تفاصيل الاخبار

الفلسطينيون في لبنان: وقود الثّورة أم رماد السّلام؟

من أين وكيف أدخل إلى المخيم؟ وهل صارت تلك المنازل المتلاصقة إلى حدود الاتكاء على بعضها البعض أشبه ما تكون بالشكل الكروي الذي لا تستطيع أن تدخل إليه أو تخرج منه أو تأتيه لمن هم من أبناء جيلنا.
 
يوماً كان لنا حلمٌ أوسع من مساحة لبنان، وكان حلمنا فلسطينيّاً بامتياز. يقول الكاتب الفرنسي جان جينيه في نصٍّ كتبه في عام 1970 «.. أرضهم هنا، تنتظرهم وفيّة دوماً، إلا أنّ هذه الأرض تضيق في صورة تدريجية، تضيق حتّى إنها تكاد تختفي من تحت أقدامهم، إلا أن الوطن الفلسطيني اتّخذ ثقلا متعاظماً، وهو من دون أرض، يجد في الحلم والعروبة حاملاً وزنه المتزايد..» هذا ما كتبه جينيه، ومن الاستحالة مقاربة المخيّم الفلسطيني أو الإحاطة به، كما يتراءى للبعض. أعود أسائل نفسي ما العمل؟ جينيه مات، وعشرات الألوف استشهدوا من أجل فلسطين. لكن المخيّم باقٍ، وإن كانت جدرانه قد شهدت تباعاً تغيّر صور هؤلاء الذين سقطوا أو تبدّلات في الشعارات.. وكي لا أستغرق أعود إلى السؤال الأساسي الذي يقضّني، وهو من أين وكيف أبدأ. والفلسطيني في المخيّم، الذي وصف يوماً بأنّه وقود الثورة، يكاد أن يصير رماد السلام.
 
أقول، وقبل أن أبدأ، القضيّة في مكانٍ آخر، في الناس، في المجتمع، نستمرّ به أو معه، أو لا نكون أبداً، وكنتُ أقول أيضاً إنّ الأمور أكثر تعقيداً من تصوّرات البعض، ومن اختزالها بالشّعارات المبسّطة إلى هذا الحدّ أو ذاك. كنت أريد أن أفهم المخيّم أولاً، ما صار عليه بعد كلّ هذا الدم، الذي استغرق أجيالاً. أعرف أنّ في المخيّمات الكثير من الأزقة التي تقود داخله إلى خارجه، كأنّ الفلسطيني محكوم بالخروج منه أو على أحكامه. يقرأ ما فيه من شعارات، ما على جدرانه من صور، ويتجاوز مجاري وقساطل المياه المكشوفة والمنتشرة، ثمّ يذهب إلى مصيره، حاملاً دمه على راحته كما قال الشاعر يوماً، فإما حياة.. أو موت يكاد العدى..
 
سال دمٌ كثير، وأسئلة «المخيّم» تقضّ علينا نحن جيل الثورة المضاجع، وقد دخلنا في الشيب.. أحاول أن أتعرّف إلى المخيّم في الكتابة فلا أراه.
 
استبعدت إذن بداية أن أتحدّث إلى القيادات، وقلت أبحث في المؤسّسات وعنها. كنتُ أريد أن أعرف ما صار عليه المخيّم، ما حصده في دم ومعوّقين وجرحى ومهجّرين وأرامل وأيتام وعذابات، وقبل هذا وذاك من قلق.
 
والسؤال الذي كان عليّ أن أبحث عنه هو ماذا تبقّى من المجتمع لكي يستطيع النهوض. أذكر أني كدتُ أن أضيع في المتاهات، وأنا أعلم أنّ المخيّم ليس عبارة عن خريطة على تخوم هذه المدينة وضمن حدودها، أو في الملفات، تحملق فيه فتدرك أسراره هكذا كما لو أنك تدرس جغرافيا منطقة ما. أعرف أن الأمور أكثر تعقيداً من ذلك، والمخيم الذي كتب عنه يوماً راح في غمرة انفلات طوفان الدم وأمام شفرة جرافة الاقتلاع المتجدّد.
 
 
السفير: العدد الاخير 

الكلمات: