مقال جسور

مواجهة كورونا في المخيمات الفلسطينية:تجهيز المستشفيات الفلسطينية ومراكز العزل

مواجهة كورونا في المخيمات الفلسطينية:تجهيز المستشفيات الفلسطينية ومراكز العزل
رغم اعلان السلطات اللبنانية عن اقفال البلد لأسبوعين في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني الفائت وتكرار ذلك مع مطلع العام الجديد بعد الأعياد، ولفترة أسابيع، إلا أن عدد الاصابات والوفيات بوباء كوفيد -19 لم ينخفض عما كان عليه قبلها، ما يشير إلى مشكلة تفشٍ مقلقة في البلاد وسط صعوبات يعانيها القطاع الصحي في التفاعل مع الأزمة. وبديهي أن هذه المشكلة لا تقتصر على القرى والبلدات اللبنانية في عموم المحافظات، بل تشمل المخيمات الفلسطينية بطبيعة الحال، وربما أكثر من سواها، بالنظر إلى هشاشة بنيتها المدينية والحضرية وظروف سكانها الصعبة معيشياً، لا سيما وأن معظمهم من المياومين الذين باتوا شبه عاطلين عن العمل، على قاعدة تراجع، إن لم نقل الانهيار في الاقتصاد اللبناني، والتمييز الحاصل في سوق العمل بالأصل.
 
وكانت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني قد أدركت مبكراً، أن لبنان مقبل على موجات من تفشي الوباء مع فصلي الخريف والشتاء. وبناءً عليه، عمدت إلى وضع خطة ” الاستجابة للتصدي لفيروس كوفيد ١٩ داخل المخيمات الفلسطينية”، وتواصلت مع الشركاء الدوليين والمحليين وخصوصاً وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الاونروا، وجملة منظمات الأمم المتحدة المعنية والدول المانحة والسفارة الفلسطينية، ووزارة الصحة اللبنانية من أجل إدخال المخيمات الفلسطينية في خطتها العامة لمواجهة الوباء. وأطلقت من خلال تواصلها هذا  بحثاً متعدد الأطراف حول الوضع الصحي في المخيمات في واقعه، وما هو مقبل عليه. لاسيما وأن المخيمات الفلسطينية أكثر عرضة من سواها للوباء. خصوصاً وأن الحكومة اللبنانية لا تملك مد يد العون لجهة تحسين وسائل الاستعداد والاستجابة للتحدي. ويتضاعف المأزق مع الكثافة السكانية العالية التي تعيشها المخيمات والتجمعات الفلسطينية، حيث تتجاوز الـ ٨٠ الف شخص للكيلومتر المربع الواحد، في مقابل ٢٢ ألفاً كمعدل وسطي في المدن اللبنانية. الأمر الذي يعزِّز احتمال انتشار العدوى، إذ يعيش اللاجئون الفلسطينيون كأسر ممتدة مؤلفة من الجد والجدة والأب والأم والأبناء سواء أكانوا متزوجين أم لا في مسكن واحد ضيِّق. مع ضرورة الإشارة إلى أن المخيمات تضم إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لاجئون من مخيمات سوريا وسوريين وجنسيات مختلفة. ويضاعف ذلك سوء البنية التحتية، لجهة تعذر إجراءات الوقاية والحماية وضعف إمكانية الضبط الأمني بسبب غياب الأجهزة الرقابية والأمنية داخل تلك المخيمات.
 
هذه وسواها، كالوضع المهني والوظيفي والاجتماعي الكارثي تجعل المخيمات بيئة ملائمة لانتشار العدوى بفيروس كوفيد ١٩. وهو ما دفع لجنة الحوار مع مجموعة من خبراء الأوبئة إلى وضع تقديرات أعلى لمتوسط الإصابات عن تلك المعتمدة على مجمل الأراضي اللبنانية. وقد استندت التقديرات على بيانات التعداد العام في المخيمات والتجمعات الفلسطينية الذي انجزته اللجنة في العام ٢٠١٧ بالشراكة مع إدارة الإحصاء المركزي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والتي حددت عدد اللاجئين بـ174442 ألفاً يضاف إليهم 28 ألف لاجئ من سوريا هذا عدا غير الفلسطينيين.

التجربة والخطة والأولويات
 
طرحت لجنة الحوار خطتها وتوصياتها لتحسين الاستجابة للوضع القائم والمقبل، عبر الاستفادة من دروس التجربة الأولى، بالتقاطع  مع خطة الاستجابة التي وضعتها الاونروا، ونداء الطوارئ الذي اطلقته الأمم المتحدة في لبنان، والخطة الوطنية التي أعدتها خلية الازمة في وزارة الصحة. وتحقيقاً لذلك وضعت اللجنة أولويتين لعملها: الأولى منهما تستهدف دعم جهوزية واستجابة النظام الصحي الفلسطيني لعملية التأقلم مع حالة الطوارئ، بعد أن كشفت الموجة الأولى عن وجود ثغرات متعددة في الاستجابة للحاجات والجهوزية الطبية للهيئات المعنية، لجهة نقص التجهيزات وقدرات الفحص والعلاج. وكذلك وجود نقص في الموارد البشرية المؤهلة بما هي الأطقم الطبية والتمريضية والاسعافية المدربة، وتأمين التجهيزات المادية بما هي تأهيل المستشفيات وإعداد مراكز عزل إضافية، تحوي غرف انعاش وما يلزم الحجر، ومختبرات إجراء الفحوصات وسيارات اسعاف. 
أما الأولوية الثانية فتتعلق بالتفلت الذي شهدته المخيمات من إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق، بالنظر إلى حاجة السكان للخروج إلى العمل رغم مخاطره، معطوفاً على قلة الوعي حول خطورة الفيروس، ما يستوجب تنظيم وتكثيف حملات التوعية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية واللجان المحلية وعبر مختلف الوسائط،، على أن تتضمن كيفية التعامل مع حالات الاشتباه وكيفية التبليغ عنها. وكلا الأمرين يتطلبان رصد موازنة طارئة لتغطية متطلبات اأكلاف الوقائية والعلاجية.
 
ومهام من هذا النوع تتطلب تضافر جهود أطراف عدة مسؤولة عن النهوض بها بما هي: الاونروا وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي واليونيسيف والدول المانحة التي يمكن لها المساهمة في تكاليف التأهيل والتجهيز، ووزارة الصحة اللبنانية وسفارة فلسطين وعموم فصائل ولجان المجتمع الفلسطيني في المخيمات، وكلٌ منها لها دورها. وبناءً عليه، تشكلت اللجنة العليا للاستجابة لأزمة فيروس كورونا في المخيمات الفلسطينية التي ترأسها لجنة الحوار بمشاركة الأطراف المعنية، وعقدت اجتماعها الأول في 26/ 10 / 2020، وهو الاجتماع الذي كان مدخلاً لاجتماعات مكثفة متلاحقة.
 
يتمحور مشروع اللجنة على تأمين وتشغيل مراكز حجر (عددها خمسة) في كل من مستشفيي صفد الجديد وجديتا بواقع 71 سريراً و مراكز سبلين والسموع والبص بواقع 256 سريراً، وبمجموع إجمالي قدره  327 سريراً، وتأمين تجهيزمستشفيي الهمشري، التابع  للهلال الأحمر الفلسطيني، والنداء الانساني في عين الحلوة وتزويدهما بوحدات عناية فائقة عددها 12، وتوسيع قاعدة التعاون والتنسيق بين الاونروا ووزارة الصحة والمستشفيات اللبنانية، حكومية وخاصة. ومع الهيئات الدولية  كمنظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود، وإمدادها  بالمزيد من أجهزة التنفس الاصطناعي ومختبرات فحص الـ pcr، ودعم وتقوية أنشطة الترصد الوبائي ورفع قدرة إجراء الفحوص المخبرية وتدريب الأطباء والممرضين وأطقم الاسعاف وتوفير تجهيز سيارات اسعاف لنقل المصابين. 
 
وعرضت خلال الاجتماعات المتعددة تفاصيل اتفاقيتي الشراكة اللتين عقدتهما لجنة الحوار مع كل من النجدة الشعبية اللبنانية (جديتا – البقاع) والهلال الاحمر الفلسطيني (مستشفى صفد الجديد في البداوي) بهدف تطوير قدرات النظام الصحي الفلسطيني على التعامل مع الفيروس، ودعم الجهوزية الطبية في مجالات الفحص والعزل والعلاج، بالاضافة إلى التدريب الفني اللازم. وكانت اللجنة قد أعلنت تغطية كلفة 12 ألف فحص للمخالطين، كما سلمت الهلال الاحمر الفلسطيني 20 ألف فحص PCR للمشتبه باصابتهم بالعدوى بين اللاجئين الفلسطينيين في مستشفى صفد، وسيارتي اسعاف. وتأمين المعدات الطبية اللازمة لمستشفى الهمشري. وأيضاً تلبية طلب الاونروا لتعزيز أطقمها الطبية في مراكزها.
 
المؤكد إن تفشي “كورونا” في المخيمات الفلسطينية بات مثله مثل التفشي الذي تشهده المناطق اللبنانية كافة، مع كل العوامل الحضرية السلبية التي تجعل من خطره مضاعفاً. ما يؤكد على أهمية تضافر مختلف الجهود لكبح جماحه المنفلت، وسط ظروف أقل ما يقال فيها أنها بالغة الصعوبة والتعقيد على الصعيدين الفلسطيني واللبناني.