مقال جسور

لبنان الموحد ضد التوطين يدعم حقنا بالعودة

لبنان الموحد ضد التوطين يدعم حقنا بالعودة
* سفير دولة فلسطين في لبنان 

الموقف الفلسطيني من صفقة القرن وقدرته على مواجهتها وآلية تكامله مع الموقف اللبناني في رفض التوطين، ومطالب الفلسطينيين الموحّدة في لبنان مع نيل حكومة الرئيس حسان دياب الثقة من المجلس النيابي، إضافة إلى الأوضاع المعيشية في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية، كانت محور لقاء “جسور” مع السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور. 

 ماذا يريد الفلسطينيون من الدولة اللبنانية ومن الحكومة الجديدة؟

 
– نريد بصراحة من الحكومة الدخول في الملف الانساني الفلسطيني وبعمق. الوضع المعيشي الصعب الذي يعانيه لبنان عموماً، أكثر تأثيراً على اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمّعات. كما أن عدم فتح سوق العمل أمام الفلسطينيين يجعل حياتهم بائسة وبالغة الصعوبة. ولولا المساعدات التي تقدمها منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات الدولية، لكان الوضع كارثياً. فالوظائف التي تؤمّنها وكالة “الأونروا” تخفف العبء إلى حد ما، لكن على أخوتنا اللبنانيين العمل وبشكل جدي على إصدار المراسيم التي تجيز للفلسطينيين حق العمل أسوة بغيرهم من المقيمين على الأراضي اللبنانية.
 
لقد قدمنا ورقة قانونية حول حق العمل للمسؤولين اللبنانيين، وللجنة الحوار اللبناني  -الفلسطيني لرفعها إلى الجهات المعنية، وهي تتابعها بدقة. ولا تمس الورقة القوانين اللبنانية الأساسية بعد تعديل القانونين رقم 128 و 129 وإزالة مبدأ المعاملة بالمثل في التعامل مع الفلسطيني. الجهات اللبنانية كافة تعرف مطالبنا، فنحن لا نطلب شيئاً من لبنان سوى أن يحيا الفلسطيني اللاجىء إليه قسراً بكرامة. فالفلسطيني الذي التزم الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان والمخيمات، بشهادة معظم المرجعيات اللبنانية، لا يطلب سوى اعتماد الإجراءات اللازمة، فالقوانين موجودة، وهي تجيز له العمل ليحيا بكرامة لحين عودته إلى وطنه. نحن نطالب باحترام القانون الدولي الانساني الذي ينص على أن الدولة التي تقبل حق اللجوء إليها، عليها أن تؤمن للاجىء حياة لائقة. نحن لا نطلب مساعدات، بل حق الفلسطيني بالعمل كي يحصل بعرقه على لقمة عيشه.
 
من جانبي استغرب، بل واستهجن الخوف من السماح للفلسطيني بالعمل، ولا أجد أي سبب مقنع له، خصوصاً أن المواقف الفلسطينية واللبنانية موحّدة في رفض التوطين. نحن نقدّر للبنان واللبنانيين وقفتهم الدائمة إلى جانب حق الفلسطيني اللاجئ بالعودة. وهو أمر يعطي قوة للموقف الفلسطيني في المحافل الدولية ويعزز وضعنا للمطالبة بحقوقنا، وبالتالي نحن نقف ضد أي مشروع للتوطين. ومع حبنا وتقديرنا للبنان وشكرنا لضيافته، نرفض التوطين ولا نتنازل عن حقنا بالعودة إلى وطننا. نحن نرفض التوطين ليس فقط لأن لبنان لا يريده، بل لأنّ لنا الحق في أرضنا . يجب سحب موضوع التوطين من التداول. كما أننا على قناعة بقدرتنا على مواجهته، ومواجهة أي مشروع ينال من حقوقنا. وعندما يقف لبنان موحّداً ضد التوطين يساندنا كفلسطينيين ضد أي مشروع يستهدف وجودنا.
 
 هل تستطيع الدولة اللبنانية بأوضاعها المعروفة تحقيق ما يطالب به الفلسطينيون؟
 
– ندرك جيداً أن الأوضاع صعبة في لبنان، لكننا لا نطلب المستحيل. نحن نطالب بمراسيم وقرارات  تسمح للفلسطينين بالعمل، من أجل تأمين مقوّمات عيشه. فالوضع صعب اليوم، لكنه قد يتحسّن غداً. ثم أن الفلسطيني يستطيع المساهمة في نهوض لبنان من كبوته من خلال عمله في الداخل وما يرسله من الخارج، وما ينفقه من عملات صعبة من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية والأممية ومنظمة التحرير والفصائل. 
 
 نحن الآن في صميم ما يسمى “صفقة القرن” كيف توصّفونها؟ 
 
– ما يسمّى بـ”صفقة القرن” أو الخطة الاميركية واضحة، وقد مهدت خطوات عدة للإعلان عنها، بدءاً من نقل للسفارة الاميركية في القدس، وقطع التمويل عن “الأونروا” ومحاولة إلغاء التمديد لولايتها، وإنهاء قضية اللاجئين، وإعادة تعريف اللاجىء الفلسطيني، وورشة المنامة، وغير ذلك من مواقف وإجراءات. لكن يجب أن نشخّص الواقع كما هو. فالمعروض ليس صفقة، لأن الصفقة تتم عادة بين طرفين. هذه الصفقة هي من طرف واحد، وهي استكمال لمشروع قديم جديد تكمن خطورته في أنه يهدف إلى الاستيلاء على أرض فلسطين كلها، والضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية التي تحفظ حق الفلسطينيين بأرضهم ودولتهم. إنها باختصار مؤامرة كبيرة تستهدف قضية فلسطين، وضرب مشروع قيام الدولة الفلسطينية على أرضنا، لكن ليس كل ما يكتب لشعب ما يصبح قدراً لا فكاك منه. نحن لم ولن نرضخ لما جاء فيها، والتاريخ سجّل وسيسجّل صمود شعبنا مهما غلت التضحيات .وعليه، فالصفقة مرفوضة، وقرارنا عدم الخضوع لكل من يحاول الترويج لها.
 
 كيف يمكن مواجهة الصفقة من دون وحدة وطنية فلسطينية؟ 
 
– واضح لنا أنه لا يمكننا مواجهة الصفقة إلاّ موَّحدين. الجميع توحّد خلف موقف الرفض الذي عبّر عنه الرئيس محمود عباس. وهناك تواصل مستمر بين كل الفصائل الفلسطينية منذ أن تمّ الإعلان عن المشروع الذي يهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية.
 
على الصعيد اللبناني، اللقاءات والاتصالات قائمة بين كل الفصائل لتشكيل قيادة مشتركة لتنسيق المواقف، والعمل على تنظيم حراك لإيصال صوتنا إلى كل المراجع العربية والدولية.  
 
 هل إعلان الصفقة كافٍ لرأب الصدع الفلسطيني؟  
 
– الشعب الفلسطيني غير محبط، والدليل مقاومته الشعبية وعلى كل المنابر الدولية. الآن هناك اتفاق صريح على أننا سنواجه الصفقة بموقف موحّد، وهناك تفاهم جدي على إنهاء حالة الإنقسام ونتمنى أن نصل إلى غايتنا.
الوضع خطير لأنّ هدفه إنهاء القضية الفلسطينية. الشعب الفلسطيني مدرك لمسؤوليته في حماية قضيته من المخاطر، ولا يمكن أن يمر أي مشروع ضد الفلسطينيين طالما أنهم قادرون ومصرّون على المواجهة ولديهم الثقة بصلابتهم وقوّة عزيمتهم.
 
وكلنا يعرف أنّ أحداً لم يكن ليجرؤ على طرح مشروع مثل مشروع صفقة القرن لولا الوهن والإنقسام العربي اللذان أوصلانا إلى ما نشهده اليوم من مشاريع تهدّد وجودنا. لكن اليوم الكل يقف وراء القيادة الفلسطينية ويدعم مواقفها، ونحن نراهن على شعبنا الفلسطيني بكل فئاته وانتماءاته.
 
حالياً، نعمل على تنظيم فعّاليات تعبّر عن الرفض الفلسطيني في الشتات لأيّ مشاريع تنتقص من حقنا. وما شهدته المخيمات الفلسطينية في لبنان من تحركات رافضة لهذه الصفقة هي رسالة تؤكد على صلابة موقفنا. هذه التحركات مستمرة ونحن ندرس كل تحرك بعناية. أي حراك لنا سيكون تحت سقف الحفاظ على أمن وسلامة لبنان، الدولة المضيفة لنا. أما في الداخل، فالصراع أشد وأقوى مع الاحتلال.
 
 البعض يرى أن لبنان لم يعد قادراً على تحمّل الوجود الفلسطيني؟
 
– من المجحف في حق الفلسطيني القول أن البلد لا يستطيع أن يتحمّل وجوده. نحن لم نأت بخاطرنا إليه. لقد تمّ تهجيرنا من بلادنا بالقوة، وهناك مؤامرة على فلسطين والأمة العربية وفي القلب منها لبنان. نحن نريد العودة وعلى الأمة العربية أن تتحمّلنا وتساندنا لأننا جزء منها. لبنان وفلسطين هما شعب واحد، وهناك مصاهرات وعلاقات متينة وثقافة موحّدة. قبل الاحتلال الاسرائيلي كانت العلاقات يومية وعلى مختلف الصعد. ولقد ساهم الفلسطينيون في تقدم لبنان وازدهاره على مختلف الصعد. وعليه، لا أرى أننا عبء على لبنان، أو أن هناك أي مبرر لحرمان الفلسطيني من حقه في الحياة الكريمة. ثمة من يخرج علينا بفزاعة التوطين فقط لإثارة المخاوف.
من الطبيعي أن نعمل كما غيرنا في كل لبنان لتأمين حياتنا بعرقنا وقدراتنا وكفاءاتنا. علماً أنّ هناك إجماعاً على إطراء الموقف الفلسطيني خلال كل الأزمات التي مرّت على لبنان في السنوات الأخيرة. فقد كان الفلسطيني وسيظل عاملاً أساسياً للإستقرار والأمن.
 
هذا هو موقفنا الفلسطيني الموحّد. بما تتطلّبه من المساهمة في الحفاظ على الأمن والإستقرار والمساهمة باستنهاض لبنان. فوجوده قوياً ومزدهراً ومعافى ينعكس علينا إيجاباً في المخيمات، ومشاكله تنعكس علينا وندفع ثمنها مضاعفة. 
 
اليوم يقف لبنان موحّداً مع القضية الفلسطينية ومع الشعب الفلسطيني ويدعم حقوقه في العيش بكرامة إلى حين العودة لأرضه، ويصرّ على بناء علاقات حوار سوية وسليمة سوياً.
 
من هذا المنطلق، ندعو إلى تفعيل دور ومهام لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني ودعمها من خلال إقرار وثيقة “الرؤية الموحّدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان” التي أصدرتها. ونأمل في أن يكون لها تأثيرها في السياسات والقرارات، وأن يتعدّى دورها مجرد الإستشارة وصولاً إلى المساهمة في رسم سياسات الحكومة اللبنانية في ما يتعلّق بقضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.