مقال جسور
فلسطينيو لبنان ووكالة الأونروا: تحديات التراجع والانهيار

* باحث فلسطيني
خلال عام 2020، وقبل ذلك، كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين، وما زالت، موضع استهداف واضح من قبل الثنائي الاميركي الاسرائيلي، اللذين اعتبرا حلها، وفقا لرؤيتهما، احد مداخل حل الصراع في المنطقة في اطار التطبيقات الميدانية لما سمي “صفقة القرن”. وبهدف إفراغ هذه القضية من مضمونها، عبر إسقاط صفة اللجوء عن ملايين اللاجئين، عمل هذا الثنائي على المس بتفويض وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تارة عبر اتهامها بالفساد والارهاب، وطوراً عبر تحريض الدول المانحة على عدم تمويلها. واعتبر مصيرها، بالنسبة للاسرائيليين وللادارة الاميركية الآفلة، أمراً محورياً لدرجة اعتبار مسؤول اسرائيلي “أن تصفية الوكالة يوازي في الأهمية قضية الاعتراف الاميركي بالقدس”.
ولهذا السبب وغيره، كان الدفاع عن وكالة الغوث، وصون وجودها، ودوام تمويلها، هو المفتاح الذي صان مؤقتاً، قضية اللاجئين وحق العودة. والمعركة التي خيضت في الأمم المتحدة عام (2019) لتجديد تفويض الوكالة لثلاث سنوات جديدة، كانت تأكيداً على ذلك. غير أن اللافت هو أن هذا التجديد لم يترافق مع التزام الدول المانحة بمعالجة المشكلة المالية التي ما زالت الوكالة تشكو منها. إذ وحتى تاريخ تشرين الثاني 2020، لم تكن الدول المانحة قد اوفت بالتزاماتها تجاه الموازنة البالغة 1.4 مليار دولار، وبلغ عجز الصندوق العام أكثر من (150) مليون دولار، كما لم تكن صناديق الطوارئ والمناشدات الخاصة بأفضل حال، وتعاني هي الاخرى من عجز مماثل.
راهناً، لا يختلف اثنان على أن وكالة الغوث تعيش اسوأ ازمة في تاريخها، رغم أنها عانت من مشكلة مماثلة خلال عامي 2017 و 2018 لدرجة أن قيمة العجز، في تلك الفترة، وصلت إلى (446) مليون دولار. لكن الوكالة تمكنت من تجاوز تلك الأزمة، ما يؤكد بأن هناك امكانية للمعالجة، اذا ما حافظت الدول المانحة، التقليدية والمستجدة، على نفس مساهماتها لعامي 2018 و 2019، اضافة الى أنه ومنذ قطع الولايات المتحدة لمساهمتها، زاد عدد الدول والمؤسسات المانحة نحو 42 دولة ومؤسسة.
هنا لا يسعنا الا الثناء على دعوة الأمين العام للامم المتحدة “لجعل تمويل الأونروا مستداماً، ليس فقط لمدة عام واحد بل لسنوات عدة”. ونعتقد أن هناك امكانية فعلية لترجمة دعوة الأمين العام إلى واقع ممكن، اذا ما تمت الاستفادة من بعض نقاط القوة التي يمكن استثمارها لصالح تحقيق التمويل المستدام. رغم قناعتنا بأن أسباب الأزمة ليست تقنية أو مالية، بل أن أساسها يكمن أولاً وأخيراً في القرار السياسي. وبالتالي فإن المعالجة يفترض أن تكون هي الأخرى سياسية.
إن المطلوب هو حماية الأونروا واخراجها من دائرة الابتزاز المالي والسياسي الذي تمارسه بعض الدول، وبما يمنحها الحرية في تطبيق برامجها، وإن أي معالجة للأزمة المالية يجب ألا تستثني الولايات المتحدة من تحمل مسؤولياتها، باعتبارها المسبب الرئيسي لهذه الأزمة، وأحد الأطراف الأساسيين الذين ساهموا في خلق مشكلة اللاجئين، ناهيك عن دعم الكيان الصهيوني ومده بكل أشكال الاستمرار والتطرف العنصري.
بالنسبة للاجئين، هناك علامات استفهام كثيرة حول قضية التمويل وتقلباتها بين عام وآخر. وعلى هذا نسجل التالي:
– ليس منطقيا أن تصوت الجمعية العامة بأغلبية (170) دولة لصالح التجديد للوكالة، بينما تعجز عن معالجة عجز مالي لا يكاد يساوي شيئاً، مقارنة بما تقره الدول الغنية للدول الفقيرة من دعم سنوي.
– اذا كان مفهوماً سبب قطع الولايات المتحدة لمساهمتها المالية، فما هي اسباب تلكؤ اكثر من (50) دولة مانحة عن معالجة المشكلة المالية؟
– أعلنت الوكالة سابقا أنها دخلت مع (17) دولة باتفاقيات مالية متعددة السنوات، بهدف خلق ثبات مالي، لجهة الحصول على ميزانية واضحة المعالم في الأعوام المتتالية (2020 – 2022)، فما هو مصير هذه الاتفاقيات؟
– اذا كان مفهوماً سبب قطع الولايات المتحدة لمساهمتها المالية، فما هي اسباب تلكؤ اكثر من (50) دولة مانحة عن معالجة المشكلة المالية؟
– أعلنت الوكالة سابقا أنها دخلت مع (17) دولة باتفاقيات مالية متعددة السنوات، بهدف خلق ثبات مالي، لجهة الحصول على ميزانية واضحة المعالم في الأعوام المتتالية (2020 – 2022)، فما هو مصير هذه الاتفاقيات؟
الواقع اليوم
تحدٍ آخر واجهته وكالة الغوث إلى جانب تحدي الصمود في مواجهة الضغوط الاميركية الاسرئيلية، هو القدرة على الاستجابة لتداعيات جائحة كورونا. وما كان لافتاً، هو لجوء كل دول العالم، في موازاة سياسات التعبئة العامة، إلى إقرار حِزم اقتصادية بملايين الدولارات، دعماً لمواطنيها. فيما ظل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وفي مناطق عملياتها الأخرى، بعيدين عن كل اشكال الدعم الاقتصادي والإغاثي. وما فعلته وكالة الغوث هو فقط اطلاقها لنداءات ثلاثة خاصة بمواجهة الجائحة في مناطق عملياتها الخمسة، لم تلق سوى استجابات ضعيفة.
لقد وصلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حافة الانهيار، بسبب الأزمة في لبنان، ونتيجة اعتماد جميع العائلات على وكالة الغوث بنسبة 100%، التي كلما عانت من مشكلة مالية انعكست سلباً على أوضاع اللاجئين. إذ رغم أن أرقام الوكالة تقول إن نسبة الفقراء من فلسطينيي لبنان بلغت نحو ثلثي اللاجئين (معطيات الدراستين 2010 و 2016)، إلا أن العدد الفعلي من الفقراء، بعد اربعة سنوات، يكاد يصل إلى نسبة مائة في المائة، بسبب الأزمة في لبنان اولاً، وثانياً بسبب تداعيات كورونا، وثالثاً بسبب معايير الأونروا وطريقتها في احتساب نسب الفقر.
إن الأوضاع الإقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان إنحدرت نحو مستويات خطيرة، ما يضع جميع المرجعيات المعنية أمام تحديات كبرى، تشكل امتحاناً لقدرتها على التفاعل مع الحدث، الأمر الذي يضعنا مباشرة أمام المهام التالية:
1- دعوة رئاسة الأونروا إلى توفير الموازنات الضرورية لإطلاق برنامج طوارئ خاص بالمخيمات الفلسطينية يستجيب للاحتياجات الملحة المختلفة للاجئين.
2- دعوة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني إلى اطلاق ورعاية حوار دائم بين مختلف التيارات الفلسطينية المختلفة، وبين الأحزاب والكتل النيابية اللبنانية، للوصول إلى مقاربات مشتركة تسهل مسألة تعديل القوانين اللبنانية، التي تقف عائقاً أمام امكانية توفير الحياة الكريمة للاجئين الفلسطينيين.
3- دعوة اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية إلى إدخال لوائح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في سجلات مساعدات التنمية الاجتماعية، التي تُصرف في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
2- دعوة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني إلى اطلاق ورعاية حوار دائم بين مختلف التيارات الفلسطينية المختلفة، وبين الأحزاب والكتل النيابية اللبنانية، للوصول إلى مقاربات مشتركة تسهل مسألة تعديل القوانين اللبنانية، التي تقف عائقاً أمام امكانية توفير الحياة الكريمة للاجئين الفلسطينيين.
3- دعوة اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية إلى إدخال لوائح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في سجلات مساعدات التنمية الاجتماعية، التي تُصرف في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.