مقال جسور

معاً في مواجهة التحديات

معاً في مواجهة التحديات
*رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني

انقضت سنة ٢٠٢٠ غير مأسوف عليها، وعلى أمل ألا تتكرر. كانت سنة الكوارث والنوازل بامتياز على أنواعها، والتي شملت جميع أرجاء الأرض المعمورة. فقد وجد سكان الكوكب أجمعين أنفسهم في مواجهة وباء لم يسبقه وباء آخر لجهة اتساع رقعة إنتشاره وسرعة تفشيه. وكأنه لم يكفِ أهل هذا الكوكب الحروب والصراعات الدولية والأهلية والفقر وأمواج اللجوء والنزوح والتشرد والظلم والاستبداد، وما تخلفه من ضحايا أبرياء وخسائر في المقدرات ومصادر العيش التي من الصعب أن تعوَّض، حتى جاء وباء الكورونا الكاسح ليعمم تفاصيل الكارثة في كل اتجاه. ويصيب كل المجتمعات البشرية والدول من دون استثناء تقريباً، ويعطل معها المرافق العامة والخاصة، ويجعل همّ الإنسان الرئيس هو حفظ بقائه ولو مقيّد الحرية محجوراً في منزله ومقر إقامته. 

 
قد يكون لبنان بشعبه المنكوب، والمقيمين على أرضه من لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين وغيرهم  بواقعهم الراهن والمأساوي خاصة، صورة مختصرة عن حال البؤس والانهيار المضاعف الذي تعرفه معظم الدول العاجزة عن كبحه، إذ  لم يكن انتشار الوباء وسوء مواجهته سوى نتيجة طبيعية للحال التي أغرقته في بحر متلاطم من الأزمات التي لا تجد حلولاً أو علاجات لها. 
 
لبنان اليوم وفي ذكرى مئوية كيانه، يعيش فعلاً واحدة من اسوأ مراحل تاريخه. إذ لم يحدث أن اجتمعت فيه وعليه كل هذه المصائب والويلات. من اشتداد وتيرة الانقسامات السياسية والمجتمعية، إلى خراب اقتصاده على نحو شبه شامل، وشلل قطاعاته المصرفية والصناعية والزراعية والسياحية والتعليمية، مع انهيار مريع في سعر صرف عملته الوطنية وتفكك  مؤسسات الدولة وتفاقم الفوضى والفقر والبطالة وبلوغ الجوع أكثر من نصف سكانه. وفوق كل ذلك سقوط الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة بأحوال الناس، وفشلها وعجزها حتى عن تشكيل حكومة تتولى ولو من حيث المبدأ إدارة شؤون أزمات البلاد والعباد في هذه الظروف المريرة.
اذا كانت هذه هي أحوال لبنان واللبنانيين مع مطالع العام الجديد، فإن أحوال الفلسطينيين واللاجئين منهم إلى لبنان خصوصاً، هي أشد سوءاً، فلا وطن يجمع شتاتهم، ولا دولة تحميهم وتؤمن لهم الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم،  فيما الاحتلال الاستيطاني الصهيوني يتمدد على ما تبقى من أرضهم وديارهم، ويتوسع بغطاء دولي وبعجز عربي فاضح.
 
وهُم في لبنان، محرومون أساساً من أبسط حقوقهم الإنسانية ومتطلبات الحياة الطبيعية فيه. وجاء تدهور الأوضاع اللبنانية العامة، وانتشار وباء الكورونا ليزيدهم فقراً وعوزاً، وترتفع نسبة البطالة بين صفوفهم وتصل إلى حدود الـ 8٠ %  من قوتهم العاملة. ويضاعف من مأساتهم العجز المتواصل منذ سنوات في موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا، نتيجة إيقاف المساهمة الاميركية بإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في تمويل هذه المؤسسة الأممية، ما أدى إلى تقليصها مساعداتها وخدماتها الصحية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في هذا الظرف العصيب، وعدم دفع كامل مرتبات موظفيها الذين يمثلون شريحة وازنة في حياة واقتصاد مجتمعات اللجوء الفلسطيني. حتى حلم الفلسطينيين بحقهم في العوده إلى أرض وطنهم المغتصب زعزعته عمليات التطبيع بين عدد من الدول العربية واسرائيل، كما زعزعته قبل ذلك حالة الانقسام الفلسطيني المدمرة.
 
لقد مرَّ الشعبان اللبناني والفلسطيني طوال تاريخهما، بفترات ومراحل شهدا فيها الويلات من كل الأنواع، احتلالات وحروب وانقسامات وجوع وفقر وتفكك الدولة والمجتمع بفعل التدخلات وطغيان الاعتبارات الخارجية عربية واقليمية ودولية على مصالحه. ورغم ذلك كله ظلا صامديْن، يعملان من أجل غد أفضل، واثقان من أنه آت لا محالة. وهما اليوم أشد تمسكاً بحقوقهما: الأول بإقامة دولة المؤسسات والعدالة الاجتماعية والتنمية. والثاني حقه في مواجهة الاحتلال، واستعادة أرضه ووطنه وبناء دولته السيدة المستقلة.