تفاصيل الاخبار

وثيقة برعاية الحريري وبدعوة من «لجنة الحوار»

تعكس وثيقة «رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان»، للمرة الأولى، صورة مصغّرة عن مقاربة مشتركة للبنانيين بمعظم كياناتهم السياسية لكيفية التعامل مع قضية اللجوء الفلسطيني، مع استيعاب وتجاوز الظروف والملابسات والخلافات وذاكرة التناقضات التي رافقت المراحل الطويلة التي عبرتها العلاقات المتبادلة.

الوثيقة التي تمّ إطلاقها خلال احتفال أقيم في السراي الحكومي برعاية الرئيس سعد الحريري ممثلاً بالنائب عمار حوري، جاءت ترجمة لثمرة عمل استغرق قرابة عامين قام بها أعضاء «مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين»، المشكلة في إطار «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني» والتي تتبع رئاسة مجلس الوزراء، وقد انطلقت من مبدأ الحرص على المصلحة اللبنانية العليا، وكذلك بناء أفضل العلاقات الأخوية بين الشعبين.

أكثر من خمسين اجتماعاً خاضها المشاركون في مجموعة العمل المنبثقة عن سلسلة لقاءات تمهيدية وجولات قام بها رئيس «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني»، حسن منيمنة، مع القيادات الحزبية والسياسية فضلاً عن فريق من الخبراء في الشأن الفلسطيني والحوار، وأسفرت عن وضع خمس توصيات تمّ رفعها الى رئيس الحكومة السابق تمام سلام وتناولت تفعيل القانونين 128 و129 حول شروط إفادة اللاجئين من صندوق الخدمة في الضمان الاجتماعي، وشروط عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تنظيم العلاقات مع الأونروا، تنفيذ تعداد شامل للاجئين ينهي تضارب الأرقام والتقديرات، وضرورة تطوير هيكلية ومهام لجنة الحوار وتفعيل دورها. فيما ركزت المرحلة الثانية من عمل المجموعة على هدف التوصل الى صياغة نص بيان مشترك حول قضايا اللجوء الفلسطيني.

ودعت المجموعة الى «ضرورة العمل لتناول مسألة رفض التوطين بشكل شامل وغير مجتزأ، وهذا الموقف يستند الى مقدمة الدستور وينطلق من الحرص على المصالح اللبنانية العليا. ويتكامل ذلك مع التزام اللبناني بدعم حق العودة وسائر الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني عموما وقضية اللاجئين خصوصا كأحد موجبات سياسة لبنان الخارجية وانتمائه العربي.

وشمل الحوار التوافق على«الابعاد السياسية والاجتماعية الثقافية والمعيشية الحياتية للتوطين وكذلك دور الدولة في ادارة المخيمات، على ألا يقتصر ذلك على البعد الامني، بل يشمل البعد السياسي والخدماتي والحقوقي، وأن تتم هذه الادارة بالتفاعل مع «الاونروا» واللجان التمثيلية، وتقويم عمل اللجان الشعبية في المخيمات، وتوحيد المرجعيتين اللبنانية والفلسطينية وتنظيم العلاقة بينهما على اسس سليمة.

أكدت الوثيقة «حق اللاجئين في العمل المدني بما فيه تأسيس الجمعيات لتنمية المجتمع وترسيخ الهوية الوطنية الفلسطينية بما يخدم لبنان واللاجئين الفلسطينيين على ارضه». ودعت الى علاج اجراءات تقييد الجمعيات المدنية المستقلة وذات التوجهات الحقوقية والخدماتية المفيدة.

اما في مجال الأمن، فاعتبرت ان «وثيقة الوفاق ومقررات هيئة الحوار هي الاطار والاساس للتعامل مع البعد السيادي والامني انطلاقا من حق لبنان الذي لا جدال فيه في بسط سلطة دولته»، مع ضرورة إنهاء وجود السلاح خارج المخيمات ومعالجته داخلها، وتأكيد مسؤولية الدولة والتزامها حماية المخيمات الفلسطينية من اي اعتداء. وضرورة توحيد وأنسنة الاجراءات الامنية حول المخيمات وعلى مداخلها وتوحيد الجهة المرجعية اللبنانية.

وأكدت رفض التوطين وحق العودة بأنهما وجهان مترابطان للموقف اللبناني والفلسطيني. ودعت لبنان الى «استخدام علاقاته وطاقاته السياسية والديبلوماسية لدعم حق العودة وقيام الدولة الوطنية الفلسطينية، مشددة على ان»هناك اهمية لبقاء وكالة «الاونروا» في عملها الاممي كشاهد دولي، وتأمين موازناتها الملحة والتعاون معها وتنظيم علاقتها مع الدولة اللبنانية ما يحقق الانسجام والتخطيط المشترك، وينعكس ايجابا على حياة اللاجئين».

ودعت الى تطوير عمل وهيكلية لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وتحديد مهامها بما يتوافق مع خطتها الاستراتيجية، ودورها في بلورة سياسة لبنانية عامة تستند الى قاعدة معلومات وبيانات موثوقة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وإنشاء مرصد لقضاياهم، مؤكدة التضامن الكامل مع الفلسطينيين شعبا وسلطة وقضية ولاجئين، في مقاومة الاحتلال، والعمل معهم على انتزاع حقوقهم الوطنية المشروعة، والسعي الدؤوب الى تنقية العلاقات اللبنانية من الآثار السلبية للمراحل السابقة، ودعوة الحكومة اللبنانية الى اطلاق مسار صياغة سياسة وطنية متكاملة وثابتة تجاه اللاجئين وقضاياهم تعبيرا عن وحدة المصالح المشتركة.

وقد حضر حفل إطلاق الوثيقة منيمنة وأعضاء المجموعة المؤلفة من: حوري عن«تيار المستقبل»، سيمون أبي رميا عن التيار الوطني الحر، والوزير السابق طوني كرم عن«القوات اللبنانية»، ومحمد جباوي عن حركة«أمل»، بهاء أبو كروم عن«الحزب التقدمي الاشتراكي»، رفيق غانم عن«حزب الكتائب اللبنانية»، علي فياض عن«حزب الله».

لكن المواقف لم تكن حادة بفعل التطور والاعتراف الذي حققته القضية الفلسطينية، لبنانياً وعربياً ودولياً، وإعلان الأخوة الفلسطينيين أنهم ضيوف على لبنان وليسوا طرفاً في خلافات اللبنانيين، وان مشروعهم الوحيد فيه هو عودتهم الى ديارهم وتحسين أوضاعهم حتى تحقيق ذلك. وتوقف عند منهج الحوار الذي اعتمد عرض الآراء بموضوعية، والتفاعل مع كل الطروحات، للوصول الى مشتركات تعبّر عن تبلور قناعات الفرقاء، وعلى العمل الهادئ بعيداً عن الإعلان والإعلام.

وأوضح منيمنة أن الموافقة على الوثيقة هو تعبير عن اقتناع تام لدى مختلف الاطراف، ما يشكل اساسا يمكن البناء عليه لبلوغ تحقيق استراتيجية وطنية في التعامل مع قضايا اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان. وشدد على ان مجموعة العمل تصرفت بمسؤولية عالية انطلاقا من اقتناعها بضرورة مضاعفة الجهد لمعالجة المشاكل الملحة للاخوة اللاجئين، من خلال توفير الحقوق الانسانية والمعيشية لهم وتحسين اوضاع الحياة والبيئة في المخيمات.

وأكد منيمنة أن قادة لبنان أكدوا مراراً وتكراراً التزامهم الوقوف الى جانب الفلسطينيين في محنتهم المستمرة التي تتحمل مسؤولية انطلاقتها واستمرارها إسرائيل أولاً وأخيراً، مؤكداً أن صياغة هذه الوثيقة تفرض تحدياتها علينا جميعاً وقال:«إننا جميعاً مسؤولون عن تحويل هذا النص الى روح نابضة بالحياة».

بعد ذلك، قدم الخبير في الاسكوا أديب نعمة عرضاً لما تضمنته الوثيقة التي استندت على الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني والمصلحة اللبنانية العليا ومخرجات هيئة الحوار الوطني والمواثيق الدولية.

وتوقف عند تعريف المجموعة للتوطين بما هو إعطاء الجنسية اللبنانية بشكل جماعي، ومن خارج السياق القانوني العادي بموجب قرار سياسي مفروض بموجب تسوية إقليمية دولية وخلافاً لأحكام الدستور.

وفي الختام، قدّم أعضاء المجموعة الممثّلين للكتل والأحزاب السياسية: فياض وابي رميا وحوري وكرم وجباوي وأبو كروم وغانم، شهاداتهم عن عملية الحوار وما تخللها من نقاش توصل بهم الى صياغة هذه الوثيقة كتسوية تفتح على تسويات أكثر تقدماً وتصب في مجرى تكريس سيادة لبنان ومؤسساته على المخيمات والتجمعات الفلسطينية بالتعاون مع المجتمع الفلسطيني وممثليه وتحسّن أوضاع وظروف الحياة.

الكلمات: