مقال جسور
هل من حقّك كشاب فلسطيني أن تشارك في صنع القرار؟
* من شباب مخيم الرشيدية
ما الذي يشغلك إلى هذا الحدّ يا أحمد؟ ولماذا تصرّ على أنه من حقّك كشاب فلسطيني أن تشارك في صنع القرار؟ هذه هي حياتك من دون مشاركة، ماذا ينقصها؟ وهل لهذه القضية ذلك الأثر الكبير عليك؟ سؤالٌ في معرض الحديث كان مع إيمان!
ماذا يعني يا إيمان أن لا يكون لك دورٌ بما يدور من حولك؟ دعك من فلسطين للحظة. ضعيها جانباً، أنا أحدّثك هنا عن المخيم، عنّا كلاجئين في هذا البلد. ما معنى أن تكوني دائماً في حالة انتظار؟ تنتظرين آخرين كي يقرروا مصيرك! وكأنه لا يعنيك أثر ما يقررون، لا على يومك ولا على غدك؟ ماذا لو قرر هؤلاء الآخرون ما لا تريدينه أنتِ؟
تشعرين يا إيمان أنك تكبرين، ملامح الشباب تذوب فوق وجهك، صار أولادك يختارون ملابسهم بأنفسهم، وكثيرٌ من اصدقائك لم يعودوا هنا، يرسلون لك صورهم من شارع العرب في المانيا، أو من أمام شلاّلات نياغرا في كندا أو شارع ادجور رود في لندن. ربما لم يبقَ منهم أحد غيرك في المخيم! وانتِ حتى هذه اللحظة لم يكن لكِ ولو لمرّة واحدة رأيٌ، ولم يسألكِ احدٌ من أولئك الذين نصّبوا أنفسهم ولاة أمرك، لم يسألوكِ مرةً ماذا تريدين!
لقد درست يا إيمان، تخرّجت من إحدى الجامعات هنا، كنتِ محظوظةً في أن تجدي لكِ وظيفة. وأصبح لديك بعض العلاقات التي مكّنتك من أن تكوني منتجة في مكان ما. أنتِ نشيطة تحبّين المخيم وتحبّين أهله. هُم أهلكِ أيضاً، تتمنين وتسعين أن يكون هذا المكان أفضل ولو قليلاً إلى حين تتركينه أو يترككِ. لكنكِ عبثاً تحاولين فهم السبيل إلى ذلك. ما هي الطريقة التي يمكنك من خلالها أن تجعليه كذلك. كيف يا الله يمكنني كشاب أو شابة فلسطينيّة في المخيم أن أقول لهم كيف؟ وكيف لهم أن يسمعوا صوتي؟ عبثاً تحاولين!
لا تنظري إلى رئيس وزراء كندا وتقولي إنه في الثامنة والأربعين فقط من العمر. هو ليس شابّاً إلى ذلك الحد، لكنه أكثر من شاب إذا ما نظرتي إلى من يجلسون وراء طاولاتنا. لا تقولي إن الرئيس الفرنسي عمره تسع وثلاثون سنة وإن رئيسة وزراء نيوزيلندا عمرها سبع وثلاثون سنة. لا تنظري إلى رئيس وزراء إيرلندا الذي كان أصغر رئيس وزراء لتلك الجمهورية وتقولي إنه كان يبلغ من العمر ثماني وثلاثين سنة فقط. دعكِ منهم. أنتِ حتى اليوم لا تعرفين كيف يمكنك أن تكوني عضواً في اللجنة الشعبية في المخيم!
لا يمكننا المشاركة يا إيمان. ولكنه ممنوع علينا أيضاً أن نبدي رأينا بمن تسلّقوا تلك الطاولات على الرغم من تسابق الأزمات في مخيّماتنا، والتي لم يفلحوا في إدارة أبسطها. لا يجوز لكِ توجيه النقد إليهم، ولا محاسبتهم حتى مع تعاظم سوء ذلك الأداء!.
تسمعين أحاديث الناس عن تقصير وكالة “الأونروا”، وتشكو لكِ إحداهن عن قلّة فرص العمل بعد أن نالت شهادة في هندسة الديكور. وصديقك أستاذ الدروس الخصوصيّة في أحد مراكز التعليم، يكاد يفقد صوابه مما آلت إليه مستويات التعليم من تدنٍ في المخيّمات. حين تقفين على حاجز المخيم في انتظار الدخول، تقرأين تلك اللائحة التي كتب عليها ممنوع إدخال مواد البناء. ممنوع إدخال مولّدات الكهرباء. ممنوع دخول الأجانب. أصبح إسم جمال الغلاييني، سمسار السفر إلى أوروبا، من أكثر الأسماء المعروفة في المخيم، وشباب المخيم ينتظرون مواعيدهم ليزوروا مكاتبه. سلاحٌ متفلّت ومخدرات أودت بحياة الكثيرين من شبابنا في المخيّمات. يدقّ بعدها جرس هاتفك، يطلب منك أحدهم أن تدلّيه على جمعية خيريّة، أو فاعل خير يساعده في تسديد كلفة العلاج لوالدته المريضة. نكاد نصل إلى النفَس الأخير يا إيمان! وحين يرتفع صوتكِ من كل ذلك الوجع لتقولي إن تلك الحياة لا تصلح أن تبني أجيالاً تحرّر البلاد، تصبحين عدوّة البلاد وهادمة للمشروع الوطني والمفرِّطة بالثوابت. تُتهمين بأنكِ من أصحاب الأجندات الخارجية. تقولين حسناً، وما هي تلك الأجندات الخارجية التي أنا صاحبتها؟ ولكي أهوّن عليكم، بالله عليكم قولوا لي ما هي الأجندات الداخلية التي أنتم أصحابها؟ ستسمعين عندها فقط صدى صوتكِ يخرج من الزاروب الآخر!.
هؤلاء الناس، وظيفتهم التي يتقاضون أجرها، هي أن يحلّو مشاكلنا. أن يحسّنوا ظروف عيشنا. أن يحمونا. كل موازناتهم وامتيازاتهم وسياراتهم وحرّاسهم، هي من أجلنا نحن. من أجل أن نحيا حياة كريمة! أين أصبحت كرامتنا؟ أنظري إلينا، أيرضيكِ ما وصلنا اليه؟.
أنا أدرك تماماً صعوبة الظروف وتعقيداتها. ولكني أعرف حتماً أننا المسؤولون الأوائل عمّا نحن فيه. وأعرف أيضاً وجداً، أن مقدار الصعوبة والتعقيد يتطلّب قادةً ومسؤولين لديهم المؤهلات والكفاءات والعزيمة والإرادة التي تكون بحجم ذلك كله. أتعلمين أنه ما زال لدينا وُلاة أمر لا يقدرون على الكتابة؟ هم فقط هناك لأنهم اطلقوا النار مرةً أو مرات على أعدائنا، وكان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي. وهناك وقف الزمان بهم وتركونا!.
لا أعلم من المستفيد من هذا كله. ربّما أعرف، ولكنني متأكد أنه ليس نحن.
لا أعلم من المستفيد من هذا كله. ربّما أعرف، ولكنني متأكد أنه ليس نحن.
هو حقي وحقنا جميعاً أن نقرر ماذا نريد ومتى وكيف. هذه طبيعتنا كبشر. إلاّ إذا كنا قد صدّقنا أننا لسنا بشراً طبيعيين ولا يحقّ لنا ما يحقّ لهم!
ما أعرفه هو أنني انسان طبيعي، وسابقى أسعى لأن أحافظ على نفسي كذلك!