مقال جسور
كيف تنظر إسرائيل إلى ما يجري في لبنان؟

* باحثة في الشؤون الاسرائيلية
منذ بدء حركة الاحتجاج الشعبي في لبنان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تتابع إسرائيل عن كثب تطورات الوضع الداخلي اللبناني، وذلك انطلاقاً من فرضيتين أساسيتين برزتا في معظم التحليلات: الأولى هي أنه ليس لإسرائيل مصلحة في التدخل في ما يجري في لبنان؛ والثانية هي أنه حتى لو أرادت التدخل فإنها لا تملك القدرة على التأثير إلاّ بصورة غير مباشرة.
وتركز الاهتمام الإسرائيلي بصورة خاصة على مراقبة مدى تأثير الإحتجاجات الشعبية على مكانة حزب الله داخل لبنان، وعلى انعكاساتها على احتمالات حدوث تصعيد عسكري على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، في وقت كل التقديرات في إسرائيل تعتبر الحزب هو الخطر الأكبر عليها في الجبهة الشمالية. كما برز أيضاً اهتمام إسرائيل في كيفية استغلال الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة التي يمر بها لبنان لصالحها.
في رأي أكثر من مراقب إسرائيلي أن استمرار حركة الاحتجاج في لبنان وتدهور وضعه المالي والإقتصادي والإجتماعي، سيؤثران سلباً على حزب الله. ورأى د. دان شيفتان رئيس برنامج الأمن القومي في جامعة حيفا أن “الجمهور في لبنان يدرك العلاقة بين العقوبات المفروضة على حزب الله وعلى إيران، وبين تدهور الوضع الإقتصادي في لبنان، واستمرار الاحتجاجات سيكون له تأثير سلبي على حزب الله”. لكنه على الرغم من ذلك، لا يتوقع أن تنجح هذه الاحتجاجات في إحداث تغيير سياسي حقيقي في لبنان، يمكن أن يقلب موازين القوى الحالية، وفي رأيه سيبقى الحزب “موجوداً لسنوات طويلة، والاحتجاجات ستظهر وتختفي من حين إلى آخر”. ورأى شيفتان أن انشغال الحزب بالوضع الداخلي اللبناني سيجعله يتجنّب الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، لكن ذلك لا يعني أبداً استبعاد حدوث أمر طارىء يغيّر الوضع ويؤدي الى تدهور مفاجىء على الجبهة الشمالية.
الخلاصة التي يجمع عليها الخبراء الإسرائيليون هي أن لبنان دخل في مرحلة من عدم الاستقرار السياسي. هذا هو رأي الباحث في مركز هرتسليا للدراسات الإستراتيجية أودي أفيتال: “يبدو أن لبنان دخل في مرحلة عدم الاستقرار، في ظل إصرار النخب السياسية على عدم التنازل عن السلطة، وعدم قدرتها في الوقت عينه على الحكم بصورة ناجعة من خلال النظام السياسي الحالي، والواقع المعقّد في لبنان”. ورأى أن التغيير السياسي في لبنان والمطالبة بتغيير النظام السائد “قد ينطوي على ايجابيات بالنسبة إلى إسرائيل من بينها ازدياد الانتقادات ضد بقاء قدرات حزب الله العسكرية خارج سلطة الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي من شأنه أن يفرض كوابح عليه”.
بعد تكليف حسن دياب بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، كان الرأي السائد في إسرائيل أن الحكومة الجديدة هي حكومة حزب الله، وسيكون من الصعب عليها إقناع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الخليج التي تعتبر من الدول التي يمكن أن تساعد لبنان للخروج من أزمته الإقتصادية بتقديم أموال إليه، لأنها في رأيهم سوف تخدم مصالح حزب الله.
في ظل هذا الواقع الجديد تساءلت الباحثة أورنا مزراحي في مقال نشرته في 6/2/2020 على الموقع الإلكتروني لمعهد دراسات الأمن القومي: “صعود نفوذ حزب الله في لبنان وسيطرته على الحكومة الجديدة يضع إسرائيل أمام معضلة: هل أصبح هناك تماهٍ كامل بين الدولة اللبنانية وبين حزب الله؟”. وتابعت: “هذه قضية شديدة الأهمية ليس فقط في ما يتعلق بموقف إسرائيل من المساعدة الدولية للبنان والاتصالات الدولية مع الحكومة الجديدة، بل أيضاً في حال حدوث مواجهة عسكرية مع حزب الله”.
الإستغلال الإسرائيلي للأزمة الاقتصادية في لبنان
صحيح أن إسرائيل لا تملك وسائل للتدخل المباشر في لبنان، لكن الأزمة المالية والاقتصادية الحادة التي تعصف بهذا البلد تشكل فرصة كي تتدخل بصورة غير مباشرة من خلال ممارسة ضغوط على الجهات الدولية، لفرض شروط على لبنان من أجل تقديم المساعدة المالية التي يحتاج إليها. ففي رأي تومار فيدلون وشاشون حداد واليشواع سيمون، من معهد دراسات الأمن القومي، في مقال نشروه في 16 كانون الثاني/يناير 2020 أن “حاجة لبنان الماسة إلى مساعدة خارجية تمثل فرصة لإسرائيل كي تضع شروطاً على تقديم المساعدة مثل وقف تسلّح حزب الله وتقييد وصوله إلى المال العام”.
علاوة على ذلك، ترى إسرائيل في الأزمة الاقتصادية في لبنان، فرصة لدفع لبنان إلى القبول بالوساطة الأميركية لحل الخلاف معها على ترسيم حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة خصوصاً في البلوك 9، الأمر الذي سيسهّل التنقيب عن الغاز والنفط الذي يمكن أن يدر على لبنان إيرادات هو بأمس الحاجة إليها.
ثمة مسألة أخرى برزت بعد نشر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والتي جاء فيها منح لبنان مساعدة تقدر بـ6 مليارات ونصف مليار دولار لمساعدته في استيعاب اللاجئين الفلسطينيين الذين لن يتمكنوا من العودة إلى أراضيهم أو إلى الدولة الفلسطينية العتيدة. بالطبع لا تعلّق إسرائيل آمالاً كبيرة على قبول لبنان بالخطة التي سارع رئيس الجمهورية اللبنانية إلى رفضها رسمياً. لكن ترى إسرائيل أن نشر الخطة سيجبر لبنان على التعامل معها بجدية بصورة أو بأخرى، لأن ذلك سيفتح أمامه سبل الحوار مع الإدارة الأميركية التي لا تزال تنتظر مواقف الحكومة اللبنانية الجديدة كي تقرر إذا كانت ستساعدها أم لا.