حملة “الإحسان”: فكرة رمضانية تحيي شباب غزّة

اعتاد الناس في فلسطين، وخاصة أهل المخيّمات والأحياء ذات البيوت المتلاصقة، أن يتشاركوا إفطارهم أيام رمضان. تكون المائدة في منزل كلّ منهم مليئة بأصنافٍ مختلفة، فهذا من بيت الجار الأوّل، وهذا من الثاني، والثالث، وغيره، إلى أن لا يبقى أحدٌ في الحي من دون إفطار.
اليوم، وبسبب سوء الأحوال الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي أدت إليها الأوضاع السياسيّة والحصار الإسرائيلي على القطاع، صار العديد من العائلات لا يجد إفطاره اليوميّ، ومن يتمكن من تأمين إفطاره لا يستطيع أن يتشاركه مع الآخرين. ذلك أنّ الإفطار لا يكاد يكفي أفراد العائلة الواحدة.
رغم ذلك، تصرّ مجموعة من أبناء غزّة على المساعدة والمشاركة دوماً، مهما تبدلت الأحوال السياسية والاجتماعية.
***    
في العام 2011، تجمّع قليل من الشُبّان، لا يتجاوز عددهم العشرة، وانطلقوا من “فايسبوك” إلى أرض الواقع. قرّروا أن يقوموا بعملٍ ما للناس الذين يعيشون حياتهم الصعبة نفسها. قاموا بتجميع مبالغ مالية بسيطة بعضها من أقاربهم وأصدقائهم، ثمّ وزّعوها على شكل وجبات إفطارٍ وسلال غذائية. كانت تلك بداية “حملة الإحسان التطوعيّة”.
بسهولة تحوّلت المبادرة الصغيرة التي أطلقها الشبّان في أيامٍ قليلة، إلى مشروع أكبر لا يقتصر عليهم ويسمح لأيّ شخصٍ بالانضمام إليهم، ليقوموا من خلال ذلك بزرع البذرة الصغيرة التي أنبتت في ما بعد، وكانت شجرة أكبر.
***  
  اقتصر عمل الحملة في البداية أساسا على توزيع الإفطار اليوميّ للعائلات ذات الوضع السيئ. يقوم الشبّان بتجميع ما يستطيعون من الطعام من عائلاتهم وجيرانهم، فيما يجهّزون جزءاً آخر من الأموال التي يحصلون عليها، فيوّزعونه على الناس الذين لا يجدون إفطارهم اليومي. إضافةً لشراء المواد الغذائية الأساسيّة التي يحتاجها الناس خلال رمضان، لتوزيعها مع الإفطار.
في العيد، يكون الدور مكملاً لسابقه. يجمع الشباب الملابس المستخدمة الجيّدة من كلّ من يقدر على التبرّع بها، يقومون بغسلها وكيّها، ثم يوزّعونها على أطفال العائلات الفقيرة، إضافةً لكمياتٍ أخرى من الملابس الجديدة التي يتم تجميعها من التُجّار إمّا تبرّعاً أو شراءً.
لم تقتصر الحملة على هذا النوع من الفعاليات الذي بدأت به، بل قفزت مع السنوات إلى أنواعٍ أخرى، منها الفعاليات التوعويّة، كالتوعية من خطورة “الترامادول” والمواد المخدرة، إضافةً إلى النشاطات الترفيهية، التي جعلت أعضاءها أصدقاء للعديد من الأطفال المرضى في المستشفيات ودور الأيتام.
***
على الصعيد الشخصي انضممت للحملة بعد تأسيسها بعامين ونصف عام، كان ذلك عن طريق أحد الأصدقاء، الذي لم يعد اليوم موجوداً ضمن فريق الحملة. وهذا أمرٌ تميّزت به منذ بدايتها، فوجود الحملة لا يرتبط بأشخاصٍ محددين، بل بالفكرة التي وُجدت من أجلها. في كلّ فترة يتجدّدُ أشخاصها، ينضم إليها ناسٌ جدد، يحملون الروح ذاتها التي توجد في باقي الأعضاء.
وقد يخرج منها بعض أعضائها، إمّا لظروف حياتهم، أو نظراً لأنّ دورهم فيها انتهى، حسب رأيهم، ليسلموا الدور لغيرهم من الأشخاص. اليوم، وبعد خمسة أعوام على تأسيسها، ما زالت الحملة تقوم بالأعمال نفسها، لكن بأشخاصٍ مختلفين، رُبما ليس بينهم من المؤسسين أحد.
أمّا عن تمويله، فهذه ميزةٌ أخرى سرى عليها العمل داخل فريق الإحسان، ففي غزّة وبين العديد من المؤسسات والجمعيّات والفرق التي تُموّل من التنظيمات السياسيّة التي تسعى لإثبات نفسها بين الناس، بهذه الطرق، لم يُدخِل “الإحسان” في ميزانيته مبلغاً واحداً مدعوماً رسميّا من مؤسسة أو من أيّ جهة رسميّة.
تميّز الفريق على مدار الأعوام الخمسة بأنّ أعضاءه يسعون باستمرار إلى جمع التبرّعات، من خلال أصدقائهم، وأقاربهم، ومعارفهم.
***
يتخرّج من جامعات قطاع غزّة كلّ عام ما يُقارب 30 ألف طالب، غالبيتهم يصطفون على أدوار المتخرجين الذين يكون مصيرهم إمّا للبطالة، أو أن تصبح مهمتهم الاستماع لنداء الأمهات الصباحي المليء بالعتب بسبب الجلوس من دون عمل.
بعد خمسة أعوامٍ، بلغ عدد أعضاء فريق حملة الإحسان التطوعيّة، أكثر من مئة وخمسين شاباً وشابّة، يهدفون للتخفيف من معاناة الناس في قطاع غزّة. وهم جميعهم أبناء القطاع، وجرّبوا المعاناة التي يعيشها من تستهدفهم نشاطاتها، وفي الوقت ذاته، يسعون للتخفيف على أنفسهم من ثقل الحياة التي تجعل الشباب فارغين من كلّ شيء، إلّا من طاقتهم التي تهدرها الخلافات السياسيّة، والأوضاع السيئة المستمرة منذ بدء الحصار الإسرائيلي قبل عشرة أعوام.

الكلمات: , , , , , , , , , , ,