مقال جسور

لجنة الحوار : إستراتيجيّة النهوض بالشباب الفلسطيني في لبنان 2019-2025: الإستثمار في مستقبل أفضل

لجنة الحوار :   إستراتيجيّة النهوض بالشباب الفلسطيني في لبنان 2019-2025: الإستثمار في مستقبل أفضل
مع  تراجع الاهتمام المحلي والعربي والعالمي بالقضية الفلسطينية، وانسداد آفاق التسوية السياسية السلمية للقضية الفلسطينية، ومع استمرار بعض الخطابات اللبنانية في التعاطي مع اللاجئين كعبء  اقتصادي واجتماعي، ومع ارتفاع معدلات الفقر والأمية والتسرّب المدرسي وانتشار بعض الآفات الاجتماعية في المخيمات، يطرح التساؤل حول دور الشباب الفلسطيني؟ وما الذي يمكن أن يفعله، أو أن يساعده على تغيير هذا الواقع وتحقيق طموحاته من أجل مستقبل أفضل؟. 
 
فالشباب هم  العنصر الأكبر من مكوّنات مجتمع  اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تتراوح أعمارهم بين 14 و35 سنة. تحديات مُختلفة تواجههم أولها إنعدام الآفاق الواعدة بحياة كريمة: البيئة المعيشية السيئة، والمناطق المكتظة بالبنية التحتية المهترئة والمساكن الخطرة، المعاناة من انعدام الأمن بسبب كثرة النزاعات المُسلَّحة، ظروف العمل الصعبة، الشعور بالتهميش في عملية التوظيف بسبب القيود التي تمنع وصولهم إلى سوق العمل، التمثيل القانوني الغامض للهوية الفلسطينية إلى جانب قضايا التعليم والبطالة والصحة وندرة التمويل للمشاريع المُدرّة للدخل وتراجع الثقة بـ “الأونروا” والمنظمات غير الحكومية، وانقسام الشباب في ما بينهم، والمصالحة مع المجتمعات اللبنانية…
 
وإذ يزداد تركيز الجهات المعنية المحلية والدولية على الشباب الفلسطيني سعياً لتمكينهم من مواجهة هذه التحديات، تبيّن أن الإستراتيجيات والبرامج القائمة لا تتوافق دائماً في ما بينها، مُهدَّدة بأن تُصبح مُتداخلة، مما قد يؤدي إلى عدم استخدام الموارد المُتوافِرة بالشكل الأمثل والذي يُحقّق أكبر أثر مُمكن. لذلك رأت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أن هناك حاجة لخطة عمل مشتركة تنضوي تحت مظلة واحدة. وعملت خلال أكثر من عامين، على التَّعرُّف إلى واقع وطموحات الشباب الفلسطيني في لبنان، وتوصلت إلى إقرار “إستراتيجيّة للنهوض بالشباب الفلسطيني في لبنان”، يمتد تنفيذها من عام 2019 الى عام 2025، وتُمكّن الجهات المعنية والمانحة من تنسيق أعمالها واستثماراتها من خلال إشراك الشباب فيها.
 
المشهد الشبابي
 
تنبع أهمية الإستراتيجيّة التي تقترحها لجنة الحوار أنها من بُناة أفكار الشباب الفلسطيني أنفسهم. فلقد أجرت اللجنة منذ العام 2016، بحوثاً وأنشطة تواصليَّة مُستفيضة حول وضع الشباب الفلسطيني في لبنان، أظهرت أنه شباب نشط بشكل عام، يُبادر إلى القيام بالعديد من الأنشطة والمشاريع، كما يتمتَّع بتجربة متنوعة في تشكيل الشبكات والمجموعات المؤسسيّة. ولكن غالباً ما تكون المبادرات غير قادرة على الإستمرار نظراً إلى ثلاثة أسباب رئيسية: الإختلافات السياسية في انتماءات الشباب أو وجهات نظرهم، مما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى انقسامات داخلية؛ صعوبة الحفاظ على الإندفاع والاهتمام والحماسة لدى الشباب الذين يتطوعون فيها؛ وصعوبة إستدامة التمويل الخارجي.
 
ة من تواصلها مع الشباب الفلسطيني عبر “مساحات للنقاش”، أن للشباب طموحات عدة من خلال طرحهم لمجموعة كبيرة ومُتنوعة من أنواع المشاريع المتعدّدة الأبعاد، من الفنون أو الرياضة والتماسك الاجتماعي، إلى الأهداف البيئية والإجتماعية والإقتصادية. وأن لكثر منهم الامكانات والرغبة في غرس الأمل في مجتمعاتهم وفي تمكين الشباب الآخرين، يتمتعون بمستوىً من التفكير الإستراتيجي حول نظرة المجتمع تجاه خطواتهم، إضافةً إلى النيّات في التشارك المجتمعي، والإدراك العميق والفهم للواقع المُعقَّد لمجتمعاتهم والتحديات التي تُواجههم.
 
كما برز المشهد الشبابي النشط من خلال مختلف أنواع ومستويات التدريبات التي تُقدّمها غالبية المنظمات غير الحكومية الفلسطينية واللبنانية والدولية النَشِطة في مسرح الشباب الفلسطيني. وقد عزَّز ذلك الكثير من المهارات الملموسة لديهم، ووفّر مساحة للتعلم الجماعي وعقد اللقاءات، وأضاف شعوراً متزايداً بتقدير عملية تطوير الذات. لكن تبيّن أن هناك نقصاً في تحقيق أثر مستدام، حيث أنَّ: فرص تطبيق المكتسبات التعليمية نادرة للغاية؛ والبرامج بطبيعتها قصيرة الأمد في الغالب، يحد تشابه مواضيعها من الإبداع والخيال، ويُضعف نتائج المبادرات التي يقودها الشباب، وهي غالباً ما تستقطب مجموعات مُحدَّدة من الشباب النشطاء المعروفين.
 
كما قامت اللجنة بمسح شامل للجهات المعنيَّة العاملة مع الشباب الفلسطيني في لبنان، وتبيَّن وجود أكثر من 95 مجموعة ومبادرة وشبكة ومنظمة ووسيلة إعلامية بقيادة الشباب، ولدى حوالي 30 منها مساحة فعلية للعمل. وتتوجَّه أكثر من 80 منظمة فلسطينية ولبنانية إلى الشباب بشكل جزئي أو كُلّي. كذلك لدى جميع الفصائل السياسية الفلسطينية الرئيسية منظمات شبابية فاعلة. أيضاً، تتوجّه حوالي 18 منظمة غير حكومية دولية إلى الشباب الفلسطيني وتُموّلهم، ولدى حوالي 20 جهة مانحة ووكالة تابعة للأمم المتحدة برامجَ شبابية فلسطينية فاعلة.
 
لقد وجدت لجنة الحوار أن الخصائص التي يتمتع بها الشباب الفلسطيني تُوجد أرضية ثرية للعمل التشاركي الناجح، وتساهم في تحفيز أصحاب المصلحة على الثقة والاستثمار في القدرات والمهارات الكامنة لدى هؤلاء الشباب. وبعد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات مع مختلف الأطراف الرسمية، اللبنانية والفلسطينية، والجهات المانحة، والمنظمات الدولية والمُنظَّمات غير الحكومية الفلسطينية واللبنانية، توصلت لجنة الحوار إلى إعداد مسودة “إستراتيجيّة للنهوض بالشباب الفلسطيني” أعلنت عنها في الشهر الثاني من العام 2019، تهدف لتكون بمثابة مظلّة لإستثمارات الجهات المعنيَّة بالشباب الفلسطيني وبالعمل معه، تُوفّر من جهة، للأطراف المانحة آراءً على المستوى الميداني حول الحاجة والإمكانية للاستثمار في الشباب الفلسطيني في لبنان وأثر هذا الاستثمار. وتطمح، من جهة ثانية، إلى حثِّ الشباب على التفكير الاستراتيجي والعميق، على المستويين الفردي والجماعي، من خلال استغلال إمكانياتهم والتحديات التي قد تُواجههم. كما تهدف إلى تمكين الجهات المعنية اللبنانية من لحظ مجموعة الإحتمالات والمخاوف القائمة لدى الشباب الفلسطيني. وبالتالي، تسعى إلى تضمين رؤى شاملة وفتح مجال للتعاون الواسع، مع التركيز على توجيهات مُحدَّدة لوضع أسس للعمل الملموس. 
 
الاهداف الرئيسية
 
إحدى أهم غايات هذه الإستراتيجية هو أن يتمتع جميع الشباب الفلسطيني المقيم في لبنان، بالفرص والمهارات والموارد وشبكات الدعم التي تمكنهم من تحسين ظروف حياتهم والانخراط في تنمية مجتمعاتهم، إضافة إلى التأثير في القرارات التي تنعكس عليهم وعلى مستقبلهم. بالإضافة إلى ذلك، تُقدّم هذه الاستراتيجيّة فرصاً للشباب من مختلف الفئات العُمرية في إحداث تأثير إيجابي على بعضهم البعض، مما يُشجّع على تبادل الأفكار في ما بينهم، وتوجيهها لبعضهم البعض. وتسعى اللجنة عملياً الى إنخراط الشباب من سن 16 إلى 35 سنة تقريباً في هذه الإستراتيجية. وقد تم اختيار هذا النطاق الواسع من الاعمار بسبب التهميش المعروف والذي يقر به الجميع لهذه الفئة العمرية، كما بسبب ما تتمتع به من إمكانات وقدرات كامنة. 
 
وتطمح اللجنة عبر الاستراتيجيّة إلى لعب دور فعّال عبر تقديم فهم معمّق للوضع الحالي للشباب الفلسطيني في لبنان، بالإضافة إلى النظر في ما تقوم به مختلف الجهات المعنيَّة في هذا المجال، وصولاً إلى تعزيز عملية تمكين الشباب الفلسطيني عبر تزويدهم بوثيقة صادرة عن جهة رسمية لبنانية، وحاصلة على دعم الأطراف المختلفة، يُمكن أن يستندوا إليها في مشاريعهم المستقبليّة التي تصبُّ في عمليّة التغيير.
 
مبادىء الإستراتيجية
 
ترتكز إستراتيجية لجنة الحوار للنهوض بالشباب الفلسطيني على المبادئ التالية:
1- الشمولية لجميع الشباب الفلسطيني من خلفيات متنوعة، وبغض النظر عن وضعهم القانوني.
2- مساواة النوع الاجتماعي في جميع الأنشطة وإتجاهات العمل.
3- المصالحة بين الشباب الفلسطيني من مختلف الخلفيات، وكذلك بين الشباب الفلسطيني واللبناني.
4- تعزيز التعاون والتواصل بين الشباب الفلسطيني واللبناني.
5- التمكين الفعلي والاستثمار في قيادة الشباب وابتكاراته.
6- إعادة التفكير في كيفية تخصيص وإدارة التمويل، وتوحيد الجهود.
7- تحويل طاقة الشباب إلى عمل لكسب العيش وإحداث فوارق.
8- زيادة أثر التعلم وفرصه، وإشراك جميع الجهات المعنيَّة في مسيرة من التعلُّم المُتبادل.
 
 

خطة العمل
حدّدت الاستراتيجيّة خمسة مجالات عمل أساسية هي: 
1- الاستدامة المالية: شباب فلسطيني مستقل اقتصادياً. حيث تطمح الإستراتيجيّة إلى التخفيف من التهميش، وزيادة فرص حصول الشباب الفلسطيني على عمل، وتعزيز خلق فرص عمل جديدة، وذلك بالتوازي مع العمل المستمر على المستوى السياسي والحقوقي.
2- تغيير السرديات: إعادة صياغة سردية الشباب الفلسطيني في لبنان وتوضيح هوية مُعاصرة للاجئين الفلسطينيين الشباب، واستكشاف وجهات نظر مختلفة من خلال القصص الفردية والجماعية، وتعزيز نشر الإنتاج الثقافي الذي يعكس السرديات الجديدة.
3- ظروف البيئة العمرانية: تعزيز دور الشباب في عملية تحسين ظروف المخيّمات والتجمعات السكنيّة. وذلك من خلال: إيجاد صيغ قانونية تتيح أشكالاً مختلفة من التملك وتعزيز ضمان الحيازة للفلسطينيين ضمن القوانين القائمة، وتحسين ظروف السكن والخدمات الحضرية في المُخيَّمات والتجمعات السكنيَّة، وتنفيذ أعمال مُجتمعيّة لخدمة المساحات العامة بقيادة الشباب.
4- الصحة: تعزيز تلقي الخدمات الصحية واستدامتها، تحسين الصحة النفسية من خلال الهياكل المجتمعية القائمة وتعزيز ودعم العلاقات الاجتماعية، وتشجيع الشباب على التخصص المهني في القطاع الصحي.
5- التعليم: إيجاد حل شامل ومستدام لمواجهة التحديات القائمة في المشهد التعليمي من خلال تعزيز إدارة واستدامة قطاع تعليم الشباب الفلسطيني، وإلحاق نسبة أكبر منه في التعليم النظامي، وتعزيز جودة وفرص التعليم الحر.
 
إطار العمل
تقترح الإستراتيجيّة إطار عمل عبر هيكلة وتنظيم مُساهمات مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال، بهدف ضمان إقرار مجالات العمل الخمسة ومُتابعة تنفيذها. ويتشكل من:
اللجنة التوجيهية الخاصَّة بالإستراتيجيّة. وتضم لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، السفارة الفلسطينية مُمثَّلة بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة، و”الأونروا” مُمثَّلة بوحدة الشباب (شباب “الأونروا”). مهمتها: الإشراف على وضع إطار العمل الذي يضمن تطوير وإقرار الإستراتيجيّة من قبل الجهات المعنيَّة الرئيسيَّة، وضمان استمرار المحادثات المفتوحة مع الفصائل الفلسطينية لإطلاعها على الاستراتيجيّة وعلى مراحل تطوُّرها وتلقّي مُلاحظاتها حولها.
 
– منصّة الجّهات المعنيَّة بالشباب. ويشارك فيها: الجهات المانحة، المنظَّمات الدولية المعنية والمُنظَّمات غير الحكومية الفلسطينية واللبنانية المحلية التي لديها اتصال مباشر بالشباب الفلسطيني، والوزارات والسلطات المحلية التي تلعب دوراً أساسيّاً في التنسيق في مجالات العمل المختلفة. مهامها: التنسيق الفعّال، تصميم البرامج القائمة على الشراكة والتعاون لوضع جدول أعمال مُشترك، تشكيل مجموعة للتمويل المشترك وبناء طريقة تقييم تستند إلى أرض الواقع.
 
– منتدى الشباب الفلسطيني لمتابعة تطوير الإستراتيجيّة وتقديم مساهماتهم حولها، والمشاركة في تعديل أهداف العمل وخططه في كل مرحلة. يشارك فيه الشباب من جميع المناطق من الخلفيَّات المختلفة ويُربطون بشكل مباشر بالجهات المعنية، وتتيح له فرصة التأثير في القرارات المتعلقة بالمشاريع التي تستهدفه.
 
– فريق تنسيق الإستراتيجيّة لتنظيم عمل منصة الجهات المعنيَّة بالشباب ومنتدى متابعة للشباب، ولضمان التواصل المستمر بينهما.
 
تمويل الإستراتيجية
 
تقترح الإستراتيجيّة ثلاث أفكار لخيارات التمويل، مع إمكانية تداخلها:
1- تمويل مُكوّنات استراتيجية بدلاً من سلسلة مشاريع مُحدّدة. والمُواءمة بين الجهات المانحة وبين التمويل، ووضع خطط عمل شاملة ومُفصَّلة وطويلة المدى.
2- إنشاء صندوق تمويل مشترك يضم مساهمات الحكومات والجهات المانحة الرئيسية للتّمويل مُقدَّم من مصادر أخرى، مثل: قطاعات الأعمال، والبرامج المُموَّلة من القطاعين العام والخاص.
3- تطوير نموذج تمويل تراكمي لا مركزي لمبادرات الشباب، لتنفيذ مشاريع تقترحها وتقودها شبكة من الشباب.
ولحظت اللجنة أنه يتوفر سنوياً ما لا يقل عن 15 مليون دولار لتمويل مشاريع حول الشباب بشكل مباشر وغير مباشر، تهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب وتمكينهم. ويظهر اهتمام متزايد للجهات المانحة في الاستثمار في الشباب، يتجلّى ذلك في استراتيجيات من مختلف المانحين الدوليين ووكالات الأمم المتحدة. لكن، وكما عُبِّر في اجتماع الجهات المانحة مع الوكالات التابعة للأمم المتحدة ولجنة الحوار في العام 2016، يجد المانحون تبايناً بين الأهداف المُحدَّدة من التمويل، والأثر الفعلي لكيفيّة إنفاق أموال المانحين، علماً أنَّه يُمكن تحقيق الكثير مع وجود تلك العوامل والموارد المحتملة. وهو ما يتطلب برمجة شاملة للتنمية المستدامة وتشاركية بين المانحين والمستفيدين، ودعم الابتكارات، واعتماد مشاريع مربحة تجارياً. ويُعدُّ هذا الاحتمال واعداً بشكل خاص، لأن جميع هذه الأموال الممنوحة تُشجّع على مشاركة الشباب وتمكينهم. وتأمل لجنة الحوار في أن تقود هذه الإستراتيجيّة إلى تعزيز عملية التمكين والمشاركة هذه ، والنهوض بالشباب الفلسطيني من أجل صياغة مستقبل أفضل يحقق طموحاتهم. 
لمراجعة مسودة الاستراتيجية: