مقال جسور

“الأونروا” والمسؤولية الدولية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين

“الأونروا” والمسؤولية الدولية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين

علي هويدي

باحث فلسطيني – مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين

ارتبط عمل وكالة “الأونروا” بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى البيوت التي طردوا منها إبان النكبة في العام 1948 كوكالة مؤقتة يفترض أن تقوم بدورها في تقديم الخدمات الإنسانية لمدة سنة كحدّ أقصى خلالها يجري العمل على إعادة اللاجئين إلى بيوتهم بالتنسيق مع “لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين” (UNCCP) التي تشكلت من أميركا وتركيا وفرنسا كجزء من القرار 194 لسنة 1948 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، فديباجة قرار إنشاء “الأونروا” رقم 302 لسنة 1948 والفقرة الخامسة، والفقرة العشرين منه يشيرون إلى أن عمل وكالة “الأونروا” يجب ألا يؤثر على تطبيق القرار الأممي رقم 194 إلا أن “لجنة التوفيق” قد تعطّل دورها منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي.

يمثل استمرار عمل “الأونروا” لأكثر من 74 سنة فشلاً ذريعاً وعجزاً غير مسبوق للأمم المتحدة وللأسرة الدولية التي أخذت على عاتقها حماية اللاجئين الفلسطينيين وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، والتي تتعرض لضغط هائل من اللوبي الإسرائيلي لعدم تنفيذ تلك القرارات، لا سيما القرار 194 الذي ارتبط تنفيذه من قبل دولة الإحتلال بشرعية وجوده في الأمم المتحدة.

استهداف “الأونروا” منهجية مستمرة

وصلت ذروة استهداف اللوبي المعادي للأونروا مع مجيء الرئيس الأميركي ترامب نهاية العام 2017 الذي اعتبر أن وجود “الأونروا” يكرس وجود اللاجئين، وبالتالي يؤبد الصراع مع الفلسطينيين، وهذا يعني استحالة قيام الدولة اليهودية، لان هناك أكثر من 8 مليون لاجئ يريدون العودة وبأنهم يشكلون عقبة بقاء “إسرائيل” نقية كدولة يهودية، لذا يجب إنهاء عمل “الأونروا” وإعادة تعريف الاجئ الفلسطيني، ومن ثمّ وقف المساهمة المالية الأميركية للوكالة والتي تقدر بـ 359 مليون دولار كانت تمثل حوالي ثلث الميزانية السنوية للأونروا.

مع وصول بايدن الديموقراطي إلى الرئاسة، لم تتغير الرؤية الأميركية ودولة الإحتلال من مستقبل “الأونروا” وقضية اللاجئين، ولكن تغير الأسوب وتغيرت المنهجية. استئناف الدعم المالي للأونروا من قبل إدارة بادين (319 مليون دولار لسنة 2021) سببه محاولة للسيطرة أو إدارة الصراع، بمعنى إذا لم تُقدم للاجئين خدمات طبية وتعليمية وإغاثة وغيره فهذا الملف سينفجر في المنطقة، وبهذا المعنى لم يكن إستئناف الدعم الأميركي رأفة بالفلسطينيين، في الوقت الذي تريد فيه الإدارة الأميركية التفرغ فيه الى ملفاتها الداخلية.

إحالة خدمات الأونروا الى منظمات أخرى: المخاطر والمحاذير

على الرغم من قلتها والتراجع في تقديماتها نتيجة العجز المالي المزمن الذي تعاني منه؛ لا يستطيع أحد أن ينكر حجم وأهمية الخدمات التي تقدمها وكالة “الأونروا” للاجئين الفلسطينيين، فهي تقدم الوظائف لأكثر من 28 ألف موظف من اللاجئين الفلسطينيين وخدمات الصحة والتعليم المجاني لأكثر من نصف مليون طالب وطالبة وغيرها من الخدمات.

في رسالته الى اللاجئين الفلسطينيين بتاريخ 14/4/2022 وبسبب العجز المالي للأونروا والتراجع في جودة الخدمات والإشارة إلى أن “الأونروا” قد أوشكت على الإنهيار، اقترح المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني “إحالة خدمات تقدمها الوكالة الى منظمات أممية أخرى بالإنابة وتحت اشراف “الأونروا”، وهذا الاقتراح يعني التدرج باعتماد “الأونروا” على ما تقدمه المنظمات الأممية من مساعدات وليس من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وهنا مكمن الخطر. المساهمات المالية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة في ميزانية “الأونروا” – وإن كان تطوعياً – يتجاوز معناه الإنساني على أهميته، هو عملياً تعبير عن المسؤولية السياسية الدولية تجاه قضية اللاجئين حصراً، وبهذا المعنى فإن تحويل هذه المساهمات المالية من الدعم الحكومي إلى المنظمات والوكالات الأممية ومنظمات المجتمع المدني… يحوّل قضية اللاجئين الفلسطينيين الى قضية إنسانية!

من المخرجات المتوقعة في حال تنفيذ مقترح المفوض العام للأونروا؟

أولاً، سيطرأ تحسن ملحوظ للخدمات التي تقدمها “الأونروا” وفي كافة الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثة والبنى التحتية والتوظيف وغيرها وستتدفق الأموال، طالما أن الصحة سيتكفلها برنامج الصحة العالمي مثلاً، والتعليم للأونيسكو، والأطفال لليونيسف، والأمن لليونيفيل (لبنان) وهكذا.. تماماً كما حصل مع “الأونروا” و”برنامج تنفيذ السلام (PIP) ” بعد اتفاق أوسلو سنة 1994…

ثانياً: بهذه الخدمات الإنسانية سيجري تفكيك “الأونروا” ويصبح وجود الوكالة في الجمعية العامة تدريجيا وجوداً معنوياً معطلاً، ومن ثم تحويل قضية اللاجئين إلى ملف حالات اللجوء التي حدثت وتحدث، لأسباب غير السبب الرئيسي، ويصبح الإنتقال تدريجياً إلى اعتماد اللاجئين على الخدمات التي تقدمها المنظمات الأممية بالتنسيق مع الدول المضيفة تمهيداً للتوطين وإنهاء حق العودة.

الأونروا، إذن، ليست قضية لاجئين فحسب وإنما هي قضية سياسية ومبدئية من الدرجة الأولى، قضية لها علاقة مباشرة بجوهر القضية الفلسطينية، ومن ثم فإن كل من يفرط بها، أو يتنازل عنها، أو يبحث عن بديل لها، يرتكب خيانة بحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وينتهك القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والأهم أنه يقترف جريمة تمهد لمشاريع توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم. لذلك دور المفوض العام للأونروا وبالتنسيق مع كل من الأمانة العامة للأمم المتحدة، والجمعية العامة، واللجنة الاستشارية للأونروا والدول المضيفة للاجئين والمرجعيات الفلسطينية سواء كانت أهلية أو سياسية هو البحث في كافة السبل التي من شأنها الحصول على المبالغ المطلوبة لتغطية احتياجات أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني، وليس البحث عن حلول يمكن أن تهدد مستقبل “الأونروا” وولايتها.

المجتمع الدولي وتمويل “الأونروا”

ونحن على أعتاب التصويت الجديد لتمديد تفويض عمل وكالة “الأونروا” في كانون أول/ديسمبر 2022، نتوقع أن يستمر الدعم المعنوي والسياسي للوكالة وأن يجري التمديد لعملها لثلاث سنوات جديدة، لكن منهجية محاصرة الوكالة ماليًا والإسهام في إضعاف دورها سيستمر، إذ لا مؤشرات توحي بغير ذلك، لا بل خفضت دول خليجية دعمها ومساهماتها المالية لأكثر من النصف، إذ تراجع تمويل دولتيْ قطر (17 مليون دولار فقط حتى تاريخ 10/11/2021) والكويت (21.5 مليون دولار عن سنوات 2020 و 2021 و 2022)، وإجمالاً تكرار لعدم التزام الدول العربية بما نسبته 7.8% من الميزانية العامة للأونروا والذي توقف منذ العام 1998، عدا عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أوقفت مساهماتها المالية للأونروا كلياً ابتداءً من شباط/فبراير 2021 “لحين اتخاذ خطوات لإدارة الأموال بكفاءة أكبر”.

 نحذر من تفاقم حجم الأزمة المالية للوكالة والتي ستأخذ منحىً مختلفا مع حرب روسيا وأوكرانيا، والتذرع بأن أموال الدول المانحة ستذهب لتغطية حاجات اللاجئين الأوكرانيين كأولوية. ونعتقد بأن الأموال متوفرة وكافية لدى الدول المانحة فقد استطاعت الأمم المتحدة جمع مبلغ مليار و 200 مليون دولار للاجئين الأوكرانيين في أيام الحرب الأولى، وهي قادرة – لو أرادت – على جمع المبالغ الكافية لتغطية العجز المالي لـ “الأونروا”. وهذا يتطلب استنهاض الهمم من قبل “الأونروا” نفسها ممثلة بالمفوض العام، ومن قبل الأمين العام للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.. واللجنة الاستشارية للأونروا التي يجب أن تمارس دورها في وضع الحلول المناسبة التي تصب في صالح اللاجئين الفلسطينيين واستمرار خدمات “الأونروا”، كما وأنه على الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين أن تمارس كافة الضغوط السياسية والاعلامية بهدف تثبيت عمل الوكالة وفق الولاية الممنوحة لها من الجمعية الجمعية العامة ورفض أي بدائل أخرى.

 يتساءل اللاجئون الفلسطينيون، وبقلق، عن إمكانية استحضار المجتمع الدولي لأهمية دور وكالة “الأونروا” على المستوى الانساني والسياسي والقانوني تجاههم، وعن الدفع باتجاه دعم الوكالة على المستوى المعنوي والمادي كي تقوم بدورها كاملاً إلى حين العودة، أم أن الخذلان الأممي تجاههم سيستمر، وبالتالي استمرار فقدان ثقتهم بالمجتمع الدولي؟!