مقال جسور

من فلسطين: أنا اللاجئة في بلدي!

من فلسطين: أنا اللاجئة في بلدي!
*  ناشطة فلسطينية، فلسطين.

براءة عودة، في الثامنة والعشرين من عمرها، ولدت في مخيم “الدهيشة”*، أكثر المخيمات فقراً واكتظاظاً بالسكان في مدينة بيت لحم. تحكي حكايتها مع هذا المخيم ومع حال اللجوء المؤقت الدائم: 
 
لم أعد أسكن في المخيم.. إلاّ أنني انتمي إليه. أعتبر نفسي “لاجئة داخل”. فالمخيم مجرّد مرحلة مؤقتة فرضت علينا إلى أن تأتي المرحلة الانتقالية إلى الوطن النهائي فلسطين.
 
للاجىء الداخل خصوصية.. صحيح أننا في فلسطين وعلى أرضها، إلاّ أن هناك اختلافاً بين من هو في جزء من وطنه، وليس في كل وطنه. نحن في الداخل مئات الآلاف جئنا من أكثر من خمسمائة قرية، نسكن هنا في مكان بات بمثابة “مجتمع مضيف” للاجىء بحسب تعريف الاونروا.
 
نحن بالنسبة  إلى الآخرين فلسطينيون مختلفون، لأننا في بلدنا ووطننا. يحسدني كُثر أنني في وطني ويعتقدون أننا نعيش في استقرار، ولا نتعامل مع الوجه الاحتلالي لإسرائيل بشكل يومي مثل أهلنا في غزة والضفة.. فعند الكثير من الفلسطينيين ترتبط الهوية بمقدار المعاناة، فمن يعاني أكثر يحق له أن يدّعي بأنه أكثر فلسطينية من آلاخرين، وهذا هو حالنا. نحن نفقد جزءاً من الهوية الفلسطينية في أعين آلاخرين. 
 
غير أن المخيم هو المخيم نفسه في كل مكان،  نرتبط معاً بمقدار ارتباط وتشابه معاناتنا ويومياتنا: نرقص الدبكة الفلسطينية في الأعراس، ونستمع إلى أهالينا يروون لنا عن ماضي ما قبل النكبة، وتدمع أعينهم لنشيد “موطني”.
 اللاجىء يبقى لاجئاً أينما كان. المعاناة هي نفسها. قد تكون البنية التحتية عندنا في مخيمات الداخل أفضل حالاً من الوضع في مخيمات لبنان، حيث الأوضاع الخدماتية سيئة في كل المجالات، وحيث هناك تملص من المسؤوليات، إلاّ أن النظرة إليك كلاجىء هي نفسها ومستقبلك هو نفسه: أن تكون لاجئاً فذلك يعني أنك شخص لا يمكن الوثوق به، وطبعاً أنت آخر من يمكن أن يحصل على فرصة عمل.  لقد درست إدارة أعمال التسويق في جامعة بيت لحم، وما زلت أبحث عن عمل، ولا أملك أساساً خيار العمل حيث اريد. 
 
من لا يعيش في المخيّم صعب أن يفهم ثقافة من يعيش فيه، مجموعة تحمل الهمّ نفسها والأحلام نفسها ويربطها مصير واحد. مجموعة لا تملك منزلاً تحيا فيه ولا ارضاً تدفن بها. لا ترث سوى ذكريات ومفاتيح منازل أحلام. أهالي المخيم يعيشون حياة مؤقتة ودائمة في الوقت نفسه. الأمل هو حافزهم.
 
أطمح دوماً إلى العودة إلى السفلة، في قرى قضاء القدس حيث الشجر والإرث العائلي. زرتها مرة واحدة حيث يسمح لنا العدو زيارة قريتنا في الأعياد فقط ومرة واحدة. لقد هدموا كل ما فيها وحوّلوها إلى محمية طبيعة. عندما زرتها رأيت فيها ما أخبرتني جدتني عنها: شجرة الزيتون الضخمة وشجر الجوز وعين النبع “عين سفلة”. 
 
روت لي جدتي كيف طردوها من منزلها في القرية والتجأت مع الأهالي إلى الجبال، عاشوا سنة كاملة في جبال بيت لحم في أقرب مكان إلى القرية التي كانوا على قناعة بعودتهم إليها. قيل لهم حينذاك بأنهم سيبقون في الخيام لمدة عشرة أيام فقط حتى يتحسن الوضع. إلاّ أن قريتها أحرقت. فالتجأ أهلها إلى مخيم الدهيشة الأقرب إلى السفلة. ثم تشتّتوا.
 
في مخيم الدهيشة، وبالاضافة إلى مشكلتي المياه والكهرباء. نعيش ظروف الاحتلال مع المضايقات اليومية بسبب حواجز الاحتلال المنتشرة على مداخل ومخارج المخيم، والأزمات المتكررة، واعتقال النساء والأطفال، ووضع قيود على حركة الشباب والفتيات.
 
نحن جزء من مجتمع اللاجئين، مجتمع كامل ولكن مشتت، نحمل أينما كنا ذكريات آبائنا وأجدادنا وصور قراهم/ قرانا وأحلامهم هي أحلامنا. نختلف عنهم فقط أننا نحن الشباب نملك طاقة أكبر قليلاً منهم.. قوّتنا هي في تواصلنا والتركيز على النقاط الجامعة لنا في مختلف أماكن وجودنا، وتشكيل مجموعات ذات رؤية واضحة ربما تقودنا في المستقبل إلى وحدة الشارع الفلسطيني واستعادة الوطن.