مقال جسور

من أجل مواجهة ناجحة لصفقة القرن

من أجل مواجهة ناجحة لصفقة القرن
 
* رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني 
 
لا يقدم الرئيس الأميركي ترامب في ما أسماه “صفقة القرن” أي شيء للفلسطينيين، بل على العكس، يقدم فلسطين وشعبها هدية مجانية لإسرائيل ومشروعها التوسعي الإستيطاني. صحيح أن هذه الصفقة كُتبت وصيغت بأيدٍ أميركية، لكنها في الحقيقة كتبت بقرار وروح إسرائيلية تتجاوب مع توصل إليه غُلاة المشروع اليميني الصهيوني المتطرّف، ممن لا يرون في فلسطين إلاّ مساحة مفرزة لطموحهم العدواني الإستعماري.
 
لقد أخذت صفقة القرن كل شيء من الفلسطينيين: الارض، القدس، حق العودة، الدولة المستقلة، السيادة، حرية التعليم والرأي، العمل السياسي، التنقل، العلاقات الخارجية، والأمن… لقد سلبت هذه الصفقة المسمومة من الفلسطيني الكرامة والطموح والحلم، ولم تقدم له سوى وعود وأوهام بتحسين أحواله المعيشيّة، وكأن الصراع مع إسرائيل الذي ترجم نفسه حروباً متواصلة، كان مجرّد خلاف على مستوى العيش وظروفه، وليس على الأرض والحرية والحق بالحياة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
 
أما لبنانياً، فقط ضربت الصفقة عرض الحائط كل مطالب اللبنانيين حكومة وشعباً، وأهمها إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، حل عادل يستند الى مبادرة السلام العربية، وحق العودة إلى أماكن التهجير، ورفض التوطين بأي شكل من الأشكال. وتكبر مخاوف اللبنانيين والفلسطينيين من سياسات فرض مخططات الصفقة كأمر واقع، متجاوزة الرفض الفلسطيني والعربي واللبناني وحتى الدولي، مراهنة على حال الضعف والتفكك الكياني العربي الشامل، وكذلك الانهيار الإقتصادي والسياسي الذي يعيشه لبنان وتردد المواقف العربية والدولية عموماً أمام الجبروت والطغيان الأميركي.
 
والسؤال المطروح علينا هو كيف ستتم مواجهة صفقة القرن عربياً وفلسطينياً ولبنانياً؟
 
لقد أُعلنت الملامح العامة لصفقة القرن قبل حوالي العامين على الأقل، وظهرت معالمها واتجاهاتها الرئيسة منذ وقتٍ مبكر، ولم تفاجىء نصوصها التفصيلية أحداً، مما يعني أنه كان من المفترض أن تكون الأطراف المعنية، خصوصاً الفلسطينية واللبنانية والعربية، قد أعدّت خطط التصدي لها كمشروع تدميري لفلسطين والمنطقة، إلاّ أنه من الواضح أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل، فهل سيتم الآن، وبعد الإعلان عن بنود الصفقة، صياغة خارطة طريق فعليّة ومتماسكة لمواجهتها على مختلف الصعد؟
 
إنّ المسؤولية الأولى عن مواجهة صفقة القرن، ستقع بالضرورة على الفلسطينيين، قيادات وشعباً. والخطوة الأساسية في هذه الرحلة تبدأ من إنهاء حالة الإنقسام الوطني والسياسي والجغرافي، وتوحيد الرؤية والمسار وتحديد أشكال المواجهة وميادينها، لحماية مكتسبات النضال الفلسطيني الذي بات عمره الآن أكثر من مائة عام. وضمنه أيضاً انتهاج مسار جهود ديبلوماسية نشطة وفعّالة بالإستناد الى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي تضمن حق العودة وبناء الدولة الوطنية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967. والمؤكد أن الأساس في مواجهة الفلسطينيين لتلك الصفقة هو توسيع مساحة المقاومة وبكافة أشكالها في فلسطين المحتلة، وهو ما يتطلّب توافقات من السلطة والفصائل والقوى السياسية على أشكال هذه المواجهة وآلياتها.  
 
اما لبنانياً، ولمواجهة كل أشكال الضغوط الخارجية المحتملة، لا سيما من المدخل الاقتصادي لإرغام  لبنان على السير في مشروع الصفقة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، فيجب تجاوز الرفض الكلامي لكل مندرجاتها، والعمل في اتجاهين، الأول منهما ديبلوماسي يتوجه نحو كسب دعم الأصدقاء الدوليين لموقف لبنان، من دون أن يهمل العمل مع المنظمات والهيئات الدولية، ويستفيد من طاقات المهاجرين اللبنانيين في مختلف أنحاء العالم.
 
أما الثاني، فمدخله إقرار الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وتحسين أوضاعهم المعيشية، ودعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وهو ما بات أهمية ملحة لتصليب الموقف الفلسطيني واللبناني. من أجل القول للعالم أننا فعلاً ضد التوطين مهما كان مستوى الضغوط التي تُمارس علينا، مع ما يرافقه وتوجبه القوانين الدولية والإنسانية من حقوق الإعتراف للاجئين بحقوقهم لتحصيل عيشهم بكرامة والمساهمة في دعم الإقتصاد الوطني اللبناني، في انتظار عودتهم إلى بلادهم. 
 
إنّ ركيزتنا الأساسية هي وضع خطة عمل مشتركة تحدد أطر إستراتيجة مواجهة المحاولات الأميركية والإسرائيلية تتجاوز التضامن الكلامي والشعارات المكررة”.