الشباب الفلسطيني في لبنان هل من يعلق الجرس

أن‭ ‬تصل‭ ‬الحال‭ ‬بشاب‭ ‬عشريني‭ ‬فلسطيني‭ ‬كفيف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬للهجرة‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬شرعية،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المجازفة‭ ‬والمخاطر،‭ ‬فهذا‭ ‬يلخّص‭ ‬اليأس‭ ‬وانعدام‭ ‬الأفق‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬اللاجىء‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

إعاقة‭ ‬شادي‭ ‬سعيد‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تشكّل‭ ‬عقبة‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬لا‭ ‬تردعه‭ ‬أو‭ ‬تثنيه‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الهجرة‭. ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬أي‭ ‬شيء‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬لبنان‮»‬‭.‬

تخرَّج‭ ‬شادي‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬صيدا،‭ ‬وراح‭ ‬يبحث‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬عمل‭. ‬لا‭ ‬إعاقته‭ ‬ولا‭ ‬كونه‭ ‬لاجئاً‭ ‬فلسطينياً‭ ‬كانتا‭ ‬لتقفا‭ ‬عقبة‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬طموحاته،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أصيب‭ ‬بخيبات‭ ‬أمل‭ ‬متتالية‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬إيجاد‭ ‬وظيفة‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يستسلم،‭ ‬بل‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬مشروعاً‭ ‬متواضعاً‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬مخيم‭ ‬عين‭ ‬الحلوة‭ ‬حيث‭ ‬يقيم،‭ ‬إلَّا‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬بدل‭ ‬إيجارات‭ ‬المحالِّ‭ ‬أجبره‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭. ‬

لم‭ ‬يتوان‭ ‬عن‭ ‬الالتحاق‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الدورات‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬أسير‭ ‬ظروفه‭ ‬الصعبة‭. ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬أحداً‭ ‬إلا‭ ‬وطلب‭ ‬منه‭ ‬مساعدة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬عمل‭ ‬شريف‭ ‬يكسبه‭ ‬لقمة‭ ‬عيشه‭ ‬ولكن‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭. ‬

شادي‭ ‬ليس‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭. ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬يختزل‭ ‬أحلامه‭ ‬حالياً‭ ‬بالهجرة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬يضمن‭ ‬له،‭ ‬أو‭ ‬لها،‭ ‬العيش‭ ‬بكرامة‭.

‬ وفقاً‭ ‬لدراسة‭ ‬ميدانية‭ ‬أجرتها‭ ‬‮«‬المؤسسة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‮»‬‭ (‬شاهد‭)‬‭(‬1‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬70.3‭ %‬‭ ‬من‭ ‬الفئة‭ ‬العمرية‭ ‬بين‭ ‬20-18‭ ‬سوف‭ ‬يهاجرون‭ ‬إن‭ ‬واتتهم‭ ‬الفرصة‭. ‬مشاعر‭ ‬الغضب‭ ‬والمرارة‭ ‬يستشعرها‭ ‬المرء‭ ‬لدى‭ ‬حديثه‭ ‬مع‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬فبنظرهم‭ ‬،‭ ‬هم‭ ‬يدفعون‭ ‬فاتورة‭ ‬قوانين‭ ‬لبنانية‭ ‬جائرة‭ ‬منذ‭ ‬اللجوء‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948،‭ ‬تحرمهم‭ ‬من‭ ‬غالبية‭ ‬حقوقهم‭ ‬المدنية‭. ‬

ورث‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬عن‭ ‬أهلهم‭ ‬إرثاً‭ ‬ثقيلاً‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬72‭ ‬وظيفة‭ ‬ومهنة،‭ ‬ومن‭ ‬التملّك‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬المخيمات،‭ ‬ويقيِّد‭ ‬حركتهم،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬عبر‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬تنتشر‭ ‬على‭ ‬مداخل‭ ‬مخيماتهم،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدقيق‭ ‬الدائم‭ ‬بأوراقهم‭ ‬الثبوتية،‭ ‬ويهمِّشهم‭ ‬اجتماعياً‭ ‬واقتصادياً‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬ضدهم‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجتمع‭ ‬المضيف،‭ ‬وإشعارهم‭ ‬المستمر‭ ‬بالدونية،‭ ‬يضاعف‭ ‬عزلتهم‭ ‬وتقوقعهم‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعاتهم‭.‬

تؤثِّر‭ ‬القوانين‭ ‬والمراسيم‭ ‬والقرارات‭ ‬اللبنانية‭ ‬غير‭ ‬العادلة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الشباب،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬هم‭ ‬دون‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭. ‬غالبيتهم‭ ‬عبّروا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عيّنة‭ ‬خاطبناها‭ ‬لغرض‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬أن‭ ‬هاجسهم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬انعدام‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مستوياتهم‭ ‬التعليمية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاستغلال‭ ‬الوظيفي‭ ‬الذي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يتعرضون‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬وجدوا‭ ‬وظيفة‭ ‬معينة‭ ‬كمنحهم‭ ‬رواتب‭ ‬متدنية،‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬الضمان‭ ‬الصحي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬أسوة‭ ‬باللبنانيين‭. ‬

البطالة‭ ‬المتفشية‭ ‬بين‭ ‬الشباب،‭ ‬ونسبة‭ ‬الفقر‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬بحسب‭ ‬دراسة‭ ‬للجامعة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬و‮«‬الأونروا‮»‬‭(‬2‭)‬‭ ‬إلى‭ ‬إلى‭ ‬65‭ %‬‭ ‬يترتب‭ ‬عليهما‭ ‬انتشار‭ ‬الآفات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تتحول‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬حاضنة‭ ‬للوجود‭ ‬والهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬للاشكالات‭ ‬الأمنية‭ ‬والآفات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتنامية‭ ‬كالتطرف‭ ‬الديني،‭ ‬وانتشار‭ ‬السلاح‭ ‬والمخدرات،‭ ‬والعنف‭ ‬الأسري‭ ‬والاستغلال‭ ‬الجنسي‭ ‬للأطفال‭ ‬وغيرها‭. ‬ وبرغم‭ ‬تضارب‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬التسرّب‭ ‬المدرسي‭ ‬لدى‭ ‬الطلاب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬‮«‬الأونروا‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬باتت‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬المنتشرة‭ ‬والمقلقة‭ ‬والتي‭ ‬تعكس‭ ‬الإحباط‭ ‬وانعدام‭ ‬الأفق‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬التلميذ‭ ‬عندما‭ ‬يرى‭ ‬الأكبر‭ ‬سناً‭ ‬منه‭ ‬عاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬يعملون‭ ‬بوظائف‭ ‬بسيطة‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بصِلة‭ ‬لاختصاصاتهم‭. ‬

يجمع‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬تتحمل‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬وضعهم‭ ‬المتردي‭ ‬والذي‭ ‬ازداد‭ ‬صعوبة‭ ‬بعد‭ ‬النزوح‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يشدِّدون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الرسمي‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬يتملّص‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬مسؤوليته‭ ‬تجاه‭ ‬الشباب‭ ‬ولا‭ ‬يمنحه‭ ‬دوراً‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬المحلي‭ ‬أو‭ ‬يشركه‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار،‭ ‬بل‭ ‬يعمل‭ ‬أحياناً‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الطاقات‭ ‬الشبابية‭ ‬لمصلحة‭ ‬تغذية‭ ‬انقساماته‭ ‬الفصائلية‭. ‬

ولا‭ ‬يعفي‭ ‬ذلك‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأونروا‮»‬‭ ‬خصوصاً‭ ‬لجهة‭ ‬‮«‬تقاعسها‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬أجله‮»‬،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تقليصها‭ ‬المستمر‭ ‬والمتصاعد‭ ‬لخدماتها‭. ‬

‮«‬أن‭ ‬أكون‭ ‬لاجئة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬جثة‭ ‬هامدة‮»‬،‭ ‬تقول‭ ‬ربى‭ ‬الحمد‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬مصدراً‭ ‬للقوة‭ ‬والتحدي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستمرار‭ ‬برغم‭ ‬الصعوبات‭ ‬الجمّة‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭. ‬

وبرغم‭ ‬سوداوية‭ ‬الوضع،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬يحاول‭ ‬إيجاد‭ ‬أفق‭ ‬ولو‭ ‬صغير‭ ‬للحياة‭ ‬الكريمة‭. ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭ ‬والتجمعات‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالشباب‭ ‬وتنمية‭ ‬قدراتهم‭ ‬ومواهبهم‭ ‬وتمكينهم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭. ‬

ويعوِّل‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬وبرغم‭ ‬تواضعها،‭ ‬تشكل‭ ‬متنفساً‭ ‬لهم،‭ ‬ويطالبون‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بدعم‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬طاقات‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬ينفّذونها‭ ‬لتمكينهم‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭. ‬

أحلام‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬متواضعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بأقرانهم‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬أخرى،‭ ‬فهي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬وتكوين‭ ‬أسرة‭. ‬أحلام‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬عادية‭ ‬ولكنها‭ ‬مستحيلة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أكثرهم‭ ‬تفاؤلاً‭. ‬‮«‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬أهداف‭ ‬الشباب‭ ‬مصوّبة‭ ‬إلى‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬هبة‭ ‬ياسين،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬شاملة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬لهذا‭ ‬الواقع‭ ‬الأليم‭ ‬لمعالجته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تنفجر‭ ‬هذه‭ ‬القنبلة‭ ‬الموقوتة‭ ‬لأنه‭ ‬حين‭ ‬يجوع‭ ‬البطن‭ ‬يتوقف‭ ‬العقل‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬معاذ‭ ‬خليل‭. ‬

بإمكان‭ ‬المعنيين‭ ‬تجاهل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الأليم‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المنظور،‭ ‬ولكنهم‭ ‬سيواجهون‭ ‬حتماً‭ ‬عواقبه‭ ‬الحتمية‭ ‬والوخيمة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الأطول‭!‬ ‭(‬1‭

‬واقع‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬دراسة‭ ‬ميدانية،‭ ‬المؤسسة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭‬شاهد​ ( 2014-2015)

. ‬ ‭(‬2‭) ‬المسح‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬الجامعة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬والأونروا،‭ ‬صفحة‭ ‬58،‭ ‬2015

 
قد‭ ‬تبدو‭ ‬قصص‭ ‬نجاح‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬مختلفة‭ ‬قياساً‭ ‬بأقرانهم‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬أخرى‭ ‬نظراً‭ ‬الى‭ ‬ظروفهم‭ ‬الصعبة،‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬قصص‭ ‬تحد‭ ‬واصرار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غد‭ ‬أفضل‭.. ‬إليكم‭ ‬قصتا‭ ‬نجاح‭:‬

ربا‭ ‬رحمة

شابة‭ ‬فلسطينية‭ ‬نازحة‭ ‬من‭ ‬مخيم‭ ‬اليرموك‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬تركت‭ ‬بصمتها‭ ‬أمام‭ ‬أقرانها‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬عين‭ ‬الحلوة‭. ‬ ربا‭ ‬المبتسمة‭ ‬والمتفائلة‭ ‬كرّست‭ ‬وقتها‭ ‬وجهدها‭ ‬للشباب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سعيها‭ ‬لانتشالهم‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬والضياع‭. ‬أنشأت‭ ‬فرقة‭ ‬فنية‭ ‬لتعليم‭ ‬الدبكة‭ ‬والمسرح‭ ‬والغناء‭ ‬احتضنت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مواهب‭ ‬شبابية‭ ‬متنوعة‭. ‬تنقّل‭ ‬هؤلاء‭ ‬للتدريب‭ ‬بين‭ ‬بيت‭ ‬ربا‭ ‬في‭ ‬المخيم‭ ‬إلى‭ ‬كورنيش‭ ‬صيدا‭ ‬البحري،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقر‭ ‬بهم‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬‮«‬جمعية‭ ‬التنمية‭ ‬للانسان‭ ‬والبيئة‮»‬‭ ‬حيت‭ ‬تعمل‭ ‬هي‭ ‬متطوعة‭. ‬

تسعى‭ ‬ربا‭ ‬الى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬لفرقتها‭ ‬بهدف‭ ‬إنقاذ‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭. ‬طاقة‭ ‬ربا‭ ‬وتأثيرها‭ ‬الإيجابي‭ ‬فرضا‭ ‬تغيير‭ ‬حياة‭ ‬شباب‭ ‬وشابات‭ ‬إلى‭ ‬الافضل،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬استبدل‭ ‬السكين‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفارقه‭ ‬بلغة‭ ‬الحوار،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬أقلع‭ ‬عن‭ ‬التدخين،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬عائلات‭ ‬الشباب‭ ‬يلجأون‭ ‬الى‭ ‬ربا‭ ‬لمساعدتهم‭ ‬بحل‭ ‬مشاكل‭ ‬أبنائهم‭. ‬

برغم‭ ‬هجرة‭ ‬عائلتها‭ ‬،‭ ‬أخذت‭ ‬ربا‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬وعلى‭ ‬نفقتها،‭ ‬ليس‭ ‬شقيقها‭ ‬الأصغر‭ ‬منها‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬تعليم‭ ‬أحد‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مهنية‭ ‬صيدا‭ ‬لأنها‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭. ‬وها‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬تحاول‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬شبابية‭ ‬خلق‭ ‬مساحة‭ ‬حرة‭ ‬لشباب‭ ‬عين‭ ‬الحلوة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الانقسامات‭ ‬القائمة‭ ‬تكون‭ ‬رديفاً‭ ‬للملتقى‭ ‬التابع‭ ‬لجمعية‭ ‬التنمية‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬ثقافية‭ ‬وفنية‭. ‬حلمها‭ ‬الكبير‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬مساعدة‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬حلمها‭ ‬الأكبر‭ ‬المتمثل‭ ‬بالتئام‭ ‬شملها‭ ‬مع‭ ‬أهلها‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭.

‬ أحمد‭ ‬حلبي

يستقبلنا‭ ‬أحمد‭ ‬حلبي‭ ‬من‭ ‬مخيم‭ ‬شاتيلا‭ ‬في‭ ‬صالون‭ ‬الحلاقة‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬خلف‭ ‬المدينة‭ ‬الرياضية‭ ‬بابتسامة‭ ‬عريضة‭ ‬تظهر‭ ‬مدى‭ ‬فخره‭ ‬بانجازه‭. ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬انتشل‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الحضيض‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭. ‬مشوار‭ ‬أحمد‭ ‬القاسي‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬تركته‭ ‬أمه‭ ‬برفقة‭ ‬شقيقته‭ ‬ووالده‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يبلغ‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬العمر‭. ‬ومع‭ ‬افتقاده‭ ‬لاهتمام‭ ‬الأم‭ ‬والأب،‭ ‬ترك‭ ‬أحمد‭ ‬المدرسة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الثالث‭ ‬الابتدائي،‭ ‬ودخل‭ ‬معترك‭ ‬الحياة‭ ‬متنقلاً‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬صالونات‭ ‬الحلاقة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬بيروت،‭ ‬لتبدأ‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬التشرد‭ ‬والسجن‭ ‬والكحول‭ ‬والمخدرات‭. ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬أحمد‭ ‬من‭ ‬دهاليز‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الأسود‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬صدمة‭ ‬تلقاها‭ ‬بموت‭ ‬صديقته‭ ‬بفعل‭ ‬جرعة‭ ‬زائدة،‭ ‬فبدأ‭ ‬بكتابة‭ ‬أغاني‭ ‬‮«‬الراب‮»‬‭ ‬وتأديتها‭ ‬للتعبير‭ ‬عمّا‭ ‬بداخله،‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تصفيف‭ ‬الشعر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفتتح‭ ‬منذ‭ ‬شهرين‭ ‬‮«‬صالون‭ ‬مودي‮»‬‭. ‬

إختار‭ ‬أحمد‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬مخيمه‭ ‬هرباً‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬من‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعيده‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬سابقاً،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الملقب‭ ‬بـ‮«‬فرعون‮»‬‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬‮«‬الراب‮»‬،‭ ‬صار‭ ‬قدوة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يقطنها‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬غنائه‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬كحلاق‭.. ‬‮«‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أحلم‭ ‬مثل‭ ‬باقي‭ ‬الناس،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أطوّر‭ ‬صالون‭ ‬‮«‬مودي‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬أفتتح‭ ‬فروعاً‭ ‬له،‭ ‬وأن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬لأتعلم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬بالعربية،‭ ‬وأن‭ ‬آخذ‭ ‬فرصتي‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الراب‮»‬،‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬أحمد‭ ‬مودعاً.

 

الكلمات: