مقال جسور

هل أميركا والمجتمع الدولي مستعدان للالتزام بالقرارات الأممية؟

هل أميركا والمجتمع الدولي مستعدان للالتزام بالقرارات الأممية؟
* الإتحاد العام للمرأة الفلسطينينة – فرع لبنان

على مدى 73 عاماً من النضال الوطني الفلسطيني لم يتوقف الشعب الفلسطيني يوماً عن الدفاع عن حقوقه لتثبيت رسالته للعالم، وأبسطها حقه في الحياة، حقه في الكرامة وحقه في وجوده على أرضه في وطن حر، سيد، مستقل.

 
خلال كل هذه السنوات الطويلة وحتى الآن لم يستطع الكيان الاسرائيلي هزيمة الوعي الفلسطيني، وتفكيك انتمائه الوطني رغم إدعاءات قادة العدو الباطلة واليائسة بأن كبارنا سيموتون وصغارنا سينسون إلا اننا وبمرور السنوات لا نزداد إلا وعياً وتشبثاً بموروثاتنا وثقافتنا وحقنا، وكبارنا يؤرخون وصغارنا يبنون على أسس الهوية الفلسطينية للتحرير والعودة وبناء الدولة، ويستمر شعبنا في مواجهة جبروت وعنصرية ووحشية الاحتلال والانتهاكات، من قتل واعتقال وتوسُّع استيطاني إحلالي إلى استهداف مدينة القدس وتهويد معالمها، والذي أدى إلى هبة جماهيرية واسعة في حي الشيخ جرّاح والمسجد الأقصى، وعلى أثر ذلك انتفض الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وغزة وداخل الخط الأخضر لنصرة أهلنا في المدينة المقدّسة بصورة غير مسبوقة، ممّا أعاد القضية الفلسطينية لزخمها ووهجها وتصدّرت المشهد الدولي الذي فضح إصرار قوات الاحتلال على سرقة بيوت المقدسيين التي ورثوها عن أجدادهم في محاولة لتهجيرهم القسري واقتلاعهم، منتهجاً سياسة التمييز العنصري والتطهير العرقي في محاولة لتصفية الوجود الفلسطيني وطمس الهوية. 
 
وما جرى في العدوان الاسرائيلي الهمجي على أهلنا في قطاع غزة والذي يدلّل على شهوة القتل لدى هذا الكيان، مستهدفاً كل عناصر ومقوّمات الحياة الانسانية من خطوط المياه، والكهرباء، والمستشفيات، والمصانع، والمؤسسات الإعلامية، وقصف الأبنية على رؤوس ساكنيها من المدنيين العُزّل من الأطفال والنساء وكبار السن.
 
لا شك ان هذا الوضع ساهم إلى حد كبير في تشكيل وعي عام فلسطيني، وعزّز التضامن الدولي الرافض لاستمرار العدوان الاسرائيلي على شعبنا في كل فلسطين، وتفاعُل شعوب العالم الحرة مع قضيتنا العادلة التي تصدّرت الأحداث الدولية، كل هذا التأييد جاء نتيجةً لصمود شعبنا ومقاومته الباسلة المتعددة الأشكال والأدوات، ووحْدته الوطنية التي تعتبر شرطاً أساسياً من شروط الانتصار.
 
الآن وفي هذا المجال لا بدّ من التركيز على الدور الكبير للجهود الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية التي قامت بكل مكوناتها باستخدام كافة المنصات الحقوقية والقانونية المتاحة، إلى جانب دور كل المنظمات العربية والإسلامية والدولية المناصرة للحق الفلسطيني التي يجب العمل على تعزيزها، لتساهم في عملية عدم إفلات مجرمي الحرب الاسرائيلين من العقاب، والذي كان آخرها قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم الاحتلال، ممّا أثار جنون قادتهم، وتأتي أهمية هذه اللجنة انها شملت أيضاً الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر.
 
ان ما يميّز الوضع الحالي، ان أكاذيب اسرائيل وادعاءاتها لم تعُد تنطلي على أحد وتكشّفت طبيعتها العدوانية الاستعمارية العنصرية.
 
لا شك ان الحراك الشعبي الدولي في عواصم العالم الذي يدين الجرائم الاسرائيلية له أثر كبير في تغيير معادلة الصراع حيث كانت اسرائيل تطرح نفسها دائماً كضحية، وأن أمنها خط أحمر، وفوق كل اعتبار بدعم أميركي غير محدود منذ احتلال فلسطين، وهذا ما يدفعه لتحدي كل الأعراف الإنسانية والاتفاقيات والقانون الدولي.
 
وهنا نتساءل هل الحراك الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية هو من أجل إدارة الصراع، أو العمل على إنهاء الظلم التاريخي الذي يَلحق بالشعب الفلسطيني رغم اعترافها بأن القدس والضفة الغربية أراضٍ محتلّة؟ هل ستنجح في إجبار قوات الاحتلال بالانسحاب من أراضي عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس خالية من المستوطنات والاستيطان؟ وهل المجتمع الدولي على استعداد لاتخاذ قرار عملي للضغط على اسرائيل وإلزامها بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة؟
 
من خلال التجربة مع السياسة الأميركية فإنها تؤكد دائماً على شراكتها الكاملة مع الكيان الاسرائيلي والتي لم تتوقف لحظة واحدة عن دعمهِ على كافة المستويات وهذا ما مكّن سلطة الاحتلال ان تكرّس نفسها دولة مارقة فوق القانون. السيناريوهات المطروحة متعدّدة، ومصالح الدول الكبرى في تنافسٍ حاد، والصراع مفتوح على كل الاحتمالات، وتبقى أميركا والمجتمع الدولي على المحك.
 
لذا يبقى الرهان الأساسي على الشعب الفلسطيني بكل فصائله ومكوّناته وقواه الحيّة، وقيادته التي تمتلك الإرادة والإيمان الراسخ بقوة الحق وبالثوابت الوطنية وتضحيات الشهداء وصمود الأسرى، ومقاومته الشعبية وبوحدته الوطنية التي هي الشرط الأساسي للانتصار، مع ضرورة تعزيزها وتفعيلها في إطار م. ت. ف. الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعنوان نضاله، على أساس الشراكة الكاملة، وتعزيز وتجديد مؤسساتها الوطنية، وضرورة إجراء حوار وطني شامل بين كافة الفصائل الفلسطينية، بهدف وضع استراتيجية وطنية عِبر الاتفاق على الآليات والأشكال والأدوات النضالية، وتحديد الأولويات ضمن الامكانيات المتاحة التي تخدم مصلحة القضية في مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية ومؤامرة التطبيع وكافة التحديات التي تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني.