تفاصيل الاخبار
لا تُجدّدوا استعمال الفلسطينيّين… أعطوهم “حقوقاً” فقط
كميل أبو سليمان هو وزير العمل وممثل حزب “القوات اللبنانية” في الحكومة الحالية. كفايته العلمية والقانونية عرفها اللبنانيون من سيرته الذاتية. لكنهم لم يعرفوه ناشطاً سياسياً أو طامحاً. ولم يعرفوا إذا كان انتماؤه الى “القوات” قديم العهد، ولذلك يتساءلون هل انضم اليه كي يصبح وزيراً؟ أم كان مؤيداً أو متعاطفاً فاختير لكفايته؟ وهل “شرط” الوزارة كان الحصول على بطاقة العضوية؟ هذه المقدمة لا تستهدف هذا الحزب الذي أعرفه من زمان بحسناته وسيئاته. ذلك أن الأحزاب الأخرى الشقيقة له والمنافسة له في كل الأديان والمذاهب ليست أفضل منه كثيراً. فـ”العقود” التي وقّعتها من زمان أحزاب عريقة مع طامحين الى الحكم لا تزال شاهداً على تشابه الممارسات. والعقود التي تطلبها حالياً أحزاب من طامحين الى العمل السياسي لا يختلفون مذهبياً أو طائفياً عن مؤسسيها وأعضائها هي شاهد آخر أيضاً. طبعاً كان الارتياح هو الشعور الأول للبنانيين عند توزير أبو سليمان، ثانياً لكفاياته وأولاً لتاريخ والده الراحل شاكر أبو سليمان رئيس الرابطة المارونية خلال حروب لبنان، والبعيد عن التورط في لعبة الدمّ. لكن أداءه في وزارة معروفة بأنها “بقرة حلوب” لم يكن بالمستوى المطلوب، لا لعيبٍ فيه، بل في النظام اللبناني الذي حوّله قادة الأحزاب والطوائف والأديان والعشائر وممثلو الله على الأرض نظاماً توافقياً على الظلم والتسلّط والفساد، لا على الديموقراطية. فهو لا يحب “الحليب” المُشار اليه، على الأقل حتى الآن، وهذا أمر مشكور. لكنه لا يعرف البلاد ربما لأنه كان أيام الحرب بعيداً منها. وقد بدا ذلك جلياً من خلال تعامله مع موضوع اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان بطريقة بعيدة من الاحتراف والمعرفة، سواء تاريخيا أو حاضرا. فهل اختاره بنفسه، أي من دون استشارة حزبه، علماً أن ذلك غير مقبول في الأحزاب كلها؟ فكيف من حزب معروف بتحضير الملفات ودرس الموضوعات والمواقف كما بالانضباط الموروث من أيام “العسكرة” التي عاشها؟ أم بحث فيه مع قيادته وأخذ الضوء الأخضر لإثارته؟ الحقيقة أنني لا أعرف جواباً عن السؤالين، ربما لتقصير مهني مني، إذ إنني لم أسأل. لكنني أقول إن تفرّد أبو سليمان بهذا القرار إذا صحّ، مصيبة. أما إذا لم يتفرّد فإن المصيبة أعظم.
في أي حال، وكي لا يبدو أن “الموقف هذا النهار” يستهدف فريقاً، فإن كاتبه يشير الى نقاط عدّة أبرزها: ان من حق الفلسطينيين اللاجئين في معظمهم منذ 1948 ثم منذ عام 1970 (من الأردن) فعام 2011 (من سوريا) أن تطبق القوانين اللبنانية عليهم، ومن حقهم أن يطلبوا تعديلها إذا كانت مجحفة في حقهم. ذلك أنهم، بقسم مهمّ منهم، يعيشون ظروفاً إنسانية واجتماعية صعبة، وأوضاعاً فردية تتفاقم يوماً بعد يوم، مع تخلّي العرب عملياً عن قضيتهم ومع التماهي التام لأميركا مع إسرائيل، ومع نجاح الأخيرة في إقامة علاقات جديّة فعلية، وإن غير رسمية مع دول عربية مهمة، بعد السلام الذي أقامته قبل عقود مع مصر والأردن. علماً أن النجاح الأخير دفعت اليه، ويا للأسف، جهة مسلمة فاعلة جداً، شعارها الأول مواجهة إسرائيل وإنهاء اغتصابها لفلسطين ومقدساتها، لأنها اعتبرت أن الطريق الى ذلك تقتضي السيطرة على المنطقة، مكررة بذلك موقف فلسطينيي حرب لبنان وقياداتهم الأبرز، وهو “أن طريق فلسطين تمر من جونيه”. لكن ليس من حق الفلسطينيين إعطاء الانطباع سواء عن قصد أو عن غير قصد بأنهم قد يكررون السياسة التي اعتمدوا منذ حرب 1975 بل قبلها، وهي توظيف الخلافات الطائفية والمذهبية بين اللبنانيين ليس من أجل تأمين حقوقهم الانسانية فقط التي يجب ألا يناقش أي لبناني فيها، بل أيضاً من أجل العودة الى تعزيز تعسكرهم. وهو لم يتوقف يوماً بالاستناد الى أمر من اثنين، الأول أن الشيعة وقائدهم “حزب الله” ومن ورائه إيران يواجهون اسرائيل جدياً ولا بد أن نساعدهم في ذلك. والثاني أن السنّة في لبنان، ومن خلال رد عدد قليل من رموزهم الدينية، وربما السياسية، ليس أمامهم الا اللجوء إليهم حماية لأنفسهم من التحديات الصعبة الشيعية والمسيحية التي يواجهون. فالفلسطينيون ضيوف لبنان كما تقول السلطة الفلسطينية، لكنها ربما تكون الأضعف الآن في لبنان لأن جمهورها مع جماهير خصومها ومنافسيها من الفلسطينيين مؤلّف من بشر. والبشر لا ينسون الإساءة والظلم كما مراحل حكم نصف البلاد على الأقل. في اختصار، وكي لا يقع الفلسطينيون واللبنانيون في سوء التقدير كالعادة، لا بد من الإشارة الى أمرين. الأول أن منع التوطين في لبنان لا يحقّقه قانون ودستور وقمع، بل دولة واحدة وشعب واحد وتعامل إنساني وأخوي مع الفلسطينيين، وموقف دولي واحد إذا وحّد العرب والمسلمون صفوفهم. أما الأمر الثاني فهو إعادة تذكير اللبنانيين ولا سيما المسلمين من سنّة وشيعة بأن المنتصر على إسرائيل عام 2000 و2006، أي “حزب الله” كانت عملياته ضدها تتم بالتنسيق مع أسد سوريا الأب وإيران طبعاً. وكانت التوصية الوحيدة له من دمشق المحافظة على الفلسطينيين، ولكن عدم السماح لهم بالتعسكر وبالعودة الى العمل المقاوم ضد إسرائيل من لبنان. ولن ندخل في الأسباب لأنها متنوّعة، لكن هذا الموقف مستمر. وهو أيضاً تذكيرهم بأن مسلمي لبنان بفرعيهم الأكبر ما عادوا “طاقوا” سيطرة الفلسطينيين المسلحين عليهم بين 1975 و1982. لكن ذلك لم يوحّدهم كما لم يبنِ وحدة حقيقية بينهم وبين المسيحيين، لذلك فإن المتاجرة بالحقوق وبالسيادة وبالمقدسات صارت خطرة، كما أن ظلم اللاجئين صار أكثر خطراً. علماً أن على الجميع أن ينتبهوا الى لاجئين آخرين في البلاد يزيد عددهم على المليون. وهم على استعداد جرّاء عنتريات المسيحيين وربما غيرهم لدخول معمعة الحقوق المهضومة والحروب التي قد تتبعها.