ما هي أبعاد “الانتفاضة الفلسطينية” على إجراءات وزارة العمل؟

يكاد رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة يجزم بأنّ “العمل جار بجدية وبعيدا من الاضواء والضوضاء لايجاد حلول ناجعة وسريعة للمشكلة المتأتية من رفض الجانب الفلسطيني بكل تلاوينه توجّه وزارة العمل لفرض قوانين وانظمة واجراءات جديدة بهدف تنظيم العمالة الفلسطينية في لبنان وقوننتها في سياق خطة تنظيم العمالة الاجنبية ومكافحة غير الشرعي منها”.
 
ويكشف في اتصال مع “النهار” ان “الاتصالات واللقاءات تكثفت خلال الساعات الماضية على اكثر من صعيد لحل المشكلة وللحد من التداعيات الامنية والاجتماعية المترتبة عليها والمفتوحة على اكثر من احتمال. وعليه فهناك امكانية كبيرة ورغبة لدى كل الاطراف المعنيين للمعالجة والحل، اذ من الضرورة الوطنية بمكان طي هذا الملف وسحبه من الشارع ومن التداول والحيلولة دون تحوّله الى صراع وتحدي ارادات مفتوح”.
 
وقال منيمنة ان “استمرار التظاهرات والاعتصامات الفلسطينية امام مداخل المخيمات وفي اماكن اخرى امر ينطوي على مخاطر امنية واجتماعية متعاظمة، فامكانية استغلال الموقف المحتقن ودخول عنصر توتير وتفجير مفاجىء على الخط، احتمال موضوع في الحسبان، فنكون جميعا امام مشهد نحن بغنى عنه وبالامكان تلافيه”.
 
واضاف: “لقد أحدث الموضوع انقساما في الرأي العام واوجد نوعاً من الاحتقان الداخلي، اضافة الى ان ثمة مَن يعتبر ان الاجراءات الجديدة الحقت نوعاً من الظلم والاجحاف بحق القوى العاملة الفلسطينية التي انخرطت منذ عقود في عمق دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية، الى درجة انها اوشكت ان تصير جزءا لا يتجزأ من نسيجها وتفاصيلها، لذا يصعب خلال وقت قصير اخضاعها لاجراءات وانظمة معينة جديدة، علما ان الجانب الفلسطيني كان يثير دوما معنا وفي الاعلام وحتى قبل الاجراءات الجدية ما يسميه ضرورة اعادة النظر بما يعتبره اجحافا بحق العمالة الفلسطينية”.
 
ورداً على سؤال عما يقال بان الاجراءات الجدية لوزارة العمل تنطوي على مخالفة للقوانين اللبنانية السابقة في شأن هذه العمالة، قال: “الامر ليس بهذه الصورة تحديدا، فالذي حصل هو ان خطة مكافحة العمالة غير اللبنانية التي وضعتها وزارة العمل اخيرا وشرعت في تنفيذها وكانت بمثابة الشرارة التي اشعلت فتيل المشكلة الحالية، اوردت في متنها كل القوانين المتعلقة بالعمالة الاجنبية وسبل تنظيمها وشرعنتها، لكنها اغفلت التعديل القانوني الذي اقر رسميا عام 2010، والذي ميز اليد العاملة للاجئين الفلسطينيين عن سائر العمال الاجانب من ناحيتين:
 
الاولى، انه الغى المعاملة بالمثل كون الفلسطيني لا دولة له.
 
الثانية، التعديل الذي استثنى اليد العاملة الفلسطينية من رسوم اجازة العمل”
 
ويستنتج منيمنة ان ذلك هو بمثابة “خطأ مادي ان لم نقل ثغرة”.
 
وبعيدا مما يقوله رئيس اللجنة الرسمية المولجة تنظيم العلاقة مع الجانب الفلسطيني والتي تستقر في السرايا الحكومية ولديها جهاز اداري وقانوني، وقد تأسست قبل نحو عشرة اعوام، فان الواضح ان هناك سوء تقدير لموضوع العمالة الفلسطينية في لبنان وسوء فهم لخصوصية الوجود الفلسطيني برمّته من جانب الجهة التي اقدمت على اتخاذ الاجراءات الجديدة التي اثارت موجة ردود الفعل الفلسطينية السلبية، وذلك انطلاقا من اعتبارات امنية واجتماعية متشابكة ومتجذرة، ابرزها:
 
– ان العمالة الفلسطينية، وفق تقديرات منيمنة، لا تتجاوز الـ50 الفا وهو رقم متواضع قياسا بالعمالة السورية وغيرها.
 
– ان العمالة الفلسطينية موجودة في لبنان منذ نكبة 1948، وقد ولجت منذ نحو 70 عاما في اعماق الدورة الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية، لذا من غير الطبيعي شطبها او تهميشها او معاملتها اسوة بباقي العمالة الوافدة، وبالتالي ينبغي الحفاظ على خصوصيتها وتميزها.
 
– لقد ثبت بالتجربة والبرهان ان اي اجراء او تدبير يرفضه اللاجئون ويعتبرونه مجحفا بحقهم، سرعان ما يثير موجة تعاطف ودعم من جانب شريحة واسعة من اللبنانيين، واستطرادا يولّد انقساما وسجالا، وهذا ما اتضح اخيرا من خلال التعاطف الذي ابدته مراجع دينية وقوى سياسية وازنة مع حراك اللاجئين واعتراضهم الضمني على اجراءات وزارة العمل، مما ايقظ في اذهان الكثيرين مشهد الانقسام الداخلي الحاد حيال الوجود الفلسطيني وما ارتبط به عشية اندلاع الحرب الاهلية، وهو ما عُدَّ سببا من الاسباب الكثيرة التي ادت الى اندلاع هذه الحرب لاحقا.
 
– لا ريب ان هناك من سارع الى ايجاد روابط بين الاجراء الرسمي الجديد بحق اليد العاملة الفلسطينية في لبنان وبين تعاظم الكلام عن “صفقة القرن” التي تتبناها الادارة الاميركية وتعمل على ترويجها، ومع تصاعد الحديث ايضا عن السعي الغربي الى فرض توطين اللاجئين في لبنان واعتبار ذلك مادة دسمة للبعض لادراج الاجراء في خانة تسهيل تمرير الصفقة اياها ومشروع التوطين المقرون بالغاء “حق العودة” وإعداد المسرح لمثل ذلك الامر العظيم.
 
– من نافل الاشارة الى ان الفلسطينيين في لبنان يكابدون اوضاعا اجتماعية غاية في الصعوبة من جراء انعدام فرص العمل وتراجع تقديمات الفصائل، وفي ظل تقليص عطاءات وكالة “الاونروا”، فأتت الاجراءات الجديدة لترفع وتيرة شعورهم بالاجحاف والظلم وتدفعهم الى تنظيم “انتفاضة” واللجوء الى خيار الشارع.
 
ليست المرة الاولى في تاريخ لبنان ما بعد اتفاق الطائف تطفو فيها على السطح محاولات رسمية تحت عنوان “تنظيم الوجود الفلسطيني” بما فيه العمالة، اذ من المعلوم انه في اول حكومتين الِّفتا بعد عام 1992 شُكلت لجنة لبنانية – فلسطينية عالية المستوى (مثّل الجانب اللبناني فيها الوزيران السابقان عبدالله الامين وشوقي فاخوري) اوكلت اليها مهمة تنظيم العلاقة مع الجانب الفلسطيني. وفعلا عقدت تلك اللجنة اكثر من خمسة اجتماعات واتخذت مقررات لكنها ما لبثت ان جمدت نشاطها من دون نتائج تُذكر.
 

الكلمات: