيت النضال المستمر منذ عقود من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني الأساسية، وحقه في تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. لكنني وقبل كل شيء، اصبحت أتوق إلى “العودة” إلى منزل بعيد المنال سمعت عنه كثيراً على مر السنين.
اليوم، أنا الشخص الذي قد يبكي بعد سماع بضعة أسطر من شعر محمود درويش أو توفيق زياد. لكن كيف يمكن لكلماتهم، الحميمة جداً في مطالبتهم بالأرض والأرواح المفقودة، أن تلقى صداها معي – كشخص كانت علاقته الوحيدة بفلسطين من خلال القصص التي قيلت له؟
الحنين إلى الماضي، أو محاولة تجميل وقت مضى، مبرر وحقيقي، ولكنه غالباً ما يكون ملوّناً بالذكريات الجميلة الإيجابية وتصفية العقل الباطن من اللحظات المظلمة. تخيلاتنا، غير الراضية أبداً عن الواقع الحالي، تمدنا بذكريات خاطئة عما كان الواقع؛ وغالباً ما نجعل الماضي يبدو أكبر من الحياة وأفضل، وربما مرادفاً إلى حد ما لمستقبل مثالي. فكيف يمكن للمرء أن يتوق إلى الماضي الذي لم يختبره من قبل؟ ربما يكون هذا “الحنين المتخيل” شائعًا لدى كل اصحاب الهويات المزدوجة، ونتاجاً حتمياً للثقافات المتنافسة في تشكيل الهوية.
يصبح تفانينا في هويتنا دفاعياً عندما يواجهه أولئك الذين يحاولون بكل قوة محونا من خلال الإدعاء بأن “الفلسطينيين غير موجودين”. وهو القول الذي اصبح صرخة الدفاع عن الدولة الاستيطانية الاستعمارية التي يعتمد وجودها ذاته على استبعادنا ومحونا. بالنسبة للبعض، تكون الاستجابة هي مضاعفة التمسك بهوياتنا على الرغم من البعد، وملء الفراغات حيث نحتاج إلى ذلك. قد يبدو الأمر كما لو أننا ملتزمون بحماس بالانخراط في صراع سياسي وجودي نيابة عن مجتمع ننتمي إليه من الناحية المفاهيمية، لكنه أمر بعيد المنال وربما إلى حد ما خيالي. نحن نتبنى عن طيب خاطر الأحاسيس والتوقعات التي انتقلت إلينا.
كيف نقرر أين ننمي جذورنا؟ اليوم، كبر عدد الشتات الفلسطيني إلى أكثر من 7 ملايين، بما في ذلك أحفاد أولئك الذين أجبروا على ترك منازلهم عام 1948 خلال النكبة وكُثرمن أمثالي، الذين كانت عائلاتهم محظوظة إلى حد ما، ليقرروا الرحيل وإقامة حياة بعيدة عن الاحتلال. على الرغم من أننا نتباعد في المسافات والحيوات، إلا أننا نشترك في تصميم مشترك على العودة، تعزِّزه القوى المعاكسة التي تدفعنا بعيداً. العديد منا ممنوع من زيارة فلسطين من قبل السلطات الإسرائيلية التي تصنفنا بالتهديدات الأمنية والديموغرافية.
زرت فلسطين عام 2016. كانت هذه المرة الأولى لي، ولم أكن أعرف ما الذي أتوقعه عندما حاولت العبور إلى الضفة الغربية عبر جسر الملك حسين في الأردن. حذفت جميع حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحيت أي دليل على نشاطي، وكل ما يمكن أن يشكل ذريعة لحرس الحدود الإسرائيلي لإبعادي. تركت كتبي العربية في شقة ابن عمي في عمّان، وحلقت لحيتي، وارتديت قميص جامعة روتجرز الأحمر الزاهي، وكل ذلك كجزء من خطتي للعب دور طالب جامعي أميركي عادي. استقليت سيارة أجرة إلى المعبر في الساعة السابعة صباحاً لمحاولة تجنب الزحمة، لكن بدا أن الجميع كان لديهم نفس الفكرة.
رواق عبور الحدود كأنه نقطة جذب. حراس مدججون بالسلاح، بعضهم بزي عسكري أخضر وبعض بملابس مدنية، يقفون في الظل، يدخنون السجائر ويراقبون كل من يخرج من الحافلات يدفعون بهم إلى ما يشبه حظيرة طائرات متداعية.
“الشوا؟” قال ساخراً حارس الحدود الإسرائيلي وهو ينظر في جواز سفري الأميركي. “أنت عربي؟”
أجبته: “أنا أميركي فلسطيني”.
قال، مشيراً إلى طابور طويل يؤدي إلى باب معدني ثقيل: “اذن اذهب إلى هناك”.
تم استجوابي لساعات وتفتيشي مرتين وأجبروني على إخراج حقيبتي وإعادة تغليفها بينما كان جندي، لا يبدو أكبر مني سناً، يفتش كل قطعة من الملابس وفي كل جيب وكل ركن. بحلول غروب الشمس، كنت واثقاً من أن السلطات الإسرائيلية تعرف الآن عني وعائلتي أكثر مما أعرف. كل ذلك ليقول لي بعدها ضابط بالزي الرسمي “لن نسمح لك بالمرور اليوم”، بعد أن سألني اين سأسكن، وما هي خططي في إسرائيل، وما إذا كنت أنا أوعائلتي على اتصال بأعضاء من حماس.
“لما لا؟- سألت- أنا هنا منذ الصباح ولن تسمح لي بالدخول لأنني فلسطيني؟”
أجاب:”الحدود مغلقة”
كنت سعيدا لأنني لم أحذف رقم سائق التاكسي. لم يتفاجأ عندما اتصلت. حتى أنه وافق على إعادتي في الصباح التالي لمحاولة العبور مرة أخرى، وبعد يوم آخر مماثل تقريباً من الاستجوابات الفارغة، كنت محظوظًا بما يكفي للعبور.
بينما آمل أن أعود إلى فلسطين، هناك آلاف الفلسطينيين الذين هم في سني بحاجة ماسة إلى المغادرة. ففي غزة، جعل تفاقم معدلات الفقر، والتهديد المستمر بالحرب، والحصار الإسرائيلي الذي لن ينتهي على ما يبدو، جعل الحياة لا تطاق للشباب الفلسطينيين. لماذا، مع كل ما لدي من امتيازات، أريد أن أذهب إلى حيث لا يمكنهم المغادرة مهما حاولوا بجد؟
بالنسبة للكثيرين منا، فإن “فلسطين” التي تعلقنا بها ليست في انتظارنا. مثلما لا يزال بعض اللاجئين الفلسطينيين يتشبثون بالمفاتيح الثقيلة والصدئة للمنازل التي طُردوا منها عام 1948 على أمل العودة يوماً ما والعثور على الحياة كما تركوها، فإننا جميعاً نتمسك بفكرة وهمية تماماً اليوم. رؤية ليست مبنية على الواقع بل على القصص الموروثة إلينا وعلى نضال سياسي موحد شكّل وجهات نظرنا. الحقيقة هي، أن ما نأمل أن ينتظرنا، وراء الجنود المدججين بالسلاح الذين قد يعيدوننا عند الحدود أو من المطار من غير سبب، قد لا يكون موجوداً.
لكن كما لو أننا شبه مستعدين لخيبة الأمل، لكن ممنوع علينا فعلياً الوقوع فيها، فإننا مرغمون على النزوح وقطع التواصل. هل أنا أميركي فلسطيني أم أميركي فقط؟ هل يمكنني الإدعاء بأنني فلسطيني إذا لم أعش هناك لمدة كافية لأسميه “الوطن”؟ هل يمكنني المطالبة بذلك إذا لم أشارك شخصياً صراعات الحياة اليومية تحت الاحتلال، والتي تلخص الكثير مما يعنيه أن تكون فلسطينيًا؟ قد نكون مجبرين على اختيار هوية موحدة والالتزام بها، لكننا لن نكون قادرين دائماً على الانغماس الكامل في أي من هوياتنا، مستبعَدين من أن نكون فلسطينيين تماماً بانفصالنا المادي عن فلسطين، ولكننا نلاحق هويتها بشكل يائس.
أين نذهب ؟ وماذا نريد؟ نريد أن نكون قادرين على رؤية “المنزل” الذي سمعنا عنه كثيراً حتى نتمكن أخيراً من تبرير تصوراتنا الخاصة. ولكن الأهم من ذلك، أن حنيننا وإن كان قد أسس لتشكيل تطلعاتنا الشخصية، فالأهم أنه يمنحنا إحساساً بالهدف. آمل أنه من خلال مشاركة حنيننا المتبادل، المتخيل أو غير ذلك، يمكننا توحيد مجتمع الشتات لدينا في جهودنا لإنهاء الاحتلال وإيجاد حل للمسألة الفلسطينية. ربما في يوم من الأيام، سيستطيع والدي أن يريني منزله الذي لن يعد مختبئًا خلف جدران الاحتلال وضباب مخيلتي.
* طارق كيني شاوا ( شوّا) باحث في الشؤون الدولية في جامعة كولومبيا . مقتطف من مقالته المنشورة في 4 ايار 2021 في مجلة Newlines Magazine لمعهد نيولاينز للاستراتيجيات والسياسة-واشنطن
https://newlinesmag.com/first-person/remembering-a-palestine-no-longer-there
النكبة بعيون فلسطينية – محمد (81 عاماً) :
3 – 4 أسابيع فالعودة قريبة… قال والدي
قبل 73 عاما، استقل ابن الاعوام التسعة مع والده ووالدته واشقائه السبعة (خمس بنات وصبيان) بوسطة تضيق بالكثير من الركاب الجالسين والواقفين. يختلط الحشد بصراخ الصغار وبكاء النساء اللواتي حزمن بعض الأمتعة على عجل. أغلقن ابواب بيوتهن بالمفاتيح وغادرن. فالعودة قريبة قال الرجال. و”صدقنا ذلك جميعاً”. يقول محمد عبد الله ابراهيم.
من اجزم على بعد 28 كلم من حيفا، استقلت عائلة محمد (مواليد 1939) يوم 24 تموز 1948 البوسطة الى جنوب لبنان. سمع محمد والده يتحدث مع والدته عن ضرورة الخروج نتيجة حالة الخوف بين الفلسطينيين بعد فظاعة المجازر التي ارتكبتها قوات اليشوب اليهودية في الكثير من القرى الفلسطينية ومنها مجزرة دير ياسين.
كان والد محمد تاجر ألبان واجبان وحبوب، وكان يرافقه في ترداده الدائم على القرى والبلدات اللبنانية القريبة من الحدود والى اسواق بلدتي بنت جبيل وجويا خاصة لشراء البضائع من هناك ليبيعها في اجزم. “كان لوالدي علاقات قوية مع عائلات لبنانية. وحين احتل الاسرائيليون القرية وقرر والدي الرحيل- يروي محمد الذي يعيش في مخيم البص- قال لامي سنذهب الى لبنان، وعندما يستقر الوضع في فلسطين نعود. وتحدث عن فترة ثلاثة إلى أربعة أسابيع على الأكثر. وصدقنا ذلك جميعاً”.
في اليوم التالي ذهبنا الى حيفا واستقلينا بوسطة الى بلدة جويا، وكانت عائلات فلسطينية عدة اخرى قد وصلت قبلنا. في جويا كان لوالدي صديق من ال فواز اقمنا بضيافته مدة اسبوع ذهب بعدها والدي الى صور حيث وجد ابن عمه الذي لجأ الى منطقة البص وعائلات فلسطينيية اخرى، وكان الصليب الاحمر الدولي يقدم لهم مساعدات إغاثية. فانتقلنا الى تجمع “حواسة” بالقرب من مخيم البص وكانت تسكنه عائلات ارمنية. استأجر والدي غرفة ومطبخ وحمام من عائلة ارمنية، واصبح يعمل بائع لبن وجبنة متجولا على حمار قبل ان يفتح له دكانا في المخيم. عندما فتحت وكالة الاونروا المدارس لتعليم اولاد اللاجئين الفلسطينين- يضيف محمد- اكملت دراستي وعملت في الاونروا وتزوجت وانجبت اولاداً ولي احفاد. أخبرتهم عن فلسطين، وعن النكبة، وعن العودة. وما زلت اسكن في مخيم البص وانتظر العودة الى بلدتي اجزم في فلسطين كما انتظر والدي الذي توفي هنا ودفن هنا في تجمع المعشوق. “
…وبعيون لبنانية – ابو رشاد (81 عاما):
ازدهرت صور مع مجيء اللاجئين
في مخيم البص أول المخيمات التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين كونه كان سابقا مخيما لايواء اللاجئين الارمن، يسكن اللبناني سهيل محمد طه قدادو (مواليد صور العام 1938).
كان له من العمر عشر سنوات حين كان في تموز العام 1948 في حيفا هو ووالدته يزوران شقيقيه اللذين كانا يملكان صالونا للحلاقة في منطقة الجربة. انتشر خبر دخول عصابات الهاغانا وارتكابها المجازر في دير ياسين وكفر قاسم وغيرها من المناطق الفلسطينية. بدأ القصف على مدينة حيفا فاضطر ووالدته وشقيقيه للخروج منها في مركب الى مدينة عكا، ومن هناك استأجروا سيارة نقلتهم الى مدينة صور.بعد ذلك- يذكر ابو رشاد – بدأت المراكب تأتي الى ميناء صور محملة باللاجئين الفلسطنيين حيث استضافهم اهلها في منازلهم.
كان والد سهيل آمر فصلية قوى الامن الداخلي في مدينة صور، يقيم فيها مع عائلته المكونة من زوجته وثلاث صبيان وثلاثة بنات وكان هو صغير العائلة. “كانت كل عائلة لبنانية تستضيف عائلة اوعائلتين من اللاجئين الفلسطينيين. يسكنون في نفس المنزل ويتقاسمون الطعام – يقول ابو رشاد. ويذكر ان أسرته استضافت على التوالي عائلتين من أل الخطيب وآل اسماعيل لمدة ستة اشهر لكل منهما قبل أن تنتقلا الى بيروت وشمال لبنان.
يقول سهيل ان اللاجئين الفلسطينيين اختاروا البقاء في مناطق لبنانية حدودية قريبة من قراهم في فلسطين. و كانوا يعتقدون أن العودة قريبة إلى ديارهم.
وكانت تربط العديد منهم باللبنانيين علاقات اجتماعية واسرية واقتصادية. كان لبنانيو الجنوب يعملون في التجارة عبر الحدود، أو في قطاع الزراعة في منطقة الجليل. بعد استقرار اللاجئين الفلسطينين في صور وضواحيها- يذكر ابو رشاد- ازدهرت المدينة والضواحي فقد كان بعض اللاجئين يملكون المال، ولاسيما في البنك العربي والبنك البريطاني. منهم من اشترى منازل ومحلات، ومنهم من عمل في التجارة والبناء، وكان لديهم خبرة في زراعة الحمضيات والموز وقاموا بخلط التراب بالرمل لان التربة هنا كانت قاسية وبالتالي حسَّنوا من زراعة اراضي الساحل الجنوبي بالحمضيات والموز. في رأي ابو رشاد أنه بالرغم من كل المؤمرات على الشعب الفلسطيني منذ ثلاثة وسبعين سنة لم ينجح احد بطمس هويتهم الوطنية، ولا محو حقهم التاريخي في العودة إلى ديارهم وارضهم.