مقال جسور
لبنان واللاجئون الفلسطينيون: إشكاليّات وأخطاء مشتركة

خبير لبناني في السياسات العامة وقضايا اللاجئين
لا ريب في أنَّه قيل الكثير وكُتب الكثير عن علاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين منذ أن هجَّرتهم العصابات الإسرائيليَّة في العام 1948. كان لبنان حينها في استقلاله طريّ العود، وما توقَّع أحد أن يستمرّ وجودهم القسريّ على أرضه حتَّى يومنا هذا، ما يُعادل 70 عاماً. ولا ريب أيضاً في أنَّ الكثير ممَّا قيل أو كُتب وانطبع حتماً في ذهنيَّة اللبنانيَّين من جهة، واللاجئين الفلسطينيِّين من جهةٍ أُخرى، يحمل الكثير من المغالطات المبنيَّة على مُقارباتٍ إيديولوجيَّةٍ تختلط فيها الدوغماتيَّة السياسيَّة بعُقدٍ طائفيَّةٍ واستنفاراتٍ مذهبيَّة، ولا ينتفي فيها أحياناً الطابع الشخصيّ.
وتقوم هذه المغالطات على تشوُّهٍ جنينيٍّ في المفاهيم، جعل الصدام حتميّاً بين اللبنانيِّين أنفسهم من ناحيةٍ، حول كيفيَّة دعم القضيَّة الفلسطينيَّة، وبعض اللبنانيِّين واللاجئين الفلسطينيِّين بمكوِّناتهم السياسيَّة والعسكريَّة من ناحيةٍ أُخرى، حول الكيفيَّة عينها. بطبيعة الحال، التشوُّهُ الجنينيّ لعلاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين على المستوى المفهومي، والتصوُّر الاستفزازيّ للاَّجئين الفلسطينيِّين لحقِّهم في استعمال لبنان موقعاً تأسيسيّاً لمقاومتهم يُساندهم في ذلك بعض اللبنانيِّين، حال دون التأسيس الاستراتيجي لعلاقةٍ لبنانيِّةٍ – فلسطينيَّةٍ سليمةٍ تقودها الشرعيَّة اللبنانيَّة والشرعيَّة الفلسطينيَّة، بما يخدم مصالح كلٍّ منهما في مواجهة إسرائيل العدوّ بالاستناد إلى روحيَّة الحقوق والواجبات، وأَفسح في المجال أيضاً لتدخُّلاتٍ خارجيَّةٍ، استُغلّ فيها اللبنانيُّون واللاجئون الفلسطينيُّون معاً لتصفية حساباتٍ لا تَمتّ إلى مصالحهم بأيّ صلة.
من هنا تنطلق محاور هذه المقالة التي تبتعد عن التأريخ والتوثيق، مُختارةً مُقاربةً ترميميَّةً استنطاقيَّةً للمفاهيم المشوَّهة، بُغية تصويبها، مع محاولة قراءةٍ موضوعيَّةٍ للتجربة التي حكمت العلاقات اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة منذ العام 2005، وصولاً إلى التحدِّيات التي تُواجهها في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع ما يجري في المنطقة.
لقد شابت العلاقات اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة على مدى 57 عاماً (1948 – 2005) التباساتٌ وتوتُّراتٌ بلغت حدّ الصدام العُنفيّ الدمويّ. حتَّم وفود اللاجئين الفلسطينيِّين إلى لبنان بعد أن هجَّرتهم العصابات الصهيونيَّة عام 1948، وقُدِّر عددهم حينها بمئة ألف، عبئاً ديموغرافيّاً خدماتيّاً على لبنان. وتُشير كل الوثائق التاريخيَّة إلى أنَّ الاهتمام الأساسيّ بهم وقع على عاتق المواطنين اللبنانيِّين، كلٌّ بحسب إمكاناته، كما على المؤسَّسات الدينيَّة المسيحيَّة والإسلاميَّة، إلى أن برزت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (الأونروا) لتتولَّى مهامَّها في تقديم الخدمات الإنسانيَّة الأساسيَّة للاَّجئين.
قبل عام 1948 حكمت علاقة لبنان بفلسطين والعكس، أواصرُ قُربى التاريخ والجغرافيا لتتوَّج بالمصاهرة والتعاون الاقتصاديّ – التجاريّ، والتفاعُل الثقافيّ – الإعلاميّ، ناهيك بوجود ثلاث قنصليَّاتٍ للبنان في فلسطين. وتؤكِّد كل الوثائق التاريخيَّة أيضاً، إلى أنَّه عاد من فلسطين إلى لبنان عام 1948، مئة ألفِ لبنانيٍّ كانوا يقطنون أو يعملون في فلسطين.
العبء الديموغرافيّ والاستقلال الطريّ العود أَسهما في تظهير سياقاتٍ تخويفيَّةٍ لبنانيَّةٍ – فلسطينيَّةٍ مُتبادلة. تَوزَّع اللاجئون الفلسطينيُّون على خمسة عشر مخيَّماً، بقي منها اليوم اثنا عشر، واحدٌ منها قيد الإعمار، عنينا به “مخيَّم نهر البارد”، بعد معارك خاضها الجيش اللبنانيّ مع إرهابيِّي مجموعة “فتح الإسلام” التي استباحت المخيم في العام 2007، وعشرات التجمّعات الموزعة على الأراضي اللبنانية. في العام 1969، وُقِّعت اتِّفاقيَّة القاهرة التي شَرَّعت العمل الفدائيّ الفلسطينيّ من لبنان.
انقسم اللبنانيُّون بين مَن يريد مُزاوجة منطق “الثورة” مع “الدولة”، وبين مَن يرى في ذلك تفجيراً للصيغة اللبنانيَّة، وبين مَن أَرعبه هاجس “التوطين”، ومَن استعاد رهانات “الوحدة العربيَّة” على قاعدة تبنِّي مفهوم العروبة المُقاوِمة ممزوجةً بإسلاميَّةٍ أو ماركسيَّةٍ متمادية. استمرت توتُّراتٌ ومهادناتٌ حتَّى 1975، إذ انفجر حينها صدامٌ فلسطينيٌّ مع أفرقاء لبنانيِّين. ثم انطلقت مرحلةٌ دمويَّةٌ تسيَّدت فيها استباحاتٌ مُتبادلة. الفلسطينيُّون أَخطأوا واللبنانيُّون أَخطأوا. اشترك في تأجيج مواجهاتهم العدوّ والشقيق والصَّديق. في العام 1982، وعقب الاجتياح الإسرائيليّ، خرج مُقاتلو منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة من لبنان. بعدها كانت حقبة حرب المخيَّمات وعليها. في العام 1987، أَلغى البرلمان اللبنانيّ اتِّفاقيَّةَ القاهرة. لكنَّ أيّ مُناقشةٍ لقضيَّة العلاقات اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة لم تَتمّ. قبل اتِّفاق الطائف دخل اللبنانيُّون حروباً مُدمِّرة. بعد اتِّفاق الطائف، وإلى الاحتلال الإسرائيليّ، عاش لبنان حقبة وصاية سوريَّة كأَمرٍ واقع، ما أبقى علاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين في حيِّز ورقة المفاوضة والمُقايضة.
في كلّ الأحوال لا بُدَّ، ولأيّ مقاربةٍ تبغي الموضوعيَّة في فهم علاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين قبل العام 2005، من أن تُضيء على مفاهيم هذه العلاقة والتباساتها أوَّلاً، وتُقرَّ بتفتُّت السياسات وتحدِّي صياغة سياسةٍ موحَّدةٍ ثانياً، لتعترف بماهيَّة الأخطاء المشتركة، والتي أَسَّست لانفجارٍ لبنانيٍّ – فلسطينيّ، وانفجاراتٍ لبنانيَّة – لبنانيَّة، وفلسطينيَّة – فلسطينيَّة من ثَمَّ.
انقسم اللبنانيُّون بين مَن يريد مُزاوجة منطق “الثورة” مع “الدولة”، وبين مَن يرى في ذلك تفجيراً للصيغة اللبنانيَّة، وبين مَن أَرعبه هاجس “التوطين”، ومَن استعاد رهانات “الوحدة العربيَّة” على قاعدة تبنِّي مفهوم العروبة المُقاوِمة ممزوجةً بإسلاميَّةٍ أو ماركسيَّةٍ متمادية. استمرت توتُّراتٌ ومهادناتٌ حتَّى 1975، إذ انفجر حينها صدامٌ فلسطينيٌّ مع أفرقاء لبنانيِّين. ثم انطلقت مرحلةٌ دمويَّةٌ تسيَّدت فيها استباحاتٌ مُتبادلة. الفلسطينيُّون أَخطأوا واللبنانيُّون أَخطأوا. اشترك في تأجيج مواجهاتهم العدوّ والشقيق والصَّديق. في العام 1982، وعقب الاجتياح الإسرائيليّ، خرج مُقاتلو منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة من لبنان. بعدها كانت حقبة حرب المخيَّمات وعليها. في العام 1987، أَلغى البرلمان اللبنانيّ اتِّفاقيَّةَ القاهرة. لكنَّ أيّ مُناقشةٍ لقضيَّة العلاقات اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة لم تَتمّ. قبل اتِّفاق الطائف دخل اللبنانيُّون حروباً مُدمِّرة. بعد اتِّفاق الطائف، وإلى الاحتلال الإسرائيليّ، عاش لبنان حقبة وصاية سوريَّة كأَمرٍ واقع، ما أبقى علاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين في حيِّز ورقة المفاوضة والمُقايضة.
في كلّ الأحوال لا بُدَّ، ولأيّ مقاربةٍ تبغي الموضوعيَّة في فهم علاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين قبل العام 2005، من أن تُضيء على مفاهيم هذه العلاقة والتباساتها أوَّلاً، وتُقرَّ بتفتُّت السياسات وتحدِّي صياغة سياسةٍ موحَّدةٍ ثانياً، لتعترف بماهيَّة الأخطاء المشتركة، والتي أَسَّست لانفجارٍ لبنانيٍّ – فلسطينيّ، وانفجاراتٍ لبنانيَّة – لبنانيَّة، وفلسطينيَّة – فلسطينيَّة من ثَمَّ.
مفاهيم والتباسات
ثمَّة إشكاليَّاتٌ ثلاث مُلتبسة حكمت علاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيِّين: أُوَّلُها كيانيَّة، وثانيها سياديَّة – أمنيَّة، وثالثها إنسانيَّة.
في الإشكاليَّة الكيانيَّة
الإشكاليَّة الكيانيَّة منذ النكبة (1948) بين لبنان واللاجئين الفلسطينيِّين، ولو في اتِّفاقٍ ضمنيٍّ إستراتيجيّ، كانت رفض لبنان أيَّ شكلٍ من أشكال التوطين انطلاقاً من التسليم بخيار حقّ العودة الذي نصَّ عليه القرار 194 في فلسفته الأساسيَّة، رغم كلّ الدعوات لقراءته ببراغماتيَّة أنَّه “خياريٌّ” وليس “إلزاميّاً”، كما التسليم بقيام دولة فلسطين الذي نصَّ عليه القرار 181، أيضاً في فلسفته الأساسيَّة، رغم كلّ محاولات تجويف هذا القرار من مضمونه إسرائيليّاً ودوليّاً. كما أنَّ لبنان وافق على مبادرة السَّلام العربيَّة التي أقرَّت عدم جواز توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هُم. لكنَّ هذا التسليم بخيار حقّ العودة، وقيام دولة فلسطين، وبفعل المنزلقات التسلُّحيَّة التي مارستها مُنظَّمة التحرير الفلسطينيَّة تأكيداً على حقِّها في المقاومة من على أرض لبنان، هذه المنزلقات التي استدعت أيضًا تسلُّحاً لبنانيّاً مُقابلاً، تأكيداً على الحقّ بحماية سيادة لبنان واستقلاله واستقراره، استحال “فوبيا” لبنانيَّة أو قُلْ بعض – لبنانيَّة من إمكان تحوُّل لبنان وطناً بديلاً للاَّجئين الفلسطينيِّين، و”فوبيا” فلسطينيَّة من أنَّ أفرقاء لبنانيِّين يودُّون تصفية قضيَّتهم المقدَّسة. وقد تُرجمت هذه “الفوبيا” اللبنانيَّة تجاه اللاجئين الفلسطينيِّين، و”الفوبيا” الفلسطينيَّة تجاه بعض اللبنانيِّين ممارساتٍ عنفيَّةً دمويَّةً بلغت حدَّ المجازر. وبطبيعة الحال كلُّ دمٍ أُريق على أساس هذه “الفوبيا” المشتركة في امتزاجاتٍ إيديولوجيَّةٍ ودينيَّةٍ بقي وصمة عارٍ في تاريخ العلاقات اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة، واستدعى لاحقاً توبةً واعتذاراً من الطرفَين. من هنا لا بُدَّ من فهم الإشكاليَّة الكيانيَّة بمعنى مناصرة العدالة أكثر منه الخوف أو الاستثمار في الارتجاجات الدينوغرافيَّة.
في الإشكاليَّة السياديَّة
الإشكاليَّة السياديَّة بين لبنان واللاجئين الفلسطينيِّين، وتحديداً بمكوِّنات اللاجئين الفصائليَّة ذات بُعدَين مُتناقضَين، وتناقضهما أودى بالصدام الحتميّ. فبعض اللاجئين الفلسطينيّين ما فتئوا يُهاجمون القبضة الأمنيَّة اللبنانيَّة التي فُرضت عليهم، مُتناسين استباحتهم الاستثنائيَّة لسيادة لبنان منذ ما قبل اتِّفاقيَّة القاهرة (1969)، وشاهد على هذه الاستباحة هو كثافة التسلُّح الذي برز بعد توقيع الاتِّفاقيَّة. وبعض اللبنانيين يُصرُّون على القبضة الأمنيَّة إنَّما في غياب إستراتيجيَّةٍ متكاملةٍ لمعالجة كل قضايا اللاجئين الفلسطينيِّين وتحديداً القانونيَّة والإنسانيَّة، ما حتَّم فشلاً في ضبط الوضع التسلُّحيّ الفلسطينيّ المُتفلِّت، ناهيك بالانقسام اللبنانيّ حول نوعيَّة مناصرة القضيَّة الفلسطينيَّة، والذي تمثَّل بشكلٍ بارزٍ في التقابُل الحادّ بين “الجبهة اللبنانيَّة” من جهة، و”الحركة الوطنيَّة” من جهةٍ أُخرى. فمفهوم إحقاق السيادة من زاويةٍ أمنيَّة، الذي مارسه اللبنانيُّون مبتورٌ وأَدَّى عكس مُبتغاه، وتصوير اللاجئين الفلسطينيِّين أنفسهم ضحايا دائمين مقتلعي الحقوق مبتورٌ أيضاً وأَدَّى عكس مُبتغاه. من هنا لا بُدَّ من فهمٍ للإشكاليَّة السياديَّة بمعناها الحقوقيّ الأمانيّ أكثر منه الأمنيّ لبنانيَّاً والعسكريّ فلسطينياً.
في الإشكاليَّة الإنسانيَّة
الإشكاليَّة الإنسانيَّة منذ النكبة (1948) واستفحالها منذ حرب لبنان (1975) مُعقَّدة، ويُقتضى تفكيكها، إذ غالباً ما ينحو بعض اللاجئين الفلسطينيُّين نحو مهاجمة الدولة اللبنانيَّة مُتَّهمينها بعنصريَّةٍ في الإحجام عن منحهم حقوقاً إنسانيَّةً أساسيَّةً، ومنها “العمل” و”التملُّك” فيما يتغاضون عن واجباتهم تجاه الدولة التي استضافتهم واجباً أخويّاً، لكنَّهم لم يتوانَوا عن استباحة سيادتها بالكامل. في المقابل، يعتبر بعض اللبنانيُّين أنَّ مَنْح اللاجئين الفلسطينيِّين هذه الحقوق قد يؤدِّي إلى دَمْجٍ مجتمعيٍّ تدريجيٍّ لهم في لبنان، ما يُسهِّل لاحقاً توطينهم، وينعكس سلباً على التوازنات الديموغرافيَّة الطائفيَّة. ويسهو عن بال الكثيرين أنَّ إستراتيجيَّةً فلسطينيّة كمنت وراء الإبقاء على الفقر في المخيَّمات لاستثمار العصب المُقاوِم فيها. وإستراتيجيَّةٌ لبنانيَّةٌ كمنت وراء التضييق على تحسين الوضع الإنسانيّ فيها في رهانٍ على تشجيع الهجرة منها بما يعني إبعاداً منهجيّاً، ولو على المدى الطويل، لشبح التوطين. وإستراتيجيَّة دوليَّة قضت بالانسحاب التدريجيّ من تقديم التمويل اللازم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (الأُونروا)، ما يضع اللاجئين الفلسطينيِّين في مواجهة الدول المُضيفة، ولبنان فيها، بحسب خصوصيَّته، الحلقة الأَضعف، فتستحيل المسؤوليَّة الدوليَّة تجاه اللاجئين الفلسطينيِّين مسؤوليَّةً إقليميَّةً – عربيَّةً بدايةً، لتنتهي بمسؤوليَّة البلد المُضيف، ما يُنهي القرار 194.
من هنا لا بُدَّ من فهمٍ للإشكاليَّة الإنسانيَّة انطلاقاً من إرث لبنان الحضاريّ في احترامه حقوق الإنسان من ناحية، وضوابط عدم تسهيل أيّ اندماجٍ مجتمعيٍّ تدريجيٍّ تحت ستار احترام هذه الحقوق للاَّجئين الفلسطينيِّين، والذي ينعكس تصفيةً نهائيَّةً لحقِّهم في العودة من ناحِيةٍ أخرى.
من هنا لا بُدَّ من فهمٍ للإشكاليَّة الإنسانيَّة انطلاقاً من إرث لبنان الحضاريّ في احترامه حقوق الإنسان من ناحية، وضوابط عدم تسهيل أيّ اندماجٍ مجتمعيٍّ تدريجيٍّ تحت ستار احترام هذه الحقوق للاَّجئين الفلسطينيِّين، والذي ينعكس تصفيةً نهائيَّةً لحقِّهم في العودة من ناحِيةٍ أخرى.
سياسات وتحدِّي صياغة سياسة موحَّدة
لم يتوقَّع لبنان أن يستمرَّ وجود اللاجئين الفلسطينيِّين القسريّ على أرضه طويلاً. ثمَّ إنَّ تداعيات الأزمات المتتالية التي عاشها لبنان داخليّاً، وكان معظمها ترجيع صدى لانتكاساتٍ دوليَّةٍ وحروبٍ إقليميَّةٍ أَسهمت بشكلٍ فعَّالٍ في تغييب أيّ إستراتيجيَّةٍ لصياغة سياسةٍ موحَّدةٍ تجاه هؤلاء على كل المستويات، الإنسانيَّة والقانونيَّة والأمنيَّة والديبلوماسيَّة. وكان لاتِّفاقيَّة القاهرة (1969) التي انفجرت شظاياها في العام (1975) أَثرٌ بارزٌ في تدمير إمكانات صياغة مثل هذه الإستراتيجيَّة، إذ انقسم اللبنانيُّون لينقسم من ثَمَّ الفلسطينيُّون، ويستفيد حاملو الأَجندات التدميريَّة لعناصر الثقة بين اللبنانيِّين أنفسهم، والفلسطينيِّين أنفسهم، واللبنانيِّين والفلسطينيِّين، وتُستباح القضيَّتان اللبنانيَّة والفلسطينيَّة لحساباتٍ لا تَمُتُّ إليهما بصلة، بل تحوَّلتا وقوداً عبثيَّةً لها. غيابُ الشرعيَّة اللبنانيَّة والتهاء الشرعيَّة الفلسطينيَّة بتكريس نفوذها العسكريّ في لبنان، جعل مُستحيلاً مُزاوجة منطقَي “الدولة” و “الثورة”. فالدولة اللبنانيَّة مُدمَّرةٌ والثورة الفلسطينيَّة خاضت معارك لا علاقة لقضيَّتها المركزيَّة بها. وهكذا برزت سياساتٌ حزبيَّةٌ لبنانيَّةٌ تُجاه اللاجئين الفلسطينيِّين، وسياساتٌ فصائليَّةٌ فلسطينيَّةٌ ارتبط بعضها بمحاور إقليميَّةٍ ودوليَّةٍ ما التزمت ضوابط قضيَّتها من ناحية، وسيادة لبنان من ناحيةٍ أُخرى. بين عام 1943 وعام 2005، لم يُبلوِر لبنان – الدولة سياسةً مُتكاملةً تُجاه اللاجئين الفلسطينيِّين. وفي العام 2005 بدأت مرحلة جديدة.